قال : الشيخ الإمام الأجل الزاهد شمس الأئمة وفخر الاسلام " أبو بكر محمد بن أبي سهل السرخسي " C تعالى بنى مسائل أول الكتاب على ما بينا في كتاب الصلاة أن مراعاة الترتيب بين الفوائت وبين فرض الوقت واجب إلا في حالة النسيان أو ضيق الوقت أو كثرة الفوائت . ثم هذه الصلاة لا يقيمها بالجماعة إلا الإمام الذي يصلي بالناس الجمعة والعيدين فأما أن يصلي كل فريق في مسجدهم فلا لأنه أقامها رسول الله A وإنما يقيمها الآن من هو قائم مقامه وإن لم يقمها الإمام صلى الناس فرادى إن شاؤوا ركعتين وإن شاؤوا أربعا لأن هذا تطوع والأصل في التطوع اداؤها فرادى إن شاؤوا ركعتين وإن شاؤوا أربعا وذلك أفضل ثم إن شاؤوا طولوا القراءة وإن شاؤوا قصروا ثم اشتغلوا بالدعاء حتى تنجلي الشمس فإن عليهم الاشتغال بالتضرع إلى أن تنجلي وذلك بالدعاء تارة وبالقراءة أخرى وصح في الحديث : " أن قيام رسول الله A في الركعة الأولى كان بقدر سورة البقرة وفي الركعة الثانية بقدر سورة آل عمران " فالأفضل أن يطول القراءة فيها .
قال : لو أن رجلا نسي الظهر فصلى من العصر ركعة في أول وقتها ثم ذكر فإنه يقطع العصر ثم يصلي الظهر ثم يصلي العصر لأنه لو كان ذاكرا للظهر عند الشروع لم يصح شروعه في العصر في أول وقتها فإذا ذكرها قبل الفراغ من العصر لا يمكنه إتمام العصر أيضا كالمتيمم إذا أبصر الماء قبل الفراغ من الصلاة .
قال : ولا يجهر بالقراءة في صلاة الجماعة في كسوف الشمس في قول " أبي حنيفة " Bه ويجهر بها في قول " أبي يوسف " C وقول " محمد " C تعالى مضطرب وجه قول " أبي يوسف " C تعالى " حديث " علي " Bه : أنه جهر بالقراءة في صلاة الكسوف " ولأنها صلاة مخصوصة تقام بجمع عظيم فيجهر فيها بالقراءة كالجمعة والعيدين .
وفي قوله : يقطع العصر : إشارة إلى أنه بمجرد تذكر الظهر لا يصير خارجا من العصر على الإطلاق وهذا لاختلاف العلماء واشتباه الآثار فيه والسبيل في العبادات الأخذ بالاحتياط وتمام الاحتياط في أن يقطع العصر .
قال : فإن مضى في العصر لم يجزه لانعدام شرط الجواز فإن مراعاة الترتيب بعد التذكر شرط لجواز العصر ثم يجزيه عن التطوع في قول " أبي يوسف " C تعالى وهو أظهر الروايتين عن " أبي حنيفة " C تعالى رواه " الحسن " . وفي قول " محمد " C تعالى لا يجزئه عن التطوع وهو رواية عن " أبي حنيفة " أيضا وهو قول " زفر " C تعالى بناء على ما بينا في كتاب الصلاة أن عند " محمد " C تعالى للصلاة جهة واحدة فإذا فسدت صار خارجا من الصلاة . وعند " أبي حنيفة " و " أبي يوسف " رحمهما الله تعالى بفساد الجهة لا يفسد أصل الصلاة إذا لم يكن ما اعترض منافيا لأصل الصلاة وتذكر الظهر لا ينافي أصل الصلاة وإنما يمنع أداء العصر فيفسد العصر ويبقى أصل الصلاة بمنزلة المكفر بالصوم إذا أيسر في بعض اليوم . وعلى هذا لو افتتح العصر الأول وقتها وهو ذاكر للظهر لم يجزه عن العصر وعند " محمد " C تعالى لا يصير شارعا في الصلاة حتى لو ضحك قهقهة لا يلزمه الوضوء وعند " أبي يوسف " C تعالى وهو رواية عن " أبي حنيفة " C تعالى يصير شارعا في الصلاة وفرق بين أول الوقت وبين آخر الوقت فقال : عند ضيق الوقت عليه أن يبدأ .
صفحة [ 88 ] بفرض الوقت . ولو بدأ بالفائتة أجزأه إذا كان الوقت قابلا للفائتة وعند سعة الوقت عليه أن يبدأ بالفائتة ولو بدأ بفرض الوقت لم يجزه لأن عند ضيق الوقت النهي عن البداءة بالفائتة لم يكن لمعنى فيها بل لما فيه تفويت فرض الوقت ألا ترى أنه كما ينهى عن البداءة بالفائتة ينهى عن الاشتغال بالتطوع والنهي متى كان لمعنى في غير المنهي عنه لا يكون مفسدا كالنهي عن الصلاة في الأرض المغصوبة وعند سعة الوقت النهي عن البداءة بفرض الوقت لمعنى فيها بدليل أنه لا ينهى عن الاشتغال بالتطوع في هذه الحالة والنهي متى كان لمعنى في المنهي عنه كان مفسدا له . فإن افتتح العصر في آخر وقتها وهو ناس للظهر فصلى منها ركعة ثم احمرت الشمس ثم تذكر أن الظهر عليه فإنه يمضي في صلاته لأن تذكر الظهر في هذا الوقت لا يمنع افتتاح العصر فلا يمنع المضي فيها بطريق الأولى وهذا لأنه لو قطعها واشتغل بالظهر لم يجز له أداء الظهر ففيه تفويت الصلاتين عن الوقت فكان تذكر الظهر وجودا وعدما بمنزلة .
قال : وهي تامة يعني من حيث الجواز لا من حيث الاستحباب فإن أداء العصر في هذا الوقت مكروه على ما قال " ابن مسعود " رضي الله تعالى عنه : ما أحب أن يكون لي صلاة حين تحمر الشمس بفلسين . وإن كان قد افتتح العصر لأول وقتها وهو ذاكر للظهر فصلى منها ركعة ثم احمرت الشمس فإنه يقطع الصلاة لأنه ما صح شروعه في العصر في أول وقتها مع ذكره للظهر والبناء على الفاسد غير ممكن فعليه أن يقطع صلاته ثم يستقبل العصر وهذا قول " أبي حنيفة " و " أبي يوسف " رحمهما الله تعالى لأن عندهما صار شارعا في التطوع ولكن أداء التطوع بعد ما احمرت الشمس منهي عنه وأداء عصر اليوم مأمور به في هذا الوقت فعليه أن يقطع المنهي عنه ويشتغل بالمأمور به . وعلى قول " محمد " C تعالى هو غير شارع في الصلاة أصلا فعليه أن يستقبل العصر