ثم هذه الصلاة لا يقيمها بالجماعة إلا الإمام الذي يصلي بالناس الجمعة والعيدين فأما أن يصلي كل فريق في مسجدهم فلا لأنه أقامها رسول الله A وإنما يقيمها الآن من هو قائم مقامه وإن لم يقمها الإمام صلى الناس فرادى إن شاؤوا ركعتين وإن شاؤوا أربعا لأن هذا تطوع والأصل في التطوع اداؤها فرادى إن شاؤوا ركعتين وإن شاؤوا أربعا وذلك أفضل ثم إن شاؤوا طولوا القراءة وإن شاؤوا قصروا ثم اشتغلوا بالدعاء حتى تنجلي الشمس فإن عليهم الاشتغال بالتضرع إلى أن تنجلي وذلك بالدعاء تارة وبالقراءة أخرى " وصح في الحديث : أن قيام رسول الله A في الركعة الأولى كان بقدر سورة البقرة وفي الركعة الثانية بقدر سورة آل عمران " فالأفضل أن يطول القراءة فيها . فأما كسوف القمر فالصلاة حسنة وكذلك في الظلمة والريح والفزع " لقوله E : إذا رأيتم شيئا من هذه الأهوال فافرعوا إلى الصلاة " وعاب أهل الأدب على " محمد " C تعالى في هذا .
صفحة [ 76 ] اللفظ وقالوا إنما يستعمل في القمر لفظ الخسوف قال الله تعالى : { " فإذا برق البصر وخسف القمر " } القيامة : 7 ولكنا نقول الخسوف ذهاب دائرته والكسوف ذهاب ضوئه دون دائرته فإنما أراد " محمد " هذا النوع بذكر الكسوف ثم الصلاة فيها فرادى لا بجماعة لأن كسوف القمر بالليل فيشق على الناس الاجتماع وربما يخاف الفتنة ولم ينقل أن النبي A صلى فيها بالجماعة والأصل في التطوعات ترك الجماعة فيها ما خلا قيام رمضان لاتفاق الصحابة عليه وكسوف الشمس لورود الأثر به . ألا ترى أن ما يؤدى بالجماعة من الصلاة يؤذن لها ويقام ولا يؤذن للتطوعات ولا يقام فدل أنها لا تؤدى بالجماعة .
قال : ولا يجهر بالقراءة في صلاة الجماعة في كسوف الشمس في قول " أبي حنيفة " Bه ويجهر بها في قول " أبي يوسف C وقول " محمد " C تعالى مضطرب وجه قول " أبي يوسف " C تعالى " حديث " علي " Bه : أنه جهر بالقراءة في صلاة الكسوف " ولأنها صلاة مخصوصة تقام بجمع عظيم فيجهر فيها بالقراءة كالجمعة والعيدين . وجه قول " " أبي حنيفة " Bه حديث " ابن عباس " و " سمرة بن جندب " Bهما : أن النبي A لم يسمع منه حرف من قراءته في صلاة الكسوف " ولأنها صلاة النهار وفي " الحديث صلاة النهار عجماء " أي ليس فيها قراءة مسموعة وتأويل حديث " علي Bه أنه وقع اتفاقا أو تعليما للناس أن القراءة فيها مشروعة . قال : ولا يصلى الكسوف في الأوقات الثلاثة التي تكره فيها الصلاة لأنها تطوع كسائر التطوعات . قال : ولا صلاة في الاستسقاء إنما فيها الدعاء في قول " أبي حنيفة " و " أبي يوسف " رحمهما الله تعالى وقال " محمد " C تعالى يصلى فيها ركعتين بجماعة كصلاة العيد إلا أنه ليس فيها تكبيرات كتكبيرات العيد وهو رواية " بشر بن غياث " عن " أبي يوسف " رحمهما الله تعالى .
وقال " الشافعي " Bه فيها تكبيرات كتكبيرات العيد " لحديث " ابن عباس " Bه : أن النبي A صلى بالجماعة في الاستسقاء ركعتين " " وفي حديث " عبدا لله بن عامر بن ربيعه " Bهم : أن النبي A صلى فيها ركعتين كصلاة العيد " و " لأبي حنيفة " قوله تعالى " استغفروا ربكم أنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا " فإنما أمرنا بالاستغفار في الاستسقاء بدليل أنه قال يرسل السماء عليكم مدرارا وفي " حديث " أنس " Bه أن الأعرابي لما سأل رسول الله A أن يستسقي هو على المنبر رفع يديه يدعو فما نزل عن المنبر حتى نشأت سحابة فمطرنا إلى الجمعة القابلة " .
صفحة [ 77 ] ا " لحديث وأن " عمر " Bه خرج للاستسقاء فما زاد على الدعاء فلما قيل له في ذلك قال لقد استسقيت لكم بمجاديح السماء التي يستنزل بها المطر " " وروى أنه خرج " بالعباس " Bه فأجلسه على المنبر ووقف بجنبه يدعو ويقول اللهم إنا نتوسل إليك بعم نبيك A ودعا بدعاء طويل فما نزل عن المنبر حتى سقوا فدل أن في الاستسقاء الدعاء وهو الاستغفار " . والأثر الذي نقل أنه صلى فيها A شاذ فيما تعم به البلوى وما يحتاج الخاص والعام إلى معرفته لا يقبل فيه شاذ وهذا مما تعم به البلوى في ديارهم ثم عند " محمد " C تعالى : يخطب الإمام بعد الصلاة نحو الخطبة في صلاة العيد . وعن " أبي يوسف " أنه يخطب خطبة واحدة لأن المقصود الدعاء فلا يقطعها بالجلسة وقد ورد بكل واحد منهما أثر عن رسول الله A .
و " كان " الزهري " يقول يخطب قبل الصلاة وهو قول " مالك " Bه وقد ورد به حديث ولكنه شاذ " . فإذا مضى صدر من خطبته قلب رداءه وصفته إن كان مربعا جعل أعلاه أسفله وإن كان مدورا جعل الجانب الأيمن على الجانب الأيسر وقد " ورد به في حديث أن النبي A فعله " . ولا تأويل له سوى أن يقال تغير الهيئة ليتغير الهواء ولا بأس بأن يعتمد في خطبته على عصا وأن يتنكب قوسا به ورد الأثر وهذا لأن خطبته تطول فيستعين بالاعتماد على عصا . وإذا قلب الإمام رداءه لم يقلب الناس أرديتهم إلا على قول " " مالك " رضي الله تعالى عنه . وقد روى أن الناس فعلوا ذلك حين فعله رسول الله A ولم ينكر عليهم " وبه أخذ " مالك " . وتأويله انهم اقتدوا به على ظن أنها سنة كما خلعوا نعالهم حين خلع نعليه في الصلاة ولم يأمرهم به رسول الله A وما يكون من سنة الخطبة يأتي به الخطيب دون القوم كالقيام . وعن " أبي يوسف " رضي الله تعالى عنه قال إن شاء رفع يديه في الدعاء وإن شاء أشار بأصبعه لأن رفع اليد عند الدعاء سنة جاء في الحديث " أن النبي A كان يدعو بعرفات باسطا يديه كالمتضرع المسكين " وإنما يخرجون في الاستسقاء ثلاثة أيام لم ينقل أكثر من ذلك ولا يخرجون المنبر فيها كما بينا في صلاة العيد . قال : ولا يخرج أهل الذمة في الاستسقاء . وقال " مالك " رضي الله تعالى عنه إن خرجوا لم يمنعوا من ذلك وقد ورد به أثر أنهم خرجوا في عهد بعض الخلفاء مع المسلمين فلم يمنعوا من ذلك . ولكنا نقول إنما يخرج الناس للدعاء وما دعاء الكافرين إلا في ضلال ولأنهم بالخروج يستنزلون الرحمة وما ينزل على الكفار إلا اللعن صفحة [ 78 ] والسخط وقد ؟ " أمر رسو ل لله عليه وسلم بتبعيد المشركين بقوله : أنا بريء من كل مسلم مع مشرك لا تتراءى ناراهما " فلهذا لا يمكنون من الخروج مع المسلمين .
قال : وينصت القوم لخطبة الإمام لأنه يعظهم فيها وفائدة الوعظ إنما تظهر بالإنصات .
وليس فيها أذان ولا إقامة أما عند " أبي حنيفة " رضي الله تعالى عنه فلا يشكل لأنه ليس فيها صلاة بالجماعة إنما فيها الدعاء فإن شاؤوا صلوا فرادى وذلك في معنى الدعاء .
وعند " محمد " C تعالى فيها صلاة بالجماعة لكنها تطوع كصلاة العيد وليس فيها أذان ولا إقامة والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب