( قال C ) ( قد ذكرنا في كتاب الشفعة أن صلح الشفيع مع المشتري على ثلاثة أوجه : في وجه يصح على أخذ نصف الدار بنصف الثمن وفي وجه لا يصح ولا تبطل شفعته وهو أن يصالح على أخذ بيت بعينه من الدار بحصته من الثمن ) لأن حصته مجهولة ولا تبطل شفعته لأنه لم يوجد منه الإعراض عن الأخذ بالشفعة بهذا الصلح وفي وجه تبطل شفعته ولا يجب المال وهو أن يصالح على أن يترك الشفعة بمال يأخذه من المشتري فهنا تبطل شفعته لوجود الإعراض منه عن الأخذ بالشفعة ولا يجب المال لأن ملك المشتري في الدار لا يتغير بهذا الصلح بل يبقى على ما كان قبل الصلح وترك الشفعة ليس بمال ولا يؤول مالا بحال فالاعتياض عنه بالمال لا يجوز بخلاف القصاص فإن نفس القاتل كانت مباحة في حق من له القصاص وبالصلح تحدث له العصمة في حقه فيجوز أن يلزمه بمقابله .
ولو صالح المشتري الشفيع على أن أعطاه الدار وزاده الشفيع على الثمن شيئا معلوما فهو جائز لأن تسليم الدار بالشفعة بثمن بغير قضاء يكون بيعا مبتدأ والثمن الذي وقع عليه التراضي معلوم فكأنه باعه منه مرابحة بما سميا من الثمن .
وإذا اختصم في الشفعة شريك وجار فاصطلحا على أن أخذاها نصفين وسلمهما المشتري جاز كما لو باعها منهما ابتداء .
وإذا اشترى الرجل دارا فخاصمه رجل في شقص منها وطلب الشفعة فيما بقي ثم صالحه المشتري على نصف الدار بنصف الثمن على أن يبرأ من الدعوى فهو جائز بمنزلة البيع المبتدأ فإن بيع نصف الدار منه بالثمن ابتداء صحيح وشرط البراءة من الدعوى لا يبطل البيع أما إذا لم يكن مشروطا فتصحيح هذا بعقد ممكن بأن كان للمدعي جزء من هذا النصف فيكون المدعي تاركا للدعوى فيه بإقدامه على الشراء ابتداء وقابضا لذلك الشقص بحقه مشتريا لما زاد عليه بما سمي من الثمن أو مصالحا في ذلك الشقص بعوض يؤديه مشتريا فيما زاد عليه .
ولو ادعى في دار في يد رجل حقا أو ادعاها كلها فصالحه على دراهم فلا شفعة للشفيع فيها لأن المدعى عليه يزعم أن الدار له على قدم ملكه وزعمه فيما في يده معتبر فكما لا يتمكن المدعي من أخذ ما في يده باعتبار زعمه فكذلك الشفيع وقد بينا أن بإقدامه على الصلح لا يصير مقرا للمدعي بالدار وإنما التزم البدل فداء ليمينه . وإن خاصمه في الشفعة فسلم له نصف الدار بنصف الثمن الذي صالح عليها المدعي جاز كما لو باعه منه ابتداء ولو اشترى أرضا فسلم الشفيع الشفعة ثم جحد التسليم وخاصمه فصالحه على أن أعطاه نصف الدار بنصف الثمن جاز وهذا والبيع المبتدأ منه سواء .
وكذلك لو مات الشفيع ثم صالح الورثة المشتري على نصف الدار بنصف الثمن جاز كالبيع المبتدأ .
وإذا ادعى الرجل شفعة في دار فصالحه المشتري على أن يسلم له دارا أخرى بدراهم مسماة على أن يسلم له الشفعة فهذا فاسد لا يجوز لأنه بائع الدار الأخرى منه وقد شرط فيه تسليم الشفعة وهو شرط ينتفع به أحد المتعاقدين فإذا شرط في البيع فسد العقد كما لو باعه عبدا بألف درهم على أن يسلم له الشفعة .
ولو ادعى شفعة في عبد فصالحه المشتري على أن يسلم نصف العبد بنصف الثمن وهو معلوم عندهما جاز لأنه بيع مبتدأ والبيع ينعقد بلفظ التسليم وبفعل التسليم وإن لم يكن هناك لفظ كما هو مذهبنا في انعقاد البيع صحيحا بالتعاطي والله أعلم بالصواب