( قال C ) ( وإذا ادعى رجل على رجل كفالة بنفس رجل وشهد له شاهدان فاختلفا في الوقت أو في البلد الذي وقعت الكفالة فيه أو في الأجل بأن قال أحدهما : إلى شهر وقال الآخر : إلى شهرين أو قال أحدهما : حال وقال الآخر : إلى شهر فالكفالة لازمة في ذلك كله ) لأنه قول يعاد ويكرر فلا يختلف المشهود به وهو أصل الكفالة باختلافهما في هذه الأشياء ولو شهدا أن هذا كفل لهذا بنفس رجل . لا نعرفه ولكن نعرف وجهه إن جاء به فهو جائز لأنهما يشهدان على قول الكفيل ويجعل ما ثبت من قوله بشهادتهما كالثابت بإقراره فيقضي القاضي به ويأمره أن يأتي به على معرفتهما .
ولو قالا : لا نعرف وجهه أيضا فإنه يأخذ بالكفالة بمنزلة ما لو أقر عند القاضي بأنه كفل بنفس رجل لهذا ثم يقال له أي رجل أتيت به وقلت هو هذا وحلفت عليه فأنت بريء من الكفالة وهذا لأن جهالة المقر به لا تمنع صحة الإقرار فالقول في بيانه قول المقر بمنزلة ما لو أقر أنه غصب من فلان شيئا أو شهد الشهود على إقراره بذلك .
ولو قال أحدهما كفل بنفس فلان وقال الآخر كفل بنفس فلان الآخر لم تجز الشهادة لاختلافهما في المشهود به على وجه لا يمكن التوفيق فيه .
ولو ادعى رجل كفالة بنفسه رجلين فأقام شاهدين فأثبتا كفالة أحدهما واختلفا في الآخر فأثبته أحدهما وشك الآخر فيه فإنه يؤخذ بالكفالة التي اجتمعا عليها لأن الحجة فيها قد تمت وفي الآخر لم تتم الحجة حين شك فيه أحدهما والكفالة بأحدهما تنفصل عن الكفالة بالآخر .
ولو شهد رجلان على رجل أنه كفل لأبيهما ولرجل بنفس فلان كانت شهادتهما باطلة لأنهما يشهدان بلفظ واحد وقد بطلت شهادتهما في حق أبيهما فتبطل في حق الآخر أيضا إذ المشهود به لفظ واحد .
ولو شهد رجلان على رجل أنه كفل لفلان بنفس فلان فإن لم يواف به غدا فعليه ما عليه وهو ألف درهم فهو جائز لأن الثابت بالبينة كالثابت بالمعاينة أو إقرار الخصم .
فإن اختلفا في الوقت أو المكان أو الأجل فشهادتهما جائزة إذا ادعى الطالب أقرب الأجلين .
فإن ادعى أبعد الأجلين لم تقبل الشهادة لأنه قد أكذب الذي شهد بإقرارهما حين ادعى الأبعد وإنما أكذبه فيما شهد له به وإكذاب المدعي شاهده فيما شهد له يبطل شهادته بخلاف الأول فهناك إنما أكذب الشاهد بأبعد الأجلين فيما شهد عليه به وذلك لا يضره وهو بمنزلة ما لو ادعى ألفا وشهد له أحد الشاهدين بألف وخمسمائة لا تقبل ولو ادعى ألفا وخمسمائة وشهد له أحد الشاهدين بألف قبلت شهادتهما على مقدار الألف لهذا المعنى .
ولو اختلفا في المال فشهد أحدهما بدراهم والآخر بدنانير لم تجز شهادتهما في شيء من ذلك إذا ادعى الطالب النصفين وقال : لم يشهد لي بالنصف الآخر لأنه أكذب أحدهما فيما شهد له به فتبطل شهادتهما في جميع ما شهدا به .
وإن ادعى النصفين جميعا جازت شهادتهما في الكفالة بالنفس . وبطلت في المال لأنه ما أكذب واحدا منهما فيقضي بشهادتهما فيما اتفقا عليه ويتعذر القضاء فيما تفرد به كل واحد منهما .
فإن اتفقا في المال أنه ألف درهم فقال أحدهما قرض وقال الآخر : ثمن مبيع وقال لم تشهد لي على القرض فقد أكذب الشاهد بالقرض فلا تجوز شهادته له في شيء من ذلك .
وإن ادعى الطالب ألفين ألف قرض وألف ثمن مبيع فهو ما أكذب واحدا منهما فتجوز شهادتهما له في الكفالة بالنفس وفي ألف درهم لا يقبلها على وجوب الألف واختلافهما في الجهة لا يمنع القضاء بالمال لأنهما اختلفا ولم يختلفا بقلة ولأن الجهة غير مطلوبة بعينها وإنما المقصود المال بخلاف الأول فقد اختلفا هنا في جنس المال الذي هو مقصود .
وإن كان الشاهدان كفيلين بالمال عن صاحب الأصل لم تجز شهادتهما لأنهما يجران بها إلى أنفسهما مغنما فإن الطالب إذا أخذ المال من المشهود عليه استفاد البراءة به .
وكذلك لا تجوز شهادة ولدهما ووالدهما لأنه ينفعهما بشهادته وكذلك لا تجوز شهادة ابن الأصيل على الكفيل بذلك لأنه ينفع أباه فإن الطالب إذا استوفى المال من الكفيل برئ الأصيل وكذلك تجوز شهادة ابن الكفيل إذا أقر به الكفيل وأنكره الأصيل لأنه شهد لأبيه في ثبوت حق الرجوع على الأصيل عند الأداء وإن جحد الكفيل وأقر به الأصيل جازت شهادة ابن الكفيل لأنه يشهد على أبيه للطالب بإلزام المال .
وإذا ادعى رجل على رجل أنه كفل له بنفس رجل وبألف درهم له عليه إن لم يواف به غدا وشهد له بذلك شاهدان وشهدا أن المكفول به أمر الكفيل بذلك والكفيل والمكفول به ينكران المال والأمر فقضى القاضي بتلك الشهادة على الكفيل ولم يواف به فأخذ المال وأداه رجع به على المكفول به عندنا .
وقال زفر - C - لا يرجع لأنه أقر عند القاضي أنه أمره بالكفالة عنه بشيء وإقراره حجة عليه ولأنه بزعمه مظلوم فيما أخذ منه المال وليس للمظلوم أن يظلم غيره ولكنا نقول القاضي أكذبه في إقراره وزعمه حين ألزمه المال بشهادة الشهود والمقر متى صار مكذبا في إقراره حكما سقط اعتبار إقراره كالمشتري إذا كان أقر بالملك لبائعه فاستحق المبيع من يده بالبينة رجع على بائعه بالثمن ولم يعتبر إقراره بذلك .
ولو أقر الكفيل بالكفالة بالنفس والمال وقال لم يأمرني بذلك فقضى عليه القاضي بذلك ثم جاء الكفيل بالبينة أن المكفول عنه أمره بالكفالة لم تقبل بينته على ذلك لأنه مناقض في دعواه حين أقر أنه لم يأمره بذلك والمناقض لا يقبل بينة على خصمه ولأن القاضي إنما قضى عليه بالكفالة بالمال بإقراره على نفسه بذلك وإقراره ليس بحجة على الأصيل بخلاف الأول فالقضاء هناك كان بحجة البينة وقد قامت على الكفيل والأصيل جميعا .
وإذا كفل بنفسه بأمره فإن لم يواف به غدا فعليه المال ولو ادعى الكفيل أنه وافى به لم يصدق إلا ببينة لأنه ادعى مانعا أو مسقطا بعد ما ظهر سبب وجوب المال عليه وهو الكفالة فإن أقام البينة على ذلك برئ من الكفالة بالنفس والمال جميعا لأن الثابت بالبينة كالثابت بالمعاينة ويستوي إن شهدا على الموافاة أو على إقرار الطالب بذلك فإن اختلفا في مكان إقراره أو وقته جازت الشهادة لأن الإقرار قول يكرر .
وإن شهد أحدهما أنه دفعه إليه غدوة بمحضر منه بغير إقراره وشهد الآخر أنه دفعه إليه عشية بمحضر منه بغير إقرار والمدعي يدعي أحدهما أو كلاهما وقال دفعته إليه غدوة أو عشية لم تجز شهادتهما لاختلافهما في المشهود به فإن الفعل الموجود في مكان أو زمان غير الفعل الموجود في مكان أو زمان آخر .
ولو أقر الكفيل أنه لم يدفع الرجل إليه وأن المال قد لزمه والشهود شهدوا بباطل وقد اتفقت شهادتهما فالمال لازم للكفيل لإكذابه الشاهدين فيما شهدا به له ولا يرجع به إذا أداه على المكفول عنه لأنه قد أقر به فلزمه ذلك بإقراره بعد ما ظهرت حجة براءته وإقراره ليس بحجة على الأصيل .
وإذ كفل رجل بنفس رجل فإن لم يواف به غدا فعليه المال فشهد عليه شاهد بذلك معاينة وآخر بإقراره والكفيل يجحد ذلك لزمه ذلك لأن الكفالة قول وصيغة الإقرار والإنشاء فيه واحد وفي مثله اختلاف الشاهدين في الإقرار والإنشاء لا يضر كالبيع .
وإن شهدا على رجل أنه كفل لرجل بألف درهم عن فلان واختلفا في اللفظ فقال أحدهما : كفل بها وقال الآخر : ضمنها أو قال أحدهما : هي لي وقال الآخر : هي علي فالشهادة جائزة لاتفاقهما فيما هو المقصود وهو الكفالة والألفاظ قوالب المعاني فعند اتفاقهما على العقد المشهود به لا يضرهما اختلاف العبارة كما لو شهد أحدهما بالهبة والآخر بالنحلة .
وإن قال أحدهما : احتال بها عليه وقال الآخر : ضمنها له على أن أبرأ الأول أو لم يذكر البراءة وادعى الطالب الضمان أو الحوالة والبراءة فإنه يأخذ المحتال عليه بالمال لاتفاق الشاهدين على الحوالة وإن اختلفا في العبارة أو لاتفاقهما على التزام المشهود عليه للمال كما إذا شهد أحدهما بالضمان ولم يذكر البراءة وهذا لأن في الحوالة ضمانا وزيادة فيقضي بما اتفقا عليه والأصيل بريء بإقرار الطالب لا بشهادة أحد الشاهدين بالحوالة .
ولو ادعى الطالب الضمان بغير براءة وقال لم أحل عليه فإنه يأخذ أيهما شاء بالمال لاتفاق الشاهدين على مقدار الالتزام بالضمان والطالب ما أكذب الذي شهد له بالحوالة في شهادته له وإنما أكذبه في شهادته عليه وهو براءة الأصيل وذلك لا يمنع قبول الشهادة كما لو شهدا له بالمال وشهد أحدهما أنه استوفاه أو أنه أبرأ المطلوب منه .
قال ( ألا ترى ) ( أنه لو شهد شاهدان أنه كفل له بالمال على أن أبرأ الأول والطالب يقول لم أبريء الأول والكفيل يجحد الكفالة قضيت للطالب بالكفالة وأبرأت الأصيل إذا كان هو يدعي شهادتهما على البراءة ) وبهذا يتبين أنهما في الشهادة على البراءة يشهدان على الطالب لا له وكذلك لو شهدا بالحوالة وقال الطالب : إنما كفل لي فهو ما أكذبهما فيما شهدا له من ضمان المال .
ولو شهد رجلان على رجل أنه كفل بألف درهم لرجل فقال أحدهما إلى سنة وقال الآخر : حالة وادعى الطالب حالة وجحد الكفيل أو أقر وادعى الأجل فالمال عليه في الوجهين من قبل أن الطالب لم يكذب شاهده فيما شهد له به وإنما أكذبه فيما شهد به عليه والشاهد بالأجل للكفيل واحد .
وقد بينا فيما سبق أن زفر - C - يخالفنا في جميع هذه الفصول وأنه لا يفصل بين الإكذاب فيما شهد به له أو عليه .
ولو ادعى رجل قبل رجلين كفالة بألف درهم وكل واحد منهما كفيل ضامن بها وشهد له شاهدان فشهد أحدهما بذلك عليهما وشهد الآخر على أحدهما فإن الطالب يأخذ الذي اجتمعا عليه بالألف لأن كل واحد منهما بحكم هذه الكفالة مطالب بجميع المال وقد تمت الحجة على أحدهما .
ولو شهد شاهد عليهما وشهد آخر على أحدهما وشهد الآخر على الآخر كان للطالب أن يأخذهما جميعا بالمال لأن الحجة قد تمت في حق كل واحد منهما في حق أحدهما لشهادة الأولين وفي حق الآخر بشهادة الآخر أخذ الأولين مع الثالث وإن شهد اثنان على أحدهما أنه كفل له هو وفلان عن فلان بألف درهم على أن يأخذ أيهما شاء وشهد له الآخران على كفيل الآخر بمثل ذلك كان له أن يأخذ أيهما شاء بجميع المال لأن الحجة قد تمت في حق كل واحد منهما بالتزامه جميع المال ولو شهد له شاهدان بالمال حالا على الأول وشهد له آخران على الآخر بالمال إلى أجل على مثل شهادة الأول كان جائزا وأخذ الطالب صاحب الأجل بالمال إلى أجله والآخر بالمال حالا اعتبارا للثابت بالبينة بالثابت بالمعاينة .
وكذلك إن اختلف الفريقان في مبلغ المال أخذ الطالب أيهما شاء بما شهد به الشاهدان عليه اعتبارا بما لو أقر كل واحد منهما بذلك القدر .
وإذا ادعى رجل كفالة ألف درهم له على رجل قد سماه فشهد شاهدان أنه كفل له بألف درهم عن رجل وقالا رأيناه ولم نعرفه أو لم نره ولكن الكفيل أشهدنا على ذلك فالمال لازم للكفيل لأنهما يشهدان على قوله فهو بمنزلة شهادتهما على إقراره والمشهود له معلوم إذا أدى الكفيل المال لم يرجع على المكفول عنه إلا أن يشهد له شاهدان أنه أمره بذلك .
وإن أراد الطالب أن يأخذ الأصيل دون الكفيل لم يكن له ذلك إذا جحد لأن البينة الأولى ليست بحجة على الأصيل حين لم يعرفه الشهود أو لم يروه .
وإذا ادعى الرجل على الرجل ألف درهم أحال بها فلان الغائب وأقام البينة فأدى إليه المحتال عليه رجع بها على المحيل ولم يكلف إعادة البينة عليه لأن المحتال عليه التزم بالحوالة بالمال الذي هو على الأصيل وإنما يتحول إلى ذمته ما كان في ذمة الأصيل على أن يكون هو خلفا عن الأصيل .
ولهذا لو مات مفلسا عاد المال إلى الأصيل فانتصب هو خصما عنه ومن ضرورة القضاء عليه بالحوالة بالأمر القضاء بالمال على المحتال عليه .
ولو كان الطالب غائبا فأقام المحتال عليه البينة على الأصيل أنه كان لفلان عليك ألف درهم وأحلته بها علي وأديتها إليه قضيت بها له عليه وهو قضاء على الطالب بالاستيفاء لأنه ادعى لنفسه المال على الأصيل ولا يتوصل إلى ذلك إلا بإثبات الأداء إلى الطالب ولا يتوصل الأصيل إلى دفع ذلك عن نفسه إلا بإنكار قبض الطالب بالاستيفاء فلا يلتفت إلى جحوده بعد ذلك إذا حضر والكفالة في هذا قياس الحوالة .
ولو ادعى رجل على رجل كفالة بنفس أو مال أو حوالة ولا بينة له استحلف المدعى عليه فإن نكل عن اليمين لزمه ذلك وإن حلف برئ ورجع المدعي على صاحب الأصيل بالمال وهذا ظاهر في الكفالة فإن الكفالة لا توجب سقوط مطالبة الطالب عن الأصيل وكذلك في الحوالة لأن الأصيل إنما يبرأ إذا ثبتت الحوالة ولم نثبت حين حلف المحتال عليه ولأنه حين جحد وحلف قد تحقق التوى وذلك يوجب عود المال إلى الأصيل كما لو مات المحتال عليه مفلسا .
فإن نكل عن اليمين وأدى المال رجع على الأصيل إن كان مقرا أو قامت بينة عليه بالأمر وجحود المحتال عليه لا يبطل تلك الحوالة لأنه صار مكذبا في ذلك حين قضى القاضي به عليه ولم يجعل نكوله هنا بمنزلة إقراره بل جعله بمنزلة البينة لأنه مضطر إلى هذا النكول وإنما لحقته هذه الضرورة في عمل باشره لغيره فهو نظير الوكيل بالبيع إذا نكل عن اليمين في دعوى العيب فرد عليه كان ذلك ردا على الموكل .
ولو كان قضى بالمال على الكفيل أو المحتال عليه ببينة قامت عليه بذلك وإن فلانا أمره به فأدى المال وصاحب الأصل جاحد للآمر فإنه يرجع عليه بالمال لأنه صار مكذبا شرعا بالبينة التي قامت عليه بذلك .
ولو كان قضى عليه بالمال بنكوله عن اليمين وأداه فله أن يستحلف الأصيل بالله ما أمره بذلك لما بينا أنه مضطر إلى النكول إلا أن نكوله ليس بحجة على الأصيل في الأمر فيحلفه على ذلك .
ولو ادعى قبل رجل كفالة بنفس أو مال فقال الكفيل لم أكفل له بشيء وقد أبرأني من هذه الدعوى فاستحلفه ما أبرأني وقال الطالب : بل استحلفه ما كفل به لي فإني استحلفه بالله ماله قبله ذلك لأن القاضي إنما يشتغل بالاستحلاف على ما هو المقصود وهو قيام الكفالة بينهما في الحال فيحلف على ذلك فإن حلف برئ وإن نكل لزمته الكفالة ولم يستحلف الطالب بالله ما أبرأه لأن الكفيل يدعي عليه البراءة فيحلف على ذلك لحقه فإن نكل عن اليمين برئ الكفيل من كفالته كما لو أقر ببراءته .
وإن ادعى الكفيل بالنفس أنه دفعه إلى وكيل الطالب حلف الطالب على علمه لأنه استحلاف على فعل الغير بخلاف ما إذا ادعى الدفع إليه فإنه استحلاف على فعل نفسه فيكون على البتات .
ولو ادعى رجل قبل رجل كفالة فقال أخذك غلامي حتى كفلت لي بفلان وجحد الكفيل ذلك فإنه يحلف على ذلك لأنه لو أقر به لزمه تسليم النفس إليه .
وإن كانت الكفالة له بحضرة غلامه دونه فإن أنكر يستحلف عليه لرجاء النكول وإذا طلب مدعي الكفالة بنفس أو مال أن يحلف الكفيل بالله ما كفل لم يحلف كذلك ولكنه يحلف بالله ماله قبلك هذه الكفالة لأن الإنسان قد يكفل لغيره ثم يبرأ من كفالته بسبب فلو حلفه القاضي ما كفل يضر به لأنه لا يمكنه أن يحلف .
وإن كان هو محقا في إنكاره الكفالة في الحال والقاضي مأمور بالنظر للخصمين فلهذا يحلفه بالله ماله قبلك هذه الكفالة وكذلك هذا في كل دين ومال وديعة وعارية وشراء وإجارة فإنه لا يحلف ما اشتريت ولا استودعك ولا أعارك . ولا استأجرت منه ولكن يحلف بالله ماله قبلك ما ادعى به .
وعن أبي يوسف - C - أنه قال هذا إذا عرض المدعى عليه فقال : أيها القاضي قد يكفل الإنسان ثم يبرأ منه فلا يلزمه شيء فأما إذا لم يشتغل بهذا التعريض فإنه يحلف بالله ما كفلت لأنه إنما يستحلف على جحوده وقد جحد الكفالة أصلا فيحلف على ذلك فإذا عرض فقد طلب من القاضي أن ينظر له فعلى القاضي إجابته إلى ذلك وإن لم يعرض فهو الذي لم ينظر لنفسه فلا ينظر القاضي له ولكنه يحلفه على جحوده .
وفي ظاهر الرواية قال : هذا التعريض لا يهتدي إليه كل خصم وعلى القاضي أن يصون قضاء نفسه عن الجور ونفسه عن الظلم فيحلفه على ما بينا عرض الخصم أو لم يعرض .
ولو قال الكفيل : للقاضي : حلف الطالب أن له قبلي هذه الكفالة فإني أرد عليه اليمين فإنه لم يرد عليه اليمين لأن الشرع جعل اليمين على المنكر فإذا رددت اليمين على المدعي فقد خالفت الأثر وقد بينا هذا في الدعوى .
ولو جاء الطالب بشاهديه على قوله فقال المطلوب استحلفه بالله لقد شهدت شهوده على حق لم أستحلفه على ذلك لأن رسول الله - A - جعل البينة على المدعي فإذا جعلت عليه مع البينة يمينا فقد جعلت ما لم يجعله رسول الله - A - وذلك ممتنع والله أعلم بالصواب