( قال C ) ( وإذا وكل وكيلا بالقيام على داره وإجارتها وقبض غلتها لم يكن له أن يبني ولا يرم شيئا منها ) لأنه تصرف وراء ما أمر به وإنه إنما أمر بحفظ عينها والاعتياض عن منافعها والبناء والترميم ليسا من هذا في شيء بل هو إحداث شيء آخر فيها فلا يمكنه بدون أمر صاحبها وكذلك لا يكون وكيلا في خصومتها لأنه مأمور بحفظها كالمودع ولا يكون المودع وكيلا بالخصومة لمن يدعي في الوديعة حقا فكذلك هذا .
ولو هدم رجل منها بيتا كان وكيلا بالخصومة في ذلك بمنزلة المودع وهذا لأن الهادم استهلك شيئا مما في يده وقد أمر بحفظه وحفظ الشيء بإمساك عينه حال بقائه ولا بدل له عند استهلاك العين ولا يتوصل إلى ذلك إلا بأن يخاصم المستهلك ليسترد فكان خصما في ذلك كما يكون خصما للغاصب في استرداد العين .
وكذلك لو أجرها من رجل فجحد ذلك الرجل الإجارة كان خصما له حتى يثبتها عليه لأنه هو الذي باشر العقد والإجارة أحد البيعين والمباشر للبيع هو الخصم في إثباته عند الحاجة وكذلك المباشر للإجارة وإن وقعت الحاجة إلى إثبات تسليم العين إليه كان الخصم له في ذلك أيضا لأنه هو الذي يسلمها .
وكذلك إن سكنها المستأجر وجحد الأجر فإنما كان وجوب الأجر بعقد الوكيل وقبض الحق إليه فكان خصما في إثباته لأن الإجارة من العقود التي تتعلق الحقوق فيها بالعاقد .
وليس للوكيل أن يدعي شيئا من هذه الدار لنفسه لأنه أقر أنه وكيل فيها وذلك يهدم دعواه فإن بين كونه مالكا للعين وبين كونه وكيلا فيها منافاة فإقراره بالوكالة يجعله مناقضا في دعواه الملك لنفسه وليس لهذا الوكيل أن يوكل بها غيره .
وكذلك الوكيل بالبيع ليس له أن يوكل غيره به إلا على قول ابن أبي ليلى - C تعالى - فإنه يقول لما ملك الوكيل التصرف بنفسه بعد الموكل ملك التفويض إلى غيره بالوكالة كما في حقوق نفسه .
ولكنا نقول : الموكل وصي برأي الوكيل الأول والناس يتفاوتون في الرأي فلا يكون رضاه برأيه فيما يحتاج فيه إلى الرأي رضا برأي غيره وكان هو في توكيل الغير به مباشرا غير ما أمره به الموكل ومتصرفا على خلاف ما رضي به فلا يجوز إلا أن يبيع الوكيل الثاني بمحضر من الوكيل الأول فحينئذ يجوز عندنا استحسانا وعند زفر - C - لا يجوز كما لو باعه في حال غيبته وهذا لأن حقوق العقد إنما تتعلق بالعاقد والموكل إنما رضي بأن تتعلق الحقوق بالوكيل الأول . دون الثاني ولو جاز بيع الثاني بمحضر من الأول تعلقت الحقوق به دون الأول ولكنا نقول مقصود الموكل من هذا أن يكون تمام العقد برأي الوكيل الأول وإن كان هو حاضرا فإتمام العقد برأيه فكان مقصوده حاصلا بخلاف ما إذا كان عاما والدليل عليه أنه إذا كان حاضرا يصير كأنه هو المباشر للعقد .
( ألا ترى ) أن الأب إذا زوج ابنته البالغة بشهادة رجل واحد بحضرتها يجعل كأنها هي التي باشرت العقد حتى يصلح الأب أن يكون شاهدا ولا معتبر بالعقد فإنه لو باعه غيره فأجاز الوكيل جاز لأن تمام العقد برأيه وإن كانت حقوق العقد تتعلق بالمباشر عند الإجازة فكذلك إذا باع بمحضر منه .
ولو كانا وكيلين في إجارة أو بيع ففعل ذلك أحدهما دون الآخر لم يجز لأن الموكل رضي برأيهما ورأي أحدهما لا يكون برأيهما وهذا بخلاف الوكيلين بالخصومة لأن هناك يتعذر اجتماعهما على الخصومة فيكون الموكل راضيا بخصومة كل واحد منهما على الانفراد وهنا اجتماعهما في العقد يتيسر وهذا عقد يحتاج فيه إلى الرأي والتدبير فلا ينفرد به أحدهما إذا رضي الموكل برأيهما وكذلك المرمة والبناء في هذا .
ولو باعه الوكيل بالبيع من نفسه أو من ابن له صغير لم يجز وإن صرح الموكل بذلك لأن الواحد في باب البيع إذا باشر العقد من الجانبين يؤدي إلى تضاد الأحكام فإنه يكون مستردا مستقضيا قابضا مسلما مخاصما في العيب ومخاصما وفيه من التضاد ما لا يخفى .
ولو باعه له من ابن له كبير أو امرأته أو واحد ممن لا تجوز شهادته له لم يجز ذلك في قول أبي حنيفة - C - بمطلق الوكالة أيضا .
ويجوز في قول أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - إلا من عبده ومكاتبه .
هكذا أطلق الجواب في كتاب البيوع والوكالة وفي المضاربة يقول بيعه من هؤلاء بمثل القيمة يجوز وإنما الخلاف في البيوع بالغبن البين .
فمن أصحابنا - رحمهم الله - من يقول : من يقيس هناك يقيس في الوكالة أيضا ومنهم من فرق بين الوكيلين والمضارب .
ثم وجه قول أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - أنه ليس للوكيل فيما يشتري هؤلاء ملك ولا حق ملك فبيعه منهم كبيعه من أجنبي آخر بخلاف العبد والمكاتب فإن كسب عبده له وفي كسب مكاتبه له حق الملك فتلحقه التهمة بالبيع منهما فلا يملك ذلك كما لا يملك البيع من نفسه .
وأبو حنيفة - C - يقول : الوكيل بالبيع يوجب الحق للمشتري في ملك الغير والإنسان منهم في حق ابنه وامرأته فيما يوجبه لهما في ملك الغير .
( ألا ترى ) أنه لو شهد له لا تقبل شهادته وجعل بمنزلة الشاهد لنفسه أو لعبده أو مكاتبه فكذلك إذا باعه منه ثم إن كان الخلاف في البيع بالغبن اليسير فكلام أبي حنيفة - C - واضح فيه لأنه في حق الأجنبي إنما جعل الغبن اليسير عفوا لأنه ليس بينه وبين الوكيل سبب يجر إليه تهمة الميل فالظاهر أنه خفي عليه ذلك فأما ما بينه وبين ابنه أو أبيه فسبب يجر تهمة الميل لنفوذ الوكالة وإن أجريت على إطلاقها فتخصيصها بالتهمة .
( ألا ترى ) أنه لا يملك البيع من هؤلاء بالغبن الفاحش بالاتفاق وإذا دخله الخصوص حمل على أخص الخصوص وهو جعل الخلاف على البيع بمثل القيمة والفرق بين المضارب والوكيل أن المضارب كالمتصرف لنفسه من وجه .
( ألا ترى ) : أنه لا يجوز نهيه عن التصرف بعد ما صار المال عروضا وأنه شريكه في الربح فلا تلحقه التهم في البيع بمثل القيمة من هؤلاء لأنه إنفاذ في العين دون المالية وفي الغبن هو كالمتصرف لنفسه بخلاف البيع بالغبن فإنه إيثار له في شيء من المالية وهو في ذلك نائب محض فأما الوكيل ففي العين والمالية جميعا نائب فلهذا لا يجوز بيعه من هؤلاء بمثل القيمة إلا أن يكون الموكل قد أجاز له في الوكالة بأن قال له : بع ممن شئت العموم فحينئذ يجوز بيعه من هؤلاء وهذه الزيادة لم يذكر ها هنا لأنه لما فوض الأمر إليه على العموم كان ذلك بمنزلة التنصيص على البيع من هؤلاء فإن اللفظ العام يكون نصا في كل ما يتناوله فلهذا جاز بيعه من هؤلاء بعد هذه الزيادة إلا من عبده الذي لا دين عليه لأنه لا نص على بيعه منه فلم يجز فإن كسبه ملك مولاه فبيعه منه كبيعه من نفسه فأما عند إطلاق الوكالة فلا يملك البيع من هؤلاء لأن الأمر مطلق والمطلق غير العام فلم يكن إطلاقه بمنزلة التنصيص على كل بيع يباشره فلهذا لا يملك البيع من هؤلاء التمكن سبب التهمة بينه وبينهم كما لا يبيعه من مكاتبه .
قال : ( وإذا باع الوكيل الدار والخادم فطعن المشتري بعيب فخصومته في العيب مع الوكيل حتى يرده وكذلك الخصومة في العين إلى الوكيل حتى يقبضه عندنا ) وهو بناء على أن حقوق العقد عندنا تتعلق بالوكيل في البيع والشراء .
وعلى قول الشافعي - C - حقوق العقد تتعلق بالموكل وليس للوكيل من ذلك شيء لأنه نائب في التصرف عن الموكل معبر عنه فلا تتعلق حقوق العقد به كالوكيل بالنكاح .
ودليل الوصف أن حكم العقد وهو الملك يثبت للموكل دون الوكيل .
ولنا : أن العاقد لغيره في البيع والشراء كالعاقد لنفسه لأن مباشرته العقد بالولاية الأصلية الثابتة له إلا أنه كان لا ينفذ تصرفه بهذه الولاية في محل هو مملوك للغير إلا برضا المالك به فالتوكيل لتنفيذ حكم التصرف في محل الإثبات والولاية له وإذا كان تصرفه بالولاية الأصلية كان عقده لنفسه ولغيره سواء فيما هو من حقوقه والدليل عليه أن مستغن عن إضافة العقد إلى الموكل فإن الوكيل بشراء شيء بعينه لو لم يضف العقد إلى الموكل يقع للموكل بخلاف النكاح حتى إذا أضافه إلى نفسه كان العقد له دون الموكل فعرفنا أنه معبر عنه .
( توضيحه ) : أن الوكيل بالنكاح ليس له قبض المعقود عليه والوكيل بالشراء له قبض السلعة .
وحقيقة الفرق أن كل عقد يجوز أن ينتقل موجبه من شخص إلى شخص فالوكيل فيه كالعاقد لنفسه وكل عقد لا يجوز أن ينتقل موجبه من شخص إلى شخص فالوكيل فيه يكون مغايرا فموجب النكاح ملك البضع وهو لا يحتمل النقل وموجب الشراء ملك الرقبة وهو يحتمل النقل فيجعل كأن الوكيل يملكه بالشراء ثم ملكه من الموكل هذا على طريقة الكرخي - C - حيث يقول : الملك أولا فأما على طريقة أبي طاهر الدباس - C - الملك يقع للموكل ولكن يعقده الوكيل على سبيل الخلاف عنه وملك النكاح لا يحتمل مثل هذه الخلافة فأما ملك المال يحتمل .
( ألا ترى ) أن بعقد العبد الملك يقع لمولاه وبعقد المورث يقع لوارثه بعد موته فلهذا كان الوكيل فيه بمنزلة العاقد لنفسه فيما هو من حقوق العقد وإذا رد عليه بالعيب بغير قضاء قاض بعيب يحدث مثله أو لا يحدث لزمه دون الآمر وقد بين اختلاف الروايات في هذا في الإقرار أما وكيل الإجارة فله أن يقبل بدون القاضي وإذا قبله لم يلزمه .
ومن أصحابنا - رحمهم الله - من قال : لا فرق بينهما لأن المعقود عليه في الإجارة لا يصير مقبوضا بقبض الدار ولهذا لو تلف بانهدام الدار كان في ضمان الأجير فيكون هذا من البيع بمنزلة ما لو قبله الوكيل بالعيب بغير قضاء القاضي قبل القبض وهناك يلزم الآمر فكذلك في الإجارة .
فأما في الكتاب فعلل للفرق بين الفصلين وقال : لأن فسخ الإجارة ليس بإجارة ومعنى هذا أن القول بالعيب بغير قضاء القاضي في البيع يجعل بمنزلة عقد مبتدإ في حق غير المتعاقدين والموكل غيرهما فصار في حقه كأن الوكيل اشتراه ابتداء فيلزمه دون الآمر وفي الإجارة لا يجعل هكذا لأن على أحد الطرفين الإجارة في معنى عقود متفرقة يتجدد انعقادها بحسب ما يحدث من المنفعة فبعد الرد بالعيب يمتنع الانعقاد لا أن يجعل ذلك عقدا مبتدأ بين المستأجر والوكيل وعلى الطريقة الأخرى العقد منعقد باعتبار إقامة المعقود عليه وهو المنفعة وهذا حكم ثبت للضرورة ولا ضرورة إلى أن يجعل الرد بالعيب عقدا مبتدأ ليقام رقبة الدار فيه مقام المنفعة .
قال : ( وللوكيل بالبيع أن يبيع بالنسيئة ) لأنه أمر بالبيع مطلقا ومن اعتبر أمره في شيء بغير إطلاق جعل أمره كأوامر الشرع فالامتثال إنما يحصل بأصل البيع لا بصفة النقد والنسيئة لأن ذلك قيد والمطلق غير المقيد .
( ألا ترى ) أن التكفير لما كان بتحرير رقبة مطلقة استوى فيه الذكر والأنثى والصغير والكبير وللوكيل بالبيع أن يأخذ بالثمن رهنا أو كفيلا لأن الرهن وثيقة لجانب الاستيفاء فإن موجبه ثبوت يد الاستيفاء وللوكيل أن يستوفي الثمن والكفالة وثيقة لجانب اللزوم لأنه يزداد به لمطلق المطالبة فإنه يطالب الكفيل بعد الكفالة مع بقاء الكفالة والمطالبة على الأصيل كما كانت والمطالبة من حقوق الوكيل وله أن يحتال بالثمن إن كان قال له ما صنعت من شيء فهو جائز لأن موجب الحوالة يحول الثمن من ذمة المحيل إلى ذمة المحتال عليه فإن جوز بصيغة العموم نفذ هذا التصرف منه على الموكل لأنه من صنعه .
وإن لم يكن قال له هذا فعلى قول أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - يجوز قبول الحوالة في حق براءة المشتري ويكون الوكيل ضامنا الثمن للموكل .
وعند أبي يوسف - C - لا يجوز .
( وأصل المسألة في الإبراء ) أن الوكيل بالبيع إذا أبرأ المشتري من الثمن جاز في قول أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - وصار ضامنا للموكل قياسا وفي قول أبي يوسف - C - لا يجوز إبراؤه استحسانا لأن الثمن في ذمة المشتري ملك للموكل فإنه بدل ملكه لأنه إنما يملك البدل بملك الأصل فإبراء الوكيل تصرف في ملك الغير على خلاف ما أمره به فلا ينفذ كما لو قبض الثمن ثم وهبه من المشتري ودليل الخلاف أنه يصير ضامنا عندهما .
وحجة أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - أن الإبراء إسقاط لحق القبض والقبض خالص حق الوكيل .
( ألا ترى ) أن الموكل لا يمنعه من ذلك ولو أراد أن يقبض بنفسه لم يكن له ذلك فكان هو في الإبراء عن القبض مسقطا حق نفسه فيصح منه إلا أن يقبضه يتعين ملك الآمر في المقبوض فإذا انسد عليه هذا الباب فبإبرائه صار ضامنا بمنزلة الراهن يعتق المرهون ينفذ إعتاقه لمصادفته مالكه ولكنه يضمن للمرتهن لانسداد باب الاستيفاء من مالية العبد عليه بهذا الإعتاق إذا عرفنا هذا في الإبراء قلنا : الحوالة إبراء المشتري بتحويل الحق إلى ذمة المحال عليه فلا يجوز عند أبي يوسف - C - لأنه تصرف في حق الموكل بخلاف ما أمره به ويجوز عندهما ويكون الوكيل ضامنا كما لو أبرأه بغير حوالة .
وعلى هذا لو حط البائع عن المشتري بعض الثمن بعيب أو بغير عيب فإن كان قال له ما صنعت من شيء فهو جائز فهذا من صنعه فيجوز في حق الآمر وإن لم يقل له فهو جائز في حق المشتري ويكون الوكيل ضامنا في قول أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - ولا يجوز في قول أبي يوسف - C - اعتبارا للبعض بالكل وكذلك لو اشترى الوكيل من المشتري بالثمن متاعا أو كان الثمن دنانير فأخذ منه بها دراهم أو صالح من الثمن على متاع فذلك كله جائز في قول أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - في حق الوكيل ويكون ضامنا الثمن للموكل وعند أبي يوسف - C - لا يجوز شيء مما صنع في براءة المشتري والثمن على المشتري على حاله ولو قبض من الثمن بعضه واشترى ببعضه متاعا كا ن مؤتمنا فيما يقبض من الثمن بعينه كما لو قبض الكل ويكون ضامنا حصة ما اشترى به الآمر كما لو اشترى بالكل وهذا لأن ثمن المشتري وجب عليه ثم صار قاضيا بالثمن دين نفسه بطريق المقاصة .
وإن هلك المشترى قبل أن يقبضه لم يضمن المشتري ثمنه للآمر لأن بهلاك المبيع قبل القبض انفسخ البيع من الأصل وكان سقوط الثمن عن المشتري بانفساخ السبب لا للمقاصة بالثمن الذي هو للآمر .
قال : ( وللوكيل بالبيع أن يبيع بقليل الثمن وكثيره وبأي جنس شاء من الأجناس للأموال في قول أبي حنيفة - C - ) وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله - لا يجوز بيعه إلا بالنقد بما يتغابن الناس في مثله وحجتهما في ذلك أن مطلق الوكالة يتقيد بالمعتاد والبيع بالغبن الفاحش ليس بمعتاد فلا ينصرف التوكيل إليه بمنزلة التوكيل بالشراء ثم البيع بالمحاباة الفاحشة بين فيه هبة ولهذا لو حصل من المريض كان معتبرا من ثلثه وهو وكيل بالبيع دون الهبة .
( ألا ترى ) : أن الأب والوصي لا يملكان البيع بالمحاباة الفاحشة لهذا وأما البيع بالعروض فبيع من وجه شراء من وجه وهو وكيل بمطلق البيع ومطلق البيع يكون بالنقد دون العروض .
( ألا ترى ) : أن الوكيل بالشراء لا يشتري للآمر إلا بالنقد وأبو حنيفة - C - يقول : هو مأمور بمطلق البيع وقد أتى ببيع مطلق لأن البيع اسم لمبادلة مال بمال وذلك يوجد في البيع بالعروض كما يوجد في البيع بالنقود ولكن من البيع ما يتضمن الشراء ولا يخرج به من أن يكون بيعا مطلقا لا يضمن الشراء في جانب العروض لا في جانب المبيع وأمره كان باعتبار المبيع والعقد فيه بيع مطلق وكذلك البيع بالمحاباة فما من جزء من البيع إلا ويقابله جزء من الثمن .
( ألا ترى ) أنه يستحق الكل بالشفعة والشفعة في الهبات لا تثبت والدليل عليه أن من حلف أن لا يبيع فباع بالمحاباة يحنث وكما يراعى العرف في الوكالات يراعي في الأثمان ثم جعل هذا بيعا مطلقا في اليمين وكذلك في الوكالة وهذا لأن العرف مشترك فقد يبيع المرء الشيء للبر فيه وفي هذا لا ينافي قلة الثمن وكثرته وقد يبيعه للاسترباح فعند إطلاق الأمر لا يترجح أحد المقصودين من غير دليل وهذا بخلاف الوكيل بالشراء لأن الأمر المطلق تخصصه التهمة وفي الوكيل بالشراء التهمة ممكنة لجواز أن يكون اشترى لنفسه فلما لم يعجبه أخذه في يمينه أراد أن يحوله إلى الآمر ولا يتمكن مثل هذه التهمة في الأمر بالبيع لأن أمره بالتوكيل بالشراء يلاقي ملك الغير وليس له ولاية مطلقة في ملك الغير لينظر إلى إطلاق أمره وأمره في البيع يلاقي ملك نفسه وله ولاية مطلقة في ملك نفسه ولو اعتبرنا العموم في جانب الوكيل اشترى ذلك المتاع بجميع ملك الموكل ونحن نعلم أن الموكل لم يقصد ذلك فإذا تعذر العموم حمل على أخص الخصوص وفي التوكيل بالبيع لا يعد وتصرفه ما أمر ببيعه فأمكن اعتبار إطلاق الأمر فيه .
وروى الحسن عن أبي حنيفة - رحمهما الله - في الوكيل في البيع إذا باع بعرض فإن كان يساويه جاز وإلا فلا ووجه هذه الرواية أنه في جانب العرض مشتر فالوكيل بالشراء لا يشتري للآمر بالمحاباة الفاحشة ولم يذكر الخلاف في البيع بالنسيئة فهو دليل لأبي حنيفة - C - ولكن قبل هذا على قولهما إذا باعه بأجل متعارف فأما بأجل غير متعارف كعشرين سنة ونحو ذلك فإنه لا يجوز وإن الأجل المتعارف كالغبن اليسير وما ليس بمتعارف كالغبن الفاحشة .
ولو وكله بأن يعاوض عبده هذا فلانا بأمته هذه فباع فلان أمته تلك من رجل جاز للوكيل أن يعاوض بها لأن مقصود الموكل تحصيل الأمة لنفسه بمقابلة العبد وقد حصل مقصوده بتصرفه مع الثاني وهذا بخلاف الوكيل بالبيع من فلان فإنه لا يبيع من غيره لأن مقصوده هناك الثمن وإنما رضي أن يكون الثمن له في ذمة من سماه ويتفاوت الناس في ملاءة الذمة فلهذا لا يجوز بيعه من غيره .
قال : ( وللوكيل بالإجارة أن يؤاجر بالنقد والمكيل والموزون إذا كان معلوما موصوفا وبالمعين من الحيوانات وبالموصوف المؤجل من الثياب ) أما على قول أبي حنيفة - C - فهو ظاهر فإنه بمنزلة الوكيل وهما يفرقان ويقولان بتخصيص الوكيل بالبيع بالنقد بدليل العرف ولا عرف هنا فإن الأرض تؤاجر بغير النقد .
( ألا ترى ) أنها تدفع مزارعة وهي إجارة بجزء من الخارج ثم التخصيص في البيع لدفع الضرر عن الآمر ودفع الضرر هنا باعتبار الإطلاق لأنا إذا جعلنا الوكيل مخالفا كان بمنزلة الغاصب فيكون الأجر له ولا شيء للآمر عليه فلهذا اعتبرنا الأمر هنا وإن وكل الوكيل بقبض الأجر أو الثمن رجلا ليس في عياله فهو جائز والمستأجر والمشتري بريئان لأن حق القبض للوكيل يملك مباشرته بنفسه فيملك تفويضه إلى غيره ولكن الوكيل ضامن للآخر إن هلك المقبوض في يد وكيله قبل أن يصل إلى الوكيل الأول بمنزلة ما لو قبض الثمن بنفسه ثم دفعه إلى رجل ليس في عياله لأن قبض وكيله كقبضه بنفسه وهو في المقبوض أمين فإذا دفعه إلى رجل ليس في عياله لأن قبض وكيله كقبضه بنفسه وهو في المقبوض أمين فإذا دفعه إلى من ليس في عياله صار ضامنا للآمر .
وكذلك لو وهبها الوكيل للمستأجر أو أبرأه منها أو أخرها عنه في قول أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - وصار ضامنا للآمر .
وفي قول أبي يوسف - C - لا يجوز هبته ولا إبراؤه ولم يذكر التأجيل فقيل بأن أبا يوسف - C - يجوز تأجيله كما لو باع بثمن مؤجل ابتداء وهذا لأنه ليس في التأجيل إسقاط الثمن بخلاف الإبراء .
وقيل : بل لا يجوز ذلك فقد ذكر في الجامع أن كل تصرف يصير الوكيل به ضامنا في قول أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - ولا ينفذ ذلك التصرف عند أبي يوسف - C - والله أعلم