قال : وإذا صلى الإمام بالناس في المسجد الحرام وقف في مقام " إبراهيم " وتحلق الناس حول الكعبة يقتدون به فيجزيهم به جرى التوارث من لدن رسول الله A إلى يومنا هذا والأصل فيه قوله تعالى : { " فول وجهك شطر المسجد الحرام " } البقرة : 144 والقوم كلهم قد استقبلوا القبلة وواحد منهم لم يتقدم الإمام في مقامه فيجزيهم إلا من كان ظهره إلى وجه الإمام وكان مستقبلا الجهة التي استقبلها الإمام وهو أقرب إلى حائط الكعبة من الإمام فهذا متقدم على الإمام فلا يصح اقتداؤه به . فإن وقفت امرأة بحذاء الإمام تقتدي به وقد نوى إمامتها فإن استقبلت الجهة التي استقبلها الإمام فصلاة الإمام والقوم فاسدة لوجود المحاذاة في صلاة مشتركة وإن استقبلت الجهة الأخرى لم تفسد صلاة الإمام وإنما تفسد صلاة ثلاثة نفر من عن يمينها ومن عن يسارها ومن خلفها بحذائها لوجود المحاذاة في حقهم فإنهم يستقبلون الجهة التي استقبلتها هي وإن كانوا يصلون فرادى لم تفسد صلاة أحد بالمحاذاة وقد بينا هذا فيما سبق . قال : وإن كانت الكعبة تبنى وقد أظرف في العبارة في هذا اللفظ لأنه كره اطلاق لفظ الانهدام على الكعبة وبهذا اللفظ يفهم هذا المقصود . فإذا تحلق الناس حول الكعبة وصلوا هكذا جازت صلاتهم عندنا . وقال " الشافعي " Bه إن لم يكن في تلك البقعة شيء موضوع لا يجزئهم لأن عنده القبلة هي البناء والبقعة جميعا فإن الاستقبال إنما يتحقق إلى البناء . فأما عندنا فالقبلة هي الكعبة سواء كان هناك بناء أو لم يكن ألا ترى أن البناء لو نقل إلى موضع آخر لا يكون قبلة وقد رفع البناء في عهد " ابن الزبير " حين بنى البيت على قواعد .
صفحة [ 79 ] الخليل صلوات الله عليه وفي عهد الحجاج حين أعاده إلى ما كان عليه في الجاهلية وكان يجوز الصلاة للناس وإن لم يكن هناك بناء إلا أنه يكره ترك اتخاذه السترة لما فيه من استقبال الصورة وقد " نهى رسول الله A عن ذلك في الصلاة " وأن " ابن عباس " رضي الله تعالى عنه في عهد " ابن الزبير " C تعالى أمر بتعليق الأنطاع في تلك البقعة وإنما أمر بذلك ليكون بمنزلة السترة لهم . قال : فإن صلوا في جوف الكعبة النافلة فالمذهب عندنا أنه يجوز أداء الصلاة في جوف الكعبة النافلة والمكتوبة فيه سواء وقال " مالك " Bه لا يجوز أداء المكتوبة في جوف الكعبة لأنه إن كان مستقبلا جهة فهو مستدبر جهة أخرى والصلاة مع استدبار القبلة لا تجوز فيؤخذ بالاحتياط في المكتوبة وفي التطوع الأمر أوسع وقاس الصلاة بالطواف فإن من طاف في جوف الكعبة لا يجزئه طوافه .
ولنا أن الواجب عليه استقبال جزء من الكعبة وقد استقبلها بيقين والفرض والنفل في وجوب استقبال القبلة سواء فإذا جاز أداء النفل في الكعبة بهذا الطريق فكذلك الفرض وليس الصلاة كالطواف فإن الطواف بالبيت لا فيه ألا ترى أن الطواف خارج المسجد لا يجوز بخلاف الصلاة . وقد اخلتف الرواة أن النبي A هل صلى في الكعبة حين دخلها ف " روى " أسامة بن زيد " رضي الله تعالى عنه أنه لم يصل فيها " و " روى " ابن عمر " رضي الله تعالى عنه أنه صلى فيها ركعتين بين الساريتين المقدمتين " ومنه إلى الحائط قدر ثلاثة أذرع . فإن كان الإمام في جوف الكعبة والناس قد تحلقوا حولها كما ذكرنا أجزأهم وإن كانوا معه في جوف الكعبة فصلاة الإمام ومن وجهه إلى ظهر الإمام أو إلى يمين الإمام أو إلى يساره تجوز . وكذلك من كان وجهه إلى وجه الإمام إلا أنه يكره استقبال الصورة وإنما لا تجوز صلاة من ظهره إلى وجه الإمام وصلاة من كان مستقبلا الجهة التي استقبلها الإمام وهو أقرب إلى الحائط من الإمام لأنه متقدم عليه وهذا بخلاف ما إذا تحروا في ظلمة الليل واقتدوا بالإمام فإنه لا تجوز صلاة من علم أنه مخالف للإمام من الجهة هناك لأن عنده أن إمامة غير مستقبل القبلة فلا يصح اقتداؤه به وها هنا في كل جانب قبلة بيقين فهو لا يعتقد الخطأ في صلاة إمامه فجاز اقتداؤه به . ومن صلى على سطح الكعبة جازت صلاته عندنا وإن لم يكن بين يديه سترة . وقال " الشافعي " رضي الله تعالى عنه لا يجوز إلا أن يكون بين يديه سترة بناء على أصله أن البناء معتبر في جواز التوجه إليه للصلاة وعندنا القبلة وهي الكعبة فسواء كان بين يديه سترة أو لم يكن فهو مستقبل القبلة .
صفحة [ 80 ] وبالاتفاق من صلى على " أبي قبيس " جازت صلاته وليس بين يديه شيء من بناء الكعبة فدل أنه لا معتبر للبناء . وبعض أئمة بلخ قالوا بالاتفاق لو صلى على سطح الكعبة ووضع بين يديه إكافا تجوز صلاته ومن المحال أن يتعلق جواز الصلاة باستقبال الإكاف فدل أنه لا معتبر بالبناء والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب .
كل واحد منهما أن يأتم بصاحبه فصلاتهما فاسدة لأن كل واحد منهما نوى الاقتداء عند الشروع ونيته الاقتداء بالمقتدي لا تصح ألا ترى أن المسبوق إذا قام إلى قضاء ما فات فاقتدى به إنسان لم يصح اقتداؤه وهذا لأن المقتدي تبع ويستحيل أن يكون كل واحد منهما تبعا لصاحبه في صلاة واحدة فلهذا تفسد صلاتهما ثم ذكر مسألة المغمى عليه وقد بيناها في كتاب الصلاة وفرق بين الإغماء والنوم فإن النوم لا يسقط القضاء وإن كان أكثر من يوم وليلة لأن النائم في حكم القضاء كالمنتبه ألا ترى أنه إذا نبه انتبه بخلاف المغمى عليه وجعل الجنون كالإغماء فقال إذا جن يوما وليلة أو أقل فعليه قضاء الصلوات وإذا جن أكثر من يوم وليلة فليس عليه قضاء الصلوات وهذا لأن الجنون يعجزه عن فهم الخطاب مع بقاء الأهلية للفرض ألا ترى أن فرضه المؤدي يبقى على حاله يعني حجة الإسلام والصلاة المؤداة حتى لو أفاق قبل مضي الوقت لم يكن عليه اعادة الصلاة فعرفنا أن الجنون إذا قصر فهو كالإغماء فإن كان يوما وليلة أو أقل كان عليه قضاء الصلوات وقد ظن بعض أصحابنا أن الجنون إذا استوعب وقت صلاة كاملة لم يكن عليه قضاؤها بخلاف الإغماء قالوا لأن الجنون يزيل العقل ألا ترى أن من قال جن رسول الله A في شيء من عمره كفر وقد أغمى عليه في مرضه ولكن الأصح أنه في حكم الصلاة لا فرق بين الجنون والإغماء كما نص عليه هاهنا . رجل نسى صلاتين من يومين .
صفحة [ 102 ] وهو لا يدري أي صلاتين هما فعليه اعادة صلاة يومين أخذا بالاحتياط وليس عليه مراعاة الترتيب في القضاء لأن ما لزمه قضاؤها أكثر من ست صلوات فيسقط مراعاة الترتيب للكثرة وكذلك لو نسى صلاة من يوم وهو لا يدري أيها هي أو نسي سجدة من صلاة وعلى قول " سفيان الثوري " Bه يعيد الفجر والمغرب ثم يصلى أربع ركعات بنية ما عليه وعلى قول " محمد بن مقاتل " C تعالى يصلي أربع ركعات بثلاث قعدات وهذا ليس بصحيح عندنا لأن تعين النية في القضاء شرط للجواز والصلوات وإن اتفقت في أعداد الركعات فهي مختلفة في الأحكام لأن افتداء من يصلى الظهر بمن يصلي العصر لا يجوز فلا يتحقق تعيين النية فيما يقول " محمد بن مقاتل " C تعالى ولا فيما يقول " سفيان " Bه فلهذا ألزمناه قضاء صلاة يوم وليلة . ولو أن رجلا أم قوما شهرين ثم قال قد كان في ثوبي قذر فعلى القوم أن يصدقوه ويعيدوا صلاتهم لأنه أخبر بأمر من أمور الدين وخبر الواحد في أمر الدين حجة يجب العمل بها إلا أن يكون ما جنا فحينئذ لا يصدق لأن خبره في أمور الدين غير مقبول إذا كان ما جنا والذي يسبق إلى الأوهام أنه يكذب في خبره على قصد الإضرار بالقوم لمعني دخله من جهتهم والماجن هو الفاسق فإن المجون نوع من الجنون وهو أن لا يبالي بما يقول ويفعل فتكون أعماله على نهج أعمال المجانين وكان شيخنا الإمام Bه يقول الماجن هو الذي يدعي سبب نبت وهو الذي يلبس قباطاق 1 ويتمندل بمنديل خيش ويطوف في السكك ينظر في الغرف إن النساء ينظرن إليه أم لا . ولو طلعت الشمس وهو في خلال صلاة الفجر ثم قهقه قبل أن يسلم فليس عليه وضوء لصلاة أخرى أما على قول " محمد " C تعالى فلانه صار خارجا بطلوع الشمس وهو احدى الروايتين عن " أبي حنيفة " Bه وفي الرواية الأخرى وإن لم يصر خارجا من أصل التحريمة فقد فسدت صلاته بطلوع الشمس لأنه لا يجوز أداء النفل في هذا الوقت كما لا يجوز أداء الفرض فالضحك في هذه الحالة دون الضحك في صلاة الجنازة فلا يجعل حدثا وعلى قياس قول " أبي يوسف " C تعالى يلزمه الوضوء خصوصا على الرواية التي رويت عنه أنه يصبر حتى تطلع الشمس ثم يتم الفريضة فعلى هذه الرواية لا يشكل أن ضحكه صادف حرمة صلاة مطلقة فكان حدثا . ولو افتتح التطوع .
صفحة [ 103 ] حين طلعت الشمس ثم أفسدها متعمدا ثم قضاها حين احمرت الشمس أجزأه إلا على قول " زفر " C تعالى فإنه يقول لما أفسدها فقد لزمه قضاؤها وصار ذلك دينا في ذمته فلا يسقط بالأداء في الوقت المكروه بمنزلة المنذورة التي شرع فيها في وقت مكروه ولكنا نقول لو أداها حين افتتحها لم يكن عليه شيء آخر فكذلك إذا قضاها في مثل ذلك الوقت لم يلزمه شيء آخر لأن القضاء بصفة الأداء فهو والمؤدي حين شرع فيه سواء وقد بينا نظائره في كتاب الصلاة والله أعلم بالصواب