( قال C ) ( وإذا كان لرجل على رجل ثلثمائة درهم كل مائة منها في صك فصك منها قرض وصك كفالة عن رجل وصك كفالة عن آخر فدفع المطلوب مائة درهم إلى الطالب وأشهد أنها من صك كذا فهي من ذلك الصك ) لأنه هو المعطي وقد صرح في الإعطاء بالجهة التي أعطي بها المال فتصريحه بذلك نفي منه الإعطاء بسائر الجهات ولا معارضة بين النافي والمثبت وكذلك إن لم يشهد عند الإعطاء فوقع الاختلاف بينه وبين الطالب في الجهة التي أعطي بها فالقول قول المطلوب لأنه هو المالك لما أدى من الطالب .
والقول في بيان جهة الطالب للتمليك قول المملك لقوله A : ( إذا اختلف المتبايعان فالقول ما يقوله البائع ) . وهذا لأنه لو أنكر التمليك أصلا كان القول قوله فكذلك إذا أقر بالتمليك من جهة دون جهة وهذا لأن المديون إنما يقضي الدين بملك نفسه والإنسان مطلق التصرف في ملك نفسه مقبول البيان فيه في الانتهاء كما في الابتداء إذا كان مفيدا له وهذا بيان مفيد فربما يكون ببعض المال رهن فتعين المدفوع مما به الرهن ليسترد الرهن وربما يكون ببعض المال كفيل فتعجل المكفول له من ذلك ليبرئ كفيله .
وإن مات الدافع قبل أن يقول شيئا من ذلك كانت المائة من كل صك ثلاثة لأنه ليس جعل المدفوع من بعضها بأولى ببعض ولا بيان في ذلك لورثته لأنهم إنما يخلفونه فيما صار ميراثا لهم والمال الذي قضى به دينه لم يصر ميراثا لهم لأنه مجرد رأي كان له في التعيين فلا يصير ميراثا وهو حق البيان لما أراده عند الإعطاء ولا طريق لورثته إلى معرفة ذلك فلا يقومون فيه مقامه كحق البيان في العتق المبهم وكذلك إن مات الدافع والمدفوع إليه واختلفت الورثة فإنها من كل صك ثلاثة إلى أن تقوم البينة على شيء كان من الدافع قبل موته فبها تعين بعض الجهات فيجعل الثابت بالبينة كالثابت بالمعاينة أو يتصادق الورثة كلهم على شيء يعني ورثة الدافع والمدفوع إليه لأن الحق لهم .
فإذا تصادقوا على شيء كان ذلك كالثابت بالبينة أو يكون القابض حيا فيقول شيئا فتصدقه ورثة الدافع في ذلك .
ولو كان لرجل على رجلين ألف درهم في صك ثم أن أحدهما كفل عن صاحبه بأمره ثم أدى خمسمائة مما في الصك فجعله من حصة المكفول عنه عند الدافع أو بعد الدفع . فذلك صحيح والقول فيه قوله ويرجع بها المكفول عنه لأنه هو المالك لما أدى وهذا البيان منه مفيد فإذا قبل منه كان مؤديا دين الكفالة فيرجع على الأصيل لأنه كفل عنه بأمره ولو لم يؤد شيئا حتى كفل الآخر عنه أيضا بأمره فصار كل واحد منهما كفيلا عن صاحبه أو كانت الكفالة على ذلك في أصل الصك في عقد البيع أو القرض فأيهما قضى شيئا فهو من حصته خاصة دون حصة صاحبه حتى يؤدي حصته لأنه لا فائدة له في أن يجعل المؤدى عن صاحبه لا من جهة صاحبه بأن يقول أنا كفيل عنك بأمرك وأداؤك عني كأدائي بنفسي فكان لي أن أجعل المؤدى عنك فأنا أجعله الآن عنك فلا يزال يدور كذلك بخلاف ما سبق فالمؤدي هناك إذا جعل المؤدى عن صاحبه لا يكون لصاحبه أن يعارضه فيجعل المؤدى عنه لأن صاحبه ليس بكفيل عنه .
فإن أدى زيادة على مقدار حقه كانت مما كفل به عن صاحبه لأن صاحبه لا يتمكن في معارضته من هذه الزيادة وقد استفاد البراءة عن حصته بأدائه وبراءة الأصيل توجب براءة الكفيل وكذلك إن شرط عند الأداء للنصف أن يؤدي ذلك من حصة صاحبه فإنه لا يكون من حصته حتى يؤدي زيادة على النصف لأن هذا الشرط حق لا يفيده شيئا فإن صاحبه يعارضه بجعل المؤدى عنه .
ولو كان ثلاثة نفر عليهم ألف درهم من ثمن بيع وبعضهم كفلاء عن بعض كان ما أدى أحدهم من حصته إلى الثلاث فإذا جاوز الثلاث كانت الزيادة من حصة صاحبه لا يستطيع أن يجعلها من حصة أحدهما دون الآخر لأن كل واحد من الآخرين كفيل عن صاحبه كما أنه كفيل عنهما .
فإذا جعل الزيادة من حصة أحدهما كان للمجعول ذلك من حصته أن يجعله من حصة الآخر بالطريق الذي بينا فتحققت المعارضة بينهما فلهذا كانت الزيادة من النصيبين جميعا فيرجع على كل واحد منهما بنصف ذلك كما هو قضية المعارضة والمساواة .
ولو كانوا مكاتبين ثلاثة بعضهم كفلاء عن بعض فأدى بعضهم طائفة من الكتابة كان ذلك ممن حصتهم جميعا قل المؤدي أو كثر ولو جعلها المؤدي من حصته أو حصة صاحبيه أو أحدهما يجوز ذلك لأنهم كشخص واحد في حكم هذه المكاتبة إذ لو لم يجعلهم كذلك لم يصح فإن الكفالة من المكاتب والكفالة ببدل الكتابة لا تكون صحيحة والمكاتب الواحد لو أراد أن يجعل المؤدى عن بعض نفسه دون بعض لم يكن ذلك شيئا فهذا مثله بخلاف ما سبق فهناك كل واحد منهم أصل في بعض المال كفيل في البعض لأن ذلك في ثمن المبيع صحيح من الأحرار .
توضيح الفرق : أن في جعل المؤدي من نصيب المؤدي خاصة في باب الكتابة إبطال شرط المولى لأنه شرط أن لا يعتق واحد منهم حتى يصل إليه جميع المال فإذا أدى أحدهم الثلث وجعلنا ذلك من نصيبه خاصة عتق هو لأنه بريء مما عليه من بدل الكتابة وبراءة المكاتب على أي وجه كان توجب العتق وفي هذا إبطال شرط المولى فلهذا كان المؤدى عنهم جميعا وذلك لا يوجد في ثمن المبيع لأنا وإن جعلنا المؤدي هناك من نصيب المؤدي خاصة يبقى البائع في حبس المبيع إلى أن يصل إليه الثمن فجعلنا ذلك من حصته ما لم يزد المؤدي على الثلث .
ولو كان لرجل دين مائة درهم وله عنده وديعة مائة درهم فدفع إليه مائة درهم فقال الطالب : هي وديعتي وقال المطلوب : هلكت الوديعة وهي من الدين الذي كان لك فالقول قول الدافع مع يمينه لأن الاختلاف بينهما في الملك المدفوع وقد كان ذلك في يد الدافع فيكون القول قوله في أنه ملكي ولأنه أمين في الوديعة مسلط على ما يخبر به من هلاكها فيثبت القول بهلاك الوديعة ويبقى الدين وقد دفع إلى الطالب مثل الدين على جهة قضاء الدين فتبرأ ذمته من ذلك بعد أن يحلف على ما يدعي من هلاك الوديعة والكفالة بالمال في المرض بمنزلة الوصية حتى يبطل لمكان الدين المحيط بالتركة ويبطل إذا وقعت لوارث أو عن وارث ويبطل فيما زاد على الثلث إذا كان لأجنبي لأنه التزم المال على وجه التبرع فيكون بمنزلة تمليك المال في مرضه على وجه التبرع إلا أن يبرأ من مرضه فحينئذ يكون صحيحا على كل حال لأن المرض يتعقبه برؤه بمنزلة حال الصحة فإن مرض الموت ما يتصل به الموت وما لا يكون مرض الموت لا يكون مغيرا للحكم فإنما لا تصح الكفالة من المريض للوارث وعن الوارث لأن فيه منفعة للوارث وهو محجور عن القول الذي فيه منفعة لوارثه فيما يرجع إلى المال .
ولو كفل المريض عن رجل بألف درهم وأقر بدين يحيط بماله فلا شيء للمكفول له لأن الكفالة تبرع واصطناع معروف كالهبة والدين مقدم على الهبة في المرض سواء كان بالإقرار أو بالبينة .
ولو كان له ثلاثة آلاف درهم فكفل بألف درهم ثم مات جاز ذلك وأخذ من ماله ألف لخروج المكفول به من ثلث ماله ثم يرجع ورثته على المطلوب إذا كان كفيلا بأمره كما لو أدى بنفسه في حياته .
وإذا كانت الكفالة منه في الصحة بألف درهم فمات الكفيل وعليه دين فضرب المكفول له بدينه مع غرمائه فأصابه خمسمائة ثم مات المكفول عنه وعليه دين ضرب المكفول له في ماله بالخمسمائة التي بقيت له لبقاء ذلك القدر له في ذمة الأصيل بعدما استوفى الخمسمائة من تركة الكفيل وضرب وارث الكفيل بالخمسمائة دراهم التي أدى لأنه كان أدى بحكم الكفالة عنه بأمره فكان ذلك دينا عليه فما أصاب وارث الكفيل فإنه يقسم بين غرماء الكفيل بالحصص ويضرب المكفول له بما بقي له أيضا .
( وهذه ) هي المسألة التي بينا فيما سبق أن في هذا جذر الأصم وأنه لا وجه لتخريجها إلا بطريق التقريب فإن ما يستوفي المكفول له ثانيا مما في يد الوارث للكفيل يرجع به وارث الكفيل في تركة المكفول عنه أيضا فتنتقض القسمة الأولى ولا يزال يدور هكذا إلى أن ينتهي إلى ما لا يمكن ضبطه ولو أن متفاوضين عليهما ألف درهم ماتا جميعا وتركا ألفا وعلى كل واحد منهما ألف درهم مهر امرأته قسم المال بينهما نصفين ولم يضرب الطالب في مال أيهما شاء بألف درهم لأن كل واحد منهما مطلوب بجميع الألف بعضها بجهة الأصالة وبعضها بجهة الكفالة فيضرب بجميع الألف في تركة أيهما شاء وتضرب امرأته بمهرها أيضا ثم يضرب مع امرأة الآخر بما بقي وتضرب هي بألف درهم هكذا ذكره شيخ الإسلام جواهر زاده وتضرب هي بالذي بقي لها من مهرها ولا ترجع الورثة بالذي أخذ منه أول مرة في مال الثاني بشيء إلا أن يكون الطالب أصاب من ماله أكثر من النصف لأنه في مقدار النصف هو أصيل فإن كان المقبوض النصف أو ما دونه لا ترجع ورثته في تركة الآخر بشيء من ذلك .
وإن كان أكثر من النصف فحينئذ يضربون بالفضل لأنهم أدوا ذلك بجهة كفالة صاحبهم عن شريكه بأمره فإذا قبضوا شيئا من ذلك كان المقبوض لامرأته وللطالب إن بقي له شيء بالحصص ثم عند ذلك يعود الجذر الأصم وما لا طريق إلى معرفته إلا من الوجه الذي قدرنا أن كل ما يستوفيه الطالب يثبت لهم حق الرجوع به في تركة الشركة فتنتقض به القسمة الأولى والله سبحانه وتعالى أعلم