( قال - C - ) ( وإذا كانت الدار بين رجلين فأقر أحدهما أن نصيبه منها لفلان لا حق له فيه صح إقراره ) لثبوت ولاية التصرف له على نصيبه وكذلك إن أقر ببعض نصيبه من نصف أو عشر أو غير ذلك وكذلك لو أقر له بنصف الدار مطلقا ينصرف إقراره إلى نصيبه خاصة لأن قصده تصحيح كلامه ولا يصح إلا بأن يحمل إقراره على نصيبه .
ولو قال له ربع جميع هذه الدار ولي ربع ونصفه ولصاحبي ربع ونصفه وجحد شريكه ذلك فإن نصف الدار حصة المقر بين المقر والمقر له على خمسة للمقر سهمان وللمقر له ثلاثة لأن المقر يعامل في نصيب صاحبه نفسه كأن ما أقر به حق ولا يصدق على غيره وقد زعم المقر هنا أن حق المقر له في سهمين من ثلثه وحقي في ثلثه وحق شريكه في ثلثه إلا أن شريكه ظلمهما حين أخذ زيادة على مقدار حقه فلا يكون ذلك الظلم على أحدهما خاصة بل يجعل ذلك كالثاوي ويبقى ما في يد المقر تصرف فيه المقر له بسهمين والمقر بثلثه فيكون مقسوما بينهما على خمسة .
وإذا أقر أن لفلان عليه ألفا وأنه قد قضاها إياه فوصل الإقرار بهذا ثم جاء بالبينة أنه قضاها إياه قبل ذلك منه استحسانا .
وفي القياس لا يقبل وهو قول زفر - C - لأن كلامه محال فإنه أقر بوجوب المال عليه في الحال وما قضاه قبل هذا لا يكون عليه في الحال فكان مناقضا في دعوى القضاء والكلام المحال والتناقض لا يمكن إثباته بالبينة ولكن استحسن للعرف فإن الناس يذكرون هذا اللفظ ويريدون به أنه كان له عليه ذلك .
( ألا ترى ) أن الرجل يقول هذا الثوب للأمير كسانيه أو هذه الدابة للأمير حملني عليها والمراد أن كان له لا أنه في الحال له كذلك هنا .
ولو قال له علي ألف درهم ثم قال بعد ماسكت قضيتها إياه قبل أن أقر بها وجاء بالبينة لم يقبل منه لأن قوله قضيتها إياه بيان مغاير لظاهر كلامه فإن ظاهر كلامه الإخبار بوجوب المال عليه في الحال على احتمال أن يكون مراده أنه كان ومثل هذا الكلام إنما يسمع موصولا لا مفصولا فإذا سكت تقرر المال عليه واجبا في الحال فهو في قوله قضيتها إياه قبل أن أقر بها مناقض في كلامه .
ولو قال كان له علي ألف درهم ثم قال قد قضيتها إياه قبل أن أقر به وجاء بالبينة قبلت بينته لأن قوله كان كذا لا يكون تصريحا منه بقيامه في الحال وإنما يجعل قائما باعتبار استصحاب الحال لأن ما عرف ثبوته فالأصل بقاؤه وإنما يصار إلى استصحاب الحال وإذا لم يقم الدليل بخلافه وقد قام الدليل هنا حين أتى بالبينة على ما ادعى من القضاء بخلاف ما سبق فإن كلامه الأول تصريح بوجوب المال عليه في الحال فهو بقوله كنت قضيتها من قبل يكون مناقضا فيما صرح به .
وعلى هذا لو قال هذا العبد لفلان اشتريته منه فوصله بإقراره وأقام البينة على الشراء قبلت بينته استحسانا .
ولو قال بعد ما سكت اشتريته منه قبل الإقرار أو وهبه لي أو تصدق به علي لم تقبل بينته استحسانا فهذا والأول سواء ولو أقر أن هذا العبد الذي في يده عبد لفلان اشتريته منه بألف درهم ونقدته الثمن ثم قال بعد ذلك اشتريته من فلان الآخر بخمسمائة درهم ونقدته الثمن فإن أقام البينة على ذلك كله فهو جائز وعليه اليمين للأول والثمن للآخر ومراده من هذا الجواب إذا أقام البينة على التعيين فقط دون نقد الثمن .
فأما إذا أقام البينة على نقد الثمن فلا شيء لواحد منهما وإذا أقام على التعيين فقط فالمبيع مقبوض له وثمن المبيع المقبوض يكون متأكدا على المشتري وفي الذمة سعة بالحقوق فلهذا لزمه الثمن لكل واحد منهما .
وإذا لم تقم بينة على ذلك فالعبد للأول إذا جحد البيع لأن اقرار بالشراء منه اقرار بملك أصل العبد ولم يثبت شراؤه منه حين جحده فعليه رد العبد عليه وقد أقر للثاني أنه قبض العبد منه بجهة البيع فإن صدقه في ذلك فله الثمن خمسمائة لأنه غير مصدق عليه فيما يدعي من نقد الثمن إذا لم يصدقه في ذلك وإن جحد البيع ضمن له المقر قيمة العبد لأن المقبوض على جهة الشراء مضمون بالقيمة على القابض كالمقبوض بحقيقة الشراء إذا لم يجب به الثمن المسمى وكذلك هذا في الدار والأرض والعروض .
وإذا أقر الرجل أن هذا العبد في يديه بينه وبين فلان ثم قال بعد ذلك هو بيني وبين فلان الآخر ثم تخاصموا إلى القاضي فإنه يقضي للأول بنصيبه لأنه شركه بنفسه في العبد وعند ذلك هو كان مالكا لجميع العبد ظاهرا فيكون كلامه إقرارا بالنصف ثم ساوى الثاني بنفسه في العبد وعند إقراره للثاني ما كان يملك في المقر به إلا نصفه فصار مقرا له بنصف ذلك النصف وساوى الثالث بنفسه في العبد وعند ذلك ما كان يملك من العبد إلا ربعه فصار مقرا له بنصف ذلك الربع وهو الثمن ويبقى في يد المقر الثمن .
وكذلك لو أقر على ميت هو وارثه فإقراره فيما يخلف الميت بمنزلة إقراره على نفسه ابتداء .
ولو أقر بالعبد كله لفلان ثم قال بعد ذلك هو لفلان فإنه للأول ولا شيء للآخر إلا أن يدفعه إلى الأول بغير قضاء فحينئذ يضمن للآخر قيمته وقد بينا هذه الفصول في إقراره بالغصب والوديعة والعارية فيما اتفقوا عليه واختلفوا فيه .
ولو كانت دابة في يدي رجل فقال استودعني فلان نصف هذه الدابة ثم قال استودعني فلان نصف هذه الدابة ثم قال استودعني فلان آخر نصف هذه الدابة فينصرف مطلق إقراره إلى ذلك ثم يضمن للثالث نصف قيمتها عند أبي يوسف - C - إذا دفع بغير قضاء إلى الأولين وعند محمد - C - سواء دفع بغير قضاء أو بقضاء على ما بينا فيما سبق في دار في يد رجل ثم أقام الآخر البينة عليه أنه أقر إنها له وأقام ذو اليد البينة أن المدعي أقر أنها له فالثابت من الإقرارين بالبينة كالثابت بالمعاينة فيتغايران للتعارض فتبقى الدار في يده على ما كان .
وإن شهد أحد الشاهدين بألف والآخر بألف وخمسمائة جازت الشهادة على ألف وإن ادعى المدعي أكثر المالين لا تفاق الشاهدين على ألف لفظا ومعنى .
وكذلك عند أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - لو شهد أحدهما بألف والآخر بألفين وعند أبي حنيفة - C - لا تقبل الشهادة هنا لاختلاف الشاهدين في اللفظ وهي مسألة دوارة في الكتب معروفة بيناها في كتاب الطلاق .
وإن شهدا على أنه أقر بألف فقال أحدهما كنا جميعا وقال الآخر كنت وحدي فالشهادة جائزة لأن الإقرار قول يعاد ويكرر ويكون الثاني هو الأول فهذا لا يختلف المشهود به ولو ادعى على رجل ألف درهم فقال قد أخذت منها شيئا فقد أقر بها لأن الهاء والألف في قوله منها كناية عن الألف فكأنه قال قد أخذت من الألف التي لك على شيئا .
وكذلك إذا قال كم وزنها أو متى حلها أو ما ضربها أو قد برئت إليك منها أو قد أديتها إليك فهذا كله إقرار بألف لما بينا ولو قال برئت إليك من كل قليل وكثير كان لك على لم يكن هذا إقرارا بالألف ولكنه إقرار بشيء لأنه لا يؤخذ من قوله الإيفاء فيتضمن الإقرار بشيء مجهول الجنس والقدر فيكون مجبرا على بيانه وإذا بينه يحلف الطالب ما قبضه منه ويحلف المطلوب ما عليه غير هذا لأن الطالب يدعي عليه زيادة وهو لذلك منكر فالقول قوله مع يمينه والله أعلم