( قال C ) ( وإذا كان لرجل على رجل مال فكفل رجل بنفس المطلوب فإن لم يواف به إلى وقت كذا فعليه ماله عليه وهو كذا فمضى الأجل قبل أن يوافيه به فالمال لازم له عندنا استحسانا ) وكان ابن أبي ليلى - C - يقول : لا يلزمه المال وهو القياس لأنه علق التزام المال بالخطر وتعلق التزام المال بالخطر باطل كالإقرار لأنه إنما يعلق بالاخطار ما يجوز أن يحلف به ولهذا لا يجوز تعليق الكفالة بسائر الشروط فكذلك بخطر عدم الموافاة وللاستحسان وجهان : أحدهما : أنه يحمل على التقديم والتأخير فيجعل كأنه كفل بالمال في الحال ثم علق البراءة على الكفالة بالموافاة بنفسه والموافاة تصلح سببا للبراءة عما التزمه بالكفالة والتقديم والتأخير في الكلام صحيح فإذا أمكن في هذا الوجه تصحيح كلامه حمل عليه وللتحرز عن الغاية والثاني : أن هذا متعارف فيما بين الناس فإن رغبة الناس في الكفالة بالنفس أكثر منه بالكفالة بالمال فللطالب أن يرضى بأن يكفل بنفسه على أنه إن لم يواف به يكون كفيلا بالمال حينئذ وفيه يحصل مقصوده فإنه يحد في طلبه ليسلمه إلى خصمه فيتمكن من استيفاء الحق منه وإن لم يفعل يصير كفيلا بالمال فقد بينا أن سبب كفالته بالنفس هو المال الذي ادعاه قبله ويكون للحقين اتصال من هذا الوجه فإذا عين الكفالة بأحدهما وأخر الكفالة الثانية إلى وقت عدم الموافاة كان صحيحا وإذا لم يواف بنفسه حتى لزمه المال لا يبرأ من الكفالة بالنفس لأنه لا منافاة بين الكفالتين .
( ألا ترى ) أنه لو كفل بهما معا كان صحيحا وبعدما ما صحت الكفالة بالنفس لا يستفيد البراءة عنها إلا بالموافاة بالنفس ولم يوجد ذلك .
وكذلك إن كان قال فعلي مالك عليه ولم يسم كم هو جاز لأن جهالة المكفول به لا تمنع صحة الكفالة فإنها مبنية على التوسع مع أن عين الجهالة لا تؤثر في العقد وإنما المؤثر جهالة تقضي إلى المنازعة .
( ألا ترى ) أن بيع القفيز من الصبرة جائز فإن جهالة القفيز لا تقتضي المنازعة وهنا الجهالة لا تفضي إلى المنازعة لأن الحق الذي له عليه معلوم في نفسه وإن لم يكن معلوما فإعلامه بطريق ممكن فلهذا صحت الكفالة .
( ألا ترى ) أنه لو قال : كفلت لك ما أدركك في هذه الجارية التي اشتريت من درك كان جائزا وأصل لحوق الدرك وقدرها يلحقه فيه من الدرك مجهول وقد اعتاد الناس الكفالة بهذه الصفة وكذلك لو قال : كفلت لك بما أصابك من هذه الشجة التي شجك فلان وهي خطأ كان جائزا بلغت النفس أو لم تبلغ ومقدار ما التزمه بهذه الكفالة مجهول لأنه لا يدري قدر ما يبقي من الشجة وأنه هل يسري إلى النفس أو لا يسري فدل أن مثل هذه الجهالة لا تمنع الكفالة وكذلك لو قال : كفلت بالمال الذي لك عليه إن وافيتك به غدا .
فإن برئ منه كان جائزا عن المال إذا أسلم نفسه إليه في الغد لأن إبراء الكفيل إسقاط محض والإسقاط بالتعليق بالشرط كالطلاق والعتاق ولأن الموافاة بنفسه ممكنة للطالب من الوصول إلى حقه فيجعل ذلك قائما مقام وصول حق الطالب إليه في إبراء الكفيل ولكن هذه الإقامة تكون عند الشرط فلا تثبت بدون الشرط .
وإذا كفل رجل رجلا وقال : إن لم أوافك به غدا فعلي ألف درهم ولم يقل التي لك فمضى الغد ولم يواف به وفلان ينكر أن يكون عليه شيء والطالب يدعي عليه ألف درهم والكفيل ينكر أن يكون له عليه شيء فالمال لازم على الكفيل في قول أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله .
وفي قوله الأول وهو قول محمد - C - لا شيء عليه لأن بمجرد دعوى الطالب لا يثبت المال على واحد منهما فكانت هذه رشوة التزمها الكفيل له عند عدم الموافاة والرشوة حرام ولو جعلناه كأنه قال : فعلي الألف التي لك عليه لزمه المال .
ولو جعلناه كأنه قال : فلك علي ألف درهم ابتداء من جهتي لم يلزمه شيء والمال لا يجب بالشك لعلمنا ببراءة ذمته في الأصل ووقوع الشك في اشتغالها وحجتهما ما بينا أن الصحة مقصود كل متكلم فمهما أمكن حمل كلامه على وجه صحيح يجب حمله عليه ولو حملناه على الالتزام بطريق الرشوة لم يصح ولو حملناه على الالتزام بطريق الكفالة عن فلان كان صحيحا فعلي مالك عليه وهو ألف درهم موجب حمله على هذا الوجه .
( ألا ترى ) أن من قال لغيره لك علي ألف درهم حمل كلامه على الإقرار فيصح ولا يحمل على الالتزام ابتداء لأنه إذا حمل عليه لم صح .
توضيحه : أن أول كلامه كفالة صحيحة عن فلان والأصل أن ما مبناه على كلام صحيح يكون صحيحا على ما بينا هذا في الفرق بين الوجه واليد إن شاء الله تعالى وإذا حملنا آخر كلامه على الكفالة كان ذلك إقرارا منه بوجوب المال على فلان وإقراره صحيح في حق نفسه فلا ينفعه الإنكار بعد ذلك ولو ادعى الطالب المال وجحد المطلوب وكفل رجل بنفسه فإن لم يواف به غدا فعليه الذي ادعى على المطلوب .
فلو مضى الغد ولم يواف به لزم الكفيل المال عندهم جميعا لأنه صرح بالالتزام بطريق الكفالة عن فلان وذلك إقرار بوجوب المال على فلان لأن الكفالة لا تصح إلا به وإقراره حجة على نفسه فإذا أداه رجع به على المطلوب إن كان أمره أن يكفل عنه بالمال .
وإن لم يأمره بذلك وأمره أن يكفل بالنفس لم يرجع عليه بالمال لأنه متبرع بالكفالة بالمال وهذا عندنا وقال مالك - C - الكفيل بالمال إذا أدى يرجع على الأصيل سواء أمره بالكفالة عنه أو لم يأمره لأن الطالب بالاستيفاء منه يصير كالمالك لذلك المال من الكفيل أو كالمقيم له مقام نفسه في استيفاء المال من الأصيل .
ولكنا نقول : تمليك الدين من غير من عليه الدين لا يجوز وإذا كفل بأمره فبنفس الكفالة يجب المال للطالب على الكفيل كما يجب للكفيل على الأصيل ولكن يؤخر إلى أدائه وهذا لا يكون عند كفالته بغير أمره والثاني أن عند الكفالة بالأمر يجعل أصل المال كالثابت في ذمة الكفيل عند الأداء يملكه بالأداء وذلك يصح عند وجود الرضا من الطالب والمطلوب وإذا كانت الكفالة بغير أمره لا يمكن إثبات أصل المال في ذمته حتى يتملكه بالأداء لانعدام الرضا من المطلوب بذلك فلهذا لا يرجع عليه .
قال : ( وكذلك لو كان المطلوب عبدا تاجرا ) لأنه تبرع عليه والعبد في التبرع عليه كالحر ولو كفل بنفس المطلوب على أن يوافيه به إذا ادعى به فإن لم يفعل فعليه الألف التي له عليه فلو سأله الرجل أن يدفعه إليه فدفعه إليه مكانه فهو برئ من المال لأن شرط التزام المال عدم الموافاة حين يطلبه منه فإذا وافاه به في المجلس الذي طلب منه فقد انعدم شرط وجوب المال .
وإن لم يدفعه إليه فقد تقرر شرط وجوب المال فيلزمه .
وكذلك إن قال ائتني به العشاء أو الغداء فلم يوافه به على ما قال فالمال لازم عليه لوجود شرطه وإن قال الطالب ائتني به غدوة وقال الكفيل آتيك به بعد غدوة فأبى الطالب أن يفعل فلم يواف به الكفيل غدوة فالمال عليه لأن الكفيل استمهله وله أن يأبى الإمهال فإذا أباه بطل ذلك الاستمهال فيبقى عدم الوفاء إلى الوقت الذي طلب منه فيلزمه المال وإن أخره الطالب إلى بعد غد كما قال فقد أجابه إلى ما التمس من الإمهال وصار في التقدير كأنه أمره بالموافاة بعد غد فإذا أوفاه به فقد برئ عن المال وإن مضى بعد غد ولم يوافه به فعليه المال وإن كان شرط أن يوافيه به عند مكان القاضي فدفعه إليه في السوق أو الكناسة فهو بريء من المال لأنه أتاه بالموافاة المستحقة عليه فإن التقييد بمكان القاضي غير معتبر لأن المقصود أن يتوصل إلى الخصومة معه وذلك حاصل بالتسليم في المصر وقد بينا هذه الفصول في الباب المتقدم .
وإن شرط عليه أن يدفعه إليه عند الأمير فدفعه إليه عند القاضي أو شرط عليه عند القاضي فدفعه إليه عند الأمير أو شرط له عند القاضي فاستعمل قاض غيره فدفعه إليه عنده فهو برئ لأنه ليس المقصود بهذا التقييد عين القاضي والأمير وإنما المقصود تمكنه من إثبات الحق عليه بالحجة والاستيفاء منه بقوة الوالي وفي هذا المقصود الأمير والقاضي الأول والثاني سواء وقد بينا أن ما لا يكون مفيدا من التقييد لا يعتبر .
ولو كفل بوجهه على أنه إن لم يواف به غدا فعليه ما عليه وهو الألف درهم فهو جائز على ما شرط ولو كفل بيده أو برجله على هذا الشرط كان باطلا لا يلزمه المال فيه والفرق بينهما أن الكفالة الثابتة بالمال مبنية على الكفالة الأولى بالنفس والكفالة بالنفس بالإضافة إلى الوجه تصح فإذا صح ما هو الأصل صح ما جعل بناء عليه لمعنى وهو أن الكفالة بالمال لا يمكن إثباتها بهذه الصفة مقصودا لأنه علقها بالشرط وتعليق الكفالة بالشرط لا يصح وإنما يصححها اعتبار التبعية للكفالة الأولى وثبوت التبع بثبوت المتبوع ففي الفصل الأول لما صح المتبوع صح التبع وفي الفصل الثاني لم يصح المتبوع فلا يمكن تصحيح التبع ولا يمكن تصحيح الكفالة بالمال مقصودا بهذه الصفة فتعينت جهة البطلان فيه وإذا كفل رجل بنفس رجل فإن لم يوافه به غدا فالمال الذي للطالب على فلان رجل آخر وهو ألف درهم على الكفيل فهو جائز في قول أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - الآخر وفي قول محمد وأبي يوسف - رحمهما الله - الأول : الكفالة بالمال باطلة .
وهذه الفصول : .
( أحدها ) : أن يكون الطالب والمطلوب واحدا في الكفالتين فتجوز الكفالتان استحسانا كما بينا .
( والثاني ) : أن يكون الطالب مختلفا فتبطل الكفالة بالمال سواء كان المطلوب واحدا أو اثنين نحو أن يكفل بنفس رجل على أنه إن لم يواف به غدا فالمال الذي لرجل آخر على هذا المطلوب على الكفيل أو المال الذي لرجل آخر سوى الطالب على رجل آخر سوى المطلوب على الكفيل فهذا باطل بالاتفاق لأن عند اختلاف الطالب الكفالة الثانية لا تكون تابعة للكفالة الأولى ولا يكون تصحيحها مقصودا لأنه تعليق للالتزام بالشرط ولأنا عند اتحاد الطالب والمطلوب صححنا الكفالة الثانية حملا لكلامه على معنى التقديم والتأخير ولا يتأتى ذلك عند اختلاف الطالب .
فأما إذا كان الطالب واحدا المطلوب اثنين فهو على الخلاف كما بينا فمحمد - C - يقول : الكفالة الثانية هنا لا يمكن تصحيحها تبعا للكفالة الأولى لأن الكفالة الأولى بنفس غير نفس المطلوب بالمال ولا يمكن أن تجعل الموافاة بنفسه مبرئة له عما التزمه عن آخر فبقيت هذه كفالة مقصودة متعلقة بالشرط وهي مخاطرة فلا يصح كما قال في الفصل الثاني .
وكذلك لا يمكن تصحيح الكفالة هنا بحمل كلامه على التقديم والتأخير بخلاف ما إذا اتحد المطلوب .
فأما أبو يوسف - C - فإنه يقول الكفالة الثاينة هنا توقن بحق من وقعت الكفالة الأولى له فيصح كما إذا اتحد المطلوب وهذا لأن الكفالة إنما تقع للطالب حتى يحتاج إليه قبول الطالب .
وإذا كان الطالب واحدا أمكن جعل الكفالتين في المعنى ككفالة واحدة واتباع الثانية للأولى فيحكم بصحتها بخلاف ما إذا اختلف الطالب .
ولو قال : فإن لم أوافك به فالمال الذي لك عليه وهو مائة درهم والمال الذي لك على فلان وهو عشرة دنانير علي فإن ذلك كله عليه عند عدم الموافاة عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله .
وعند محمد - C - عليه المال الذي كان على المطلوب دون الذي على غيره اعتبارا لحالة الجمع بينهما بحال إفراد كل واحد منهما واستشهد لهما بما لو كان عليهما مال واحد وكل واحد منهما كفيل عن صاحبه فكفل بنفس أحدهما على أنه إن لم يواف به غدا فالمال الذي على فلان وهو كذا علي إن لم أواف به أن ذلك عليه وعذر محمد - C - واضح لأن المال هنا واحد سواء أضافه إلى المكفول بنفسه أو إلى صاحبه .
ولو كفل بنفس رجل للطالب عليه مال فلزم الطالب الكفيل فأخذ منه كفيلا بنفسه على أنه إن لم يواف به فالمال الذي له على فلان المكفول به الأول عليه فهو جائز وهذا عندهم جميعا وعذر محمد - C - أن الكفالة بالنفس هنا باعتبار ذلك المال .
( ألا ترى ) أن المطلوب إذا برئ من ذلك المال برئ الكفيل الأول والثاني فأمكن تصحيح الكفالة بالمال تبعا للكفالة بالنفس .
وإذا كفل رجل بنفس رجل أو بما عليه وهو مائة درهم كان جائزا لأنه ردد الالتزام بين شيئين وقد ذكرنا أن مثل هذه الجهالة لا تمنع صحة الالتزام بحكم الكفالة والخيار إلى الكفيل وأيهما سلم المال أو النفس برئ لأن حرف أو للتخيير وعزيمة الكلام في أحدهما .
وإذا كفل بنفس فلان أو بما عليه أو بنفس فلان آخر أو بما عليه فهو جائز وأي ذلك دفع الكفيل فهو برئ لأن الجهالة في المكفول به لا تمنع صحة الكفالة عند عدم التنصيص فعند التنصيص عليه أولى وأي ذلك دفع فقد وفى بما لزمه .
ولو ادعى رجل قبل رجل ألف درهم فأنكرها ثم قال : إن لم أوافك به غدا فهو علي فإن لم يوافه به غدا لا يلزمه شيء لأنه تعليق للالتزام بالخطر بمنزلة قوله : إن دخلت دارك فهو علي وهذا بخلاف ما لو كفل رجل بنفس جاحد وقال : إن لم أوافك به غدا فالذي تدعي عليه لك علي لأن الكفالة بالنفس والمال جائزة ويلزم الكفيل المال إن لم يواف لأنه جعل التزام المال تبعا للكفالة بالنفس وقد صحت الكفالة بالنفس فكذلك بالمال وحقيقة المعنى في الفرق أنه ليس من شرط توجه المطالبة على الكفيل وجوب أصل المال في ذمته على ما بينا أن موجب الكفالة المطالبة بما هو في ذمة غيره وهو لما قدم على الكفالة صار كالمقر بوجوب المال في ذمة المطلوب وإقراره بذلك ملزم إياه .
وإن لم يثبت المال له في ذمة المطلوب بخلاف المطلوب إذا علق الالتزام بعدم موافاته لأنه لا يمكن توجه المطالبة عليه إلا بعد وجوب المال في ذمته ولم يوجد منه الإقرار بوجوب المال عليه صريحا ولا دلالة فكانت هذه مخاطرة حتى لو كان المطلوب أمر الكفيل بالكفالة بهذا الشرط يجب المال به على المطلوب كما يجب على الكفيل .
ولو كفل رجلا بنفسه فإن لم يواف به غدا فالألف درهم التي لك عليه على فلان آخر سوى الكفيل بالنفس وإقرار الكفيل بالمال بذلك فهو جائز على هذا الشرط لأن معنى الاستحسان الذي ذكرنا في الفصل الأول إذا أضاف الكفالة بالمال إلى نفسه يأتي هنا أيضا وهو أن يحمل كلامه على التقديم والتأخير ويجعل كأن أحدهما كفيل بنفس المطلوب والآخر بالمال بشرط أن الكفيل بنفسه إن وفى بالنفس برئ الكفيلان جميعا فأيهما صرح بهذا كان جائزا مستقيما لأن عند الموافاة بالنفس الطالب يستغنى عن الكفالتين فلذا تعينت البراءة عن الكفالتين بسبب بعينه عنهما ولا فرق في ذلك بين أن يكون الكفيل رجلا أو رجلين وإذا كفل رجل بنفس رجل فإن لم يواف به غدا فعليه المال الذي عليه وهو الألف فلم يواف به الكفيل ولكن الرجل لقي الطالب وخاصمه ولازمه في المسجد حتى الليل فالمال لازم للكفيل لوجود شرطه وهو عدم موافاة الكفيل به وقد بينا أنهما وإن تلاقيا لا يبرأ الكفيل به عن الكفالة بالنفس بخلاف ما إذا وافاه به فكذلك في وجوب المال وهذا لأن تسليم المطلوب نفسه إلى الطالب أنواع : قد يكون عما هو مستحق عليه وقد يكون من جهة الكفالة فلا تتعين جهة الكفالة في تسليمه إلا بالتنصيص لأن الأصل في تسليمه أنه عما هو مستحق عليه فإن الكفالة بناء على ذلك الاستحقاق إلا أن يكون المطلوب قال : قد دفعت نفسي إليك عن كفالة فلان فحينئذ يصح ذلك منه لأنه مطلوب بذلك من جهة الكفيل فيصح تعيينه لتلك الجهة ليسقط به مطالبة الكفيل عن نفسه وإذا صح ذلك كان هذا وموافاة الكفيل به سواء فيبرأ من المال .
( ألا ترى ) أنه لو بعث به مع رسوله إلى الطالب كان ذلك موافاة منه حتى يبرئه من المال .
ولو كفل رجل بنفس الكفيل على أنه إن لم يواف به غدا فالمال الذي كفل عن فلان وهو ألف عليه فوافى الكفيل الأول بالمطلوب ودفعه إليه في الغد فالكفيلان بريئان من الكفالة بالمال أما الكفيل الأول فلوجود الموافاة منه وأما الكفيل الثاني فلأن الكفيل الأول في حقه أصيل وبراءة الأصيل توجب براءة الكفيل وإن لم يواف به الأول ولا الثاني ووافى الكفيل الأول في الغد فإن الكفيل الثاني يبرأ لوجود شرط البراءة في حقه وهو الموافاة بنفس الكفيل الأول في الوقت الذي اشترطه والتزم المال الكفيل الأول لوجود شرطه وهو عدم الموافاة بنفس المطلوب .
ولو كفل بنفس رجل فإن لم يواف به إلى شهر فالمال الذي عليه وهو مائة عليه ثم لقي الطالب به المكفول قبل الأجل فأخذ منه كفيلا آخر بنفسه وبالمال بهذا الشرط أيضا فوافى به أحدهما في الأجل فإن الذي وافى به برئ من المال والنفس ولا يبرأ الآخر لأن كل واحد منهما التزم تسليم النفس بعقد على حدة فموافاته به تكون تسليما عن نفسه لا عن غيره فيجب المال على الآخر لوجود شرطه وهو انعدام الموافاة بالنفس منه .
وإن قال الكفيل الذي وافى به قد دفعته عن نفسي وعن فلان فإنه يكون عن نفسه ولا يكون عن فلان لأن التسليم الواحد لا يكون عن جهتين ولأنه متبرع في التسليم عن فلان لأن ذلك الالتزام غير متعلق به أصلا فهو في ذلك كأجنبي آخر فلا يصح تسليمه عن فلان إلا أن يقبله الطالب فإذا قبله على ذلك برئا جميعا ويصير كأنه سلم مرة عن نفسه ومرة عن فلان فإن الاستدامة على ما يستدام بمنزلة الإنشاء وعلى هذا لو جاء رجل ليس بكفيل فقال قد دفعته إليك عن فلان لم يبرأ واحد منهما إلا أن يقبله الطالب عنهما ولو قال المكفول به قد دفعت نفسي إليك عن فلان وفلان برئا جميعا من الكفالتين ولا يشترط قبول الطالب هنا لأن الطالب مطالب من جهة كل واحد من الكفيلين بتسليم النفس إليه لتسليمه إلى الطالب فلا يكون هو متبرعا في هذا التسليم فلا يشترط فيه قبول الطالب بخلاف الأجنبي .
وتوضيح هذا الكلام : لو كان المكفول به قاعدا مع الطالب يحدثه فقال رجل للطالب قد دفعت إليك هذا عن فلان فسكت الطالب أو قال : لا لم يبرإ الكفيل وإن قال الطالب : نعم قد قبلت فالكفيل بريء لأن المسلم ليس بخصم عنه فكان متبرعا فلا تقع البراءة للكفيل إلا بقبول الطالب .
ولو كان المتكلم بذلك وكيل الكفيل برئ الكفيل لأن وكيله قائم مقامه فصار تسليم النفس كتسليم المال في حكم البراءة .
ولو أن أجنبيا أدى المال عن المطلوب لم يبرأ المطلوب إلا بقبول الطالب بخلاف ما إذا كان المؤدي وكيل المطلوب أو المطلوب نفسه فكذلك البراءة عن الكفالة بالنفس ولو كفل ثلاثة رهط بنفس رجل فإن لم يوافوا به يوم كذا فعليهم المال الذي عليه وهو ألف درهم فلم يوافوا به فعلى كل واحد منهم ثلث الألف كما لو أرسلوا الكفالة بالمال .
والمعنى فيه أنه التزام للمال أو للمطالبة فإذا أضيف إلى جماعة يتوزع على عددهم كالإقرار .
ولو قال ثلاثة نفر لرجل : لك علينا ألف درهم يجب على كل واحد منهم ثلث الألف فإن وافى به أحدهم في ذلك اليوم فهم جميعا برآء من المال والنفس لأنهم التزموا تسليم النفس بعقد واحد فموافاة أحدهم به كموافاتهم جميعا .
وكذلك إن كان قال فعليهم الألف التي عليه وبعضهم كفيل عن بعض بها فوافى به أحدهم برئوا جميعا وهذا أظهر .
وإن لم يوافوا به لزمهم المال وللطالب أن يأخذ أيهم شاء بجميع المال لأن كل واحد منهم التزم عن الأصيل ثلث المال وكل واحد عن صاحبه كفيل بالثلث الذي التزمه أيضا فإن أدى أحدهم جميع المال رجع كل واحد على صاحبه بثلثه إن شاء لأنه كفل عن كل واحد منهم بثلث المال وأدى ثلثه ويرجعون جميعا على صاحب الأصل بالمال وإن شاء المؤدي رجع على أحد صاحبيه بالنصف لأنه يقول أنت مساو لي في هذه الكفالة وقد أديت المال فارجع عليك بنصفه لنستوي في القيام بالكفالة كما استوينا في الكفالة .
فإن قيل : كيف يرجع عليه بالنصف وهو إنما كفل عنه الثلث .
قلنا : نعم ولكن الثلث الذي على الثالث المؤدي وهذا الآخر يستويان في الكفالة عنه بذلك فكان له أن يقول نصف ذلك الثلث أديته بحكم الكفالة عنك لأنك كفيل معي عنه بذلك وبعضنا كفيل عن بعض فلهذا رجع عليه بنصفه فإذا فعل ذلك ثم لقيا الثالث رجعا عليه بثلث المال ليستووا في عدد الكفالة ثم إذا لقوا المطلوب رجعوا عليه بجميع المال .
ولو كفل بنفس رجل على أنه إن لم يواف به غدا فعليه ألف درهم التي له عليه فلم يواف به في الغد وقال الطالب : وصلني الألف وأديته ألفا أخرى أو قال : لم يكن لي عليه يومئذ شيء ولكن أديته ألفا قبل حلول الأجل لم يلزم الكفيل من ذلك شيء لأنه إنما كفل المال الواجب عليه عند الكفالة بالنفس لا عند عدم الموافاة وذلك المال قد سقط أو تبين أنه لم يكن واجبا بإقرار الطالب وما وجب بعد ذلك لم يتناوله عقد الكفالة فلا يطالب الكفيل بشيء منه .
ولو قال : إن لم يواف به فعليه المائة درهم التي له عليه وما باعه من شيء ما بينه وبين أن يمضي هذا الأجل لزمه على ما قال لأن الكفالة هنا كما تناولت الواجب عند الكفالة بالنفس تتناول ما يجب بعدها قبل الأجل وكل واحد منهما صحيح لأنه أضاف الالتزام بالكفالة إلى سبب وجوب المال وهو المبايعة فما كان قائما من المال عند عدم الموافاة يصير الكفيل به كفيلا به .
ولو كفل بنفس رجل وإن لم يواف به إلى كذا من الأجل فعليه المال الذي عليه وهو مائة درهم فمات المكفول به قبل الأجل ثم مضى الأجل فالمال على الكفيل لأن شرط الوجوب عدم الموافاة وذلك يتحقق بعد موت المكفول به وإن قيل : شرط وجوب المال عدم موافاة مستحقه وذلك لا يكون بعد موت المكفول به لأن الكفالة بالنفس تبطل بالموت فينبغي أن لا يلزمه المال وهو كما .
قال أبو حنيفة ومحمد - رحمهما الله - إذا قال إن لم أشرب الماء الذي في هذا الكوز اليوم فامرأته كذا فأهريق الماء قبل الليل لا يقع الطلاق لأن الشرط عدم شرب يتأتى أو يكون مستحقا باليمين في آخر النهار ولا يتحقق ذلك إذا هريق .
والجواب عنه أن نقول : هما جعلا عدم الموافاة شرط وجوب المال فالتقييد بموافاة مستحقة يكون زيادة ثم حقيقة المعنى وبه يتضح الفرق أن تصحيح الكفالة بالمال هنا بطريق التقديم والتأخير وهو أنه يجعل كأنه كفل بالمال للحال ثم علق التركة عنه بالموافاة بالنفس والموافاة بالنفس لا توجد بالموت فيبقى المال واجبا بالكفالة ولا حاجة إلى هذا التقديم والتأخير في اليمين بالطلاق لأن الطلاق يحتمل التعليق بالشرط وبعد الوقوع لا يحتمل الرفع فلهذا افترقا وإن مات الكفيل قبل حلول الأجل فإن مضى الأجل قبل أن يوافي ورثة الكفيل الطالب بالرجل فالمال دين في مال الكفيل لأن شرط البراءة الموافاة بالنفس ولم توجد ثم يضرب الطالب مع سائر غرمائه في تركته لأن حق الطالب قبله في حكم دين الصحة في الوجه .
قلنا : إنه يجعل كأنه كفل بالمال في الحال وعند الكفالة كان صحيحا فلهذا كان حق الطالب بمنزلة غرماء الصحة يضرب معهم في تركته وإن دفعوه إليه في الأجل أو دفع المكفول به نفسه برئ الكفيل من المال والكفالة لأن موافاة الوارث بنفسه كموافاة المورث في حياته وكذلك دفع المكفول به نفسه من جهة الكفالة بمنزلة دفع الكفيل فقد وجد شرط البراءة عن المال وهو الموافاة بالنفس وإن لحق الكفيل بدار الحرب مرتدا فهو بمنزلة موته في أن تسليم الورثة يقوم مقام تسليمه في براءة الكفيل لأنهم يخلفونه في أمواله بهذا السبب كما يخلفونه بعد موته .
وإن لحق المكفول به بدار الحرب فإن مضى الأجل قبل أن يوافي به فالمال لازم للكفيل لأن شرط البراءة عن المال الموافاة بالنفس ولم توجد وأكثر ما فيه أن يكون لحوقه كموته وقد بينا أن المال بعد موته يجب على الكفيل عند عدم الموافاة فهذا مثله .
ولو كان المكفول به امرأة فارتدت ولحقت بالدار وسبيت فوافى بها وهي أمة في الأجل برئ الكفيل من الكفالة والمال لأن شرط البراءة وهو الموافاة في الأجل قد وجد والموافاة تتحقق بعد ما صارت أمة ولأنها حين سبيت سقط الدين عنها وبراءة الأصيل توجب براءة الكفيل .
وكذلك لو كان المكفول به رجلا فوافى به وهو حلال الدم بردة أو قتل عمدا لأن الموافاة بعد حل دمه تتحقق كما تتحقق قبله ولو مات الطالب فوافى به الكفيل وصيه برئ من المال والكفالة لأن وصيه قائم مقامه بعد موته فتسليم النفس إليه كالتسليم إلى الموصي فلهذا يستفيد به البراءة وإن لم يكن له وصي فوافى به ورثته فإن كان عليه دين يستغرق ماله لم يبرأ بتسليمه إلى الورثة لأنهم لا يملكون شيئا من تركته مع الدين المستغرق فالتسليم إليهم في هذه الحال بمنزلة التسليم إليهم قبل موته وهذا لأن المقصود لا يحصل بالتسليم إليهم فإنهم لا يتمكنون من مطالبته بالمال فأما إذا لم يكن عليه دين فيبرأ بتسليمه إلى جميع الورثة لأنهم خلفاؤه في التركة فيتمكنون من مطالبته بالمال فتسليمه إليهم بمنزلة تسليمه إلى الطالب في حياته ولو وافى به أحدهم برئ من الكفالة لهذا الواحد ولم يبرأ من غيره لما بينا أن حق المطالبة والاستيفاء إليه في نصيبه دون نصيب سائر الورثة فقد برئ بالتسليم إليه في نصيبه دون نصيب غيره .
ولو كفل بنفس رجل لرجلين فإن وافاهما به فكذا وإلا فعليه مالهما عليه فلو وافى به أحدهما والآخر غائب برئ من كفالة الشاهد لوجود شرط البراءة في حقه وهو الموافاة بالنفس ولزمه نصيب الغائب من المال لانعدام شرط البراءة في حقه فإن شريكه لم يكن نائبا عنه في المطالبة بحقه ثم ما أخذه الغائب من الكفيل يكون بينه وبين شريكه لأن أصل المال كان مشتركا بينهما فاستيفاء أحدهما نصيبه من الكفيل بمنزلة استيفائه من الأصيل فكان له أن يشاركه في المقبوض .
ولو ماتا جميعا كان ورثتهما على ما كانا عليه حتى إذا سلمه إلى ورثة أحدهما برئ في نصيبه دون نصيب الآخر إقامة لكل وارث مقام مورثه ولو كان الطالب واحدا فتغيب عند حل الأجل فطلبه الكفيل وأشهد على طلبه ولم يدفع إليه الرجل فالمال لازم للكفيل لأن شرط البراءة عن المال تسليم النفس إلى الطالب ولم يوجد ذلك وإن طلبه ليسلمه فيبقى المال عليه .
فإن قيل : إنما تغيب قصدا منه إلى الإضرار بالكفيل فيبقى إلى أن يرد عليه قصده ويقام هذا مقام تسليمه لأن الكفيل أتى بما في وسعه .
قلنا : الكفيل هو الذي أضر بنفسه بكفالته . بالمال وقد بينا أن وجوب المال عليه بالكفالة لانعدام الموافاة ولكن الموافاة بنفسه مبرئة له عن المال فإذا انعدم ذلك بقي المال عليه بكفالته لا بتغيب الطلب .
وكذلك لو كان اشتراط عليه مكانا فوافى به ذلك المكان وتغيب الطالب لأن المبرئ له تسليم نفسه إلى الطالب دون إحضاره ذلك ولا يتصور تسليمه إلى الطالب وهو غائب فوجود إحضاره ذلك المكان كعدمه .
وإن كان الكفيل اشترط في الكفالة أنه برئ منه إن وافى به المسجد الأعظم وأشهد عليه يوم كذا فوافى به المسجد يومئذ وأشهد وغاب الطالب فقد برئ الكفيل من الكفالة بالنفس والمال لأنه جعل شرط براءته إحضاره للمسجد في ذلك الوقت وقد وجد ذلك فيبرأ من الكفالة بالنفس والمال جميعا وكذا في الكفالة بالنفس وحدها وهذا لأن إبراء الكفيل إسقاط محض ولهذا لا يرتد بردته فيصح تعليقه بحضور المكان في وقت معلوم كالطلاق والعتاق .
وإذا صح التعليق فالمتعلق بالشرط عند وجود الشرط كالمنجز ولو كفل بنفسه إلى غد في المسجد فعليه المائة الدرهم التي له عليه .
ولو اشترط الكفيل على الطالب إن لم يوافني غدا عند المسجد ليقبضه مني فأنا بريء منه فالتقيا بعد الغد فقال الكفيل قد وافيت به وقال الطالب قد وافيت ولم تواف لم يصدق كل واحد منهما على الموافاة لأن كل واحد منهما يدعي موافاته وخصمه يكذبه في ذلك فلا نثبت موافاة بدعوى كل في حق صاحبه وكان الكفيل على كفالته والمال لازم لما بينا أنه ملتزم للمال بنفس الكفالة وجعل شرط براءته موافاته ولم يثبت ذلك بقوله فلا يبرأ منه .
ولو جعل شرط البراءة عدم موافاة الطالب ليقبضه منه ولم يثبت هذا الشرط بقوله لم تواف أنت بل يجعل القول قول الطالب مع يمنه على ما عرف أن الشرط سواء كان نفيا أو إثباتا لا يثبت إلا بحجة والقول قول من ينكر وجود الشرط .
فإن أقام كل واحد منهما البينة على الموافاة إلى المسجد ولم تشهد على دفع الكفيل إليه فإن المال لا يلزم الكفيل لأنه قد أثبت بالبينة شرط براءته عن المال وهو عدم موافاة الطالب ليقبضه منه فيبرأ من المال ولكن الكفالة بالنفس على حالها لأن براءته عن الكفالة بالنفس بتسليمه إلى الطالب ولم يوجد ولأن البينتين قد تحققت المعارضة بينهما فامتنع القضاء بما كان متقررا وهو وجوب تسليم النفس بحكم الكفالة والعمل بهما ممكن في البراءة على المال لأن الكفيل يثبت شرط البراءة بينة والآخر ينفي فيترجح الإثبات وإن أقام المطلوب البينة على موافاة المسجد ولم يقم الطالب البينة برئ الكفيل من كفالة النفس والمال جميعا لأن الطالب غير مصدق على الموافاة والكفيل أثبت ببينته موافاته المسجد فوجب قبول بينته على ذلك وإذا قبلنا ببينته صار الثابت بالبينة كالثابت بإقرار الخصم فيثبت شرط البراءة عن المال والنفس جميعا .
ولو كفل بنفسه على أن يدفعه إليه غدا فإن لم يفعل فالمال عليه ولو اشترط الكفيل عليه إن لم توافني فتقبضه مني فأنا بريء من الكفالة والمال فلم يلتقيا من الغد فالكفيل بريء والقول قول الكفيل أن الطالب لم يواف مع يمينه وعلى الطالب البينة بخلاف ما تقدم لأن هناك موافاة المكان مشروطة على الطالب والكفيل جميعا وموافاة الكفيل لا تثبت بقوله لأنه يدعي وجود فعل كان مشروطا فلا يصدق عليه إلا بحجة ولهذا لو أقام البينة على الموافاة بنفسه برئ لأن موافاته المكان مشروطة عليه فتثبت ببينته فأما في الفصل الأول فالموافاة غير مشروطة على الكفيل وإنما هي مشروطة على الطالب وأن يأتي ليقبضه منه ولم يأت فقد وجد شرط براءة الكفيل عن المال فلهذا كان بريئا .
وحاصل الفرق بين هذه الفصول بحرف وهو أن من ينكر فعل غيره فالقول قوله في ذلك لأنه متمسك بالأصل ومن يدعي فعل نفسه لا يقبل قوله إلا بحجة لأنه يدعي أمرا عارضا .
ولو كفل بنفس رجل على أنه إن لم يواف به غدا فعليه ما للطالب عليه من شيء فلم يواف به الغد وقال الكفيل : لا شيء لك عليه فالقول قوله مع يمينه على عمله لأنه التزم مالا موصوفا وهو أن يكون واجبا على الأصيل فلما لم يثبت الوجوب على الأصيل لا يصير هو ملتزما كما لو قال : ما قضي به لك عليه فهو علي فما لم يصر المال مقضيا به على الأصيل لا يجب على الكفيل وبقول الطالب لم يصر المال واجبا على الأصيل والكفيل في إنكاره تمسك بالأصل وهو عدم الطالب فالقول قوله مع يمينه على علمه لأنه استحلاف على ما هو فعل غيره وهذا بخلاف ما تقدم وهو ما إذا قال : إن لم أوافك به غدا فالمال الذي تدعي عليه علي لأنه كفل هناك بما يدعيه الطالب والدعوى متحققة منه فلما وجدت الصفة التي قيدت الكفالة بما يصحح التزامه للمال كان مؤاخذا به .
وكذلك إن أقر الكفيل بمائة درهم وأقر المكفول عنه بمائة درهم صدق المكفول عنه ولم يصدق الكفيل لما بينا أنه التزم بالكفالة ما كان واجبا على الأصيل وقت كفالته وإقرار الأصيل ليس بحجة على الكفيل فإنما يثبت الوجوب وقت الكفالة فما أقر به الكفيل وهو المائة فلا يلزمه أكثر من ذلك .
ولو كفل بنفسه على أنه إن لم يواف به غدا فعليه من المال قدر ما أقر به المطلوب فلم يواف به الغد وأقر المطلوب فيتم به شرط الالتزام بالكفالة بخلاف الأول فإن بإقراره هناك ثبت الوجوب عليه وقت الإقرار وإنما التزم هو بالكفالة ما كان واجبا عليه وقت الكفالة ولا يثبت ذلك إلا فيما أقر به الكفيل لو نكل عن اليمين فيه بعد الاستحلاف .
ولو كفل بنفسه على أنه إن لم يواف به غدا فعليه ما ادعى الطالب فلم يواف به الغد وادعى الطالب ألف درهم وأقر بها المطلوب وجحدها الكفيل فالقول قول الكفيل مع يمينه على علمه وهو شكل لأنه إنما كفل هنا بما ادعاه الطالب وقد تحققت الدعوى منه والإقرار من المطلوب ولكن مراده من هذه المسألة أنه كفل بما ادعاه الطالب قبل الكفالة ولم تظهر تلك الدعوى منه ولكنه لما لم يواف به غدا ادعى الآن أنه كان ادعى عليه ألف درهم قبل الكفالة وهو غير مصدق في هذا فالقول للكفيل في إنكاره أنك لم تدع مع يمينه على علمه بخلاف ما تقدم فإن هناك إنما كفل بما يدعي الطالب عليه وقد وجد ذلك منه بالمعاينة بعد الكفالة ولو كفل بنفسه على أن يوافي به إذا جلس القاضي فإن لم يواف به فعليه الألف التي للطالب عليه فلم يقعد القاضي أياما ولم يواف به وطلبه صاحبه فلم يأت به فلا شيء عليه أي على الكفيل - من المال لأنه جعل شرط وجوب المال عدم الموافاة إذا جلس القاضي وإن لم يجلس القاضي لم يوجد ذلك ولأنه أجل في الموافاة إلى جلوس القاضي وما لم يمض الأجل لا تتوجه عليه المطالبة بالموافاة ووجوب المال عليه عند عدم موافاة مستحقة فإذا لم يوجد ذلك قبل جلوس القاضي لا يلزمه المال .
ولو كفل بنفسه على أنه إن لم يواف به غدا فقد احتال الطالب عليه بالألف درهم التي له على المطلوب ولم يواف به الغد فالمال عليه والحوالة في هذا والكفالة سواء على ما بينا من طريق الاستحسان . أنه يلزم المال وتتعلق براءته عنه بشرط الموافاة بالنفس وذلك صحيح في الكفالة والحوالة جميعا .
وكذلك لو قال : فإلي المال أو فعلي المال لأن هذا من ألفاظ الكفالة وكذلك لو قال فعندي له هذا المال لأن كلمة عند عبارة عن القرب وقرب الدين منه إما بالتزام أصله في ذمته أو بالتزام المطالبة به فكان هذا والكفالة سواء .
ولو كفل بنفسه على أن يوافي به غدا فإن لم يواف به غدا فعليه المال الذي عليه وهو ألف درهم فلم يواف به الغد ولزمه المال ثم أخذه الطالب بكفالة النفس وقال لي عليه مال آخر أولي معه خصومة فإن الكفيل يؤخذ بنفسه ولا يبرأ منه حتى يدفعه إليه لأنه بأصل الكفالة التزم تسليم نفسه وبأداء المال لم يصر مسلما نفسه وأداؤه ذلك المال لا يمنع ابتداء الكفالة بنفسه فلأن لا يمنع بقاءها كان أولى وإن كفل بنفسه على أنه متى ما طالبه الطالب فلم يواف به فعليه المال الذي عليه وهو ألف درهم فطلبه منه فلم يدفعه إليه فعليه المال لوجود شرطه وهو عدم الموافاة في الوقت الذي طلبه الطالب منه وكذلك لو طلبه غدوة فلم يدفعه إليه حتى العشي .
قال : ( ولا يبرئه من المال إلا أن يدفعه إليه ساعة طلبه منه ) وهذا اللفظ إشارة إلى ما بينا أن المال واجب عليه بالكفالة وشرط براءته أن يوافيه به حين يطلبه الطالب فإذا لم يفعل انعدم شرط البراءة فبقي المال عليه كما التزمه بأصل الكفالة ولا ينفعه دفع النفس إليه بعد ذلك لأن ذلك لم يكن شرطا عن المال والله أعلم بالصواب