( قال - C - ) ( وإذا أقر الرجل أنه أعتق عبده هذا أمس وهو كاذب عتق في القضاء ولم يعتق فيما بينه وبين الله تعالى ) لأن الإقرار خبر محتمل للصدق والكذب لكن دين المقر وعقله يدعوانه إلى الصدق والقاضي مأمور باتباع الظاهر فإذا ترجح جانب الصدق باعتبار الظاهر قضى القاضي بعتقه ولكن الله تعالى عالم بحقائق الأشياء فإذا لم يسبق من المقر فيه عتق كان خبره في الحقيقة كذبا والكذب بالإخبار عنه لا يصيره حقا كإقرار المقرين به لا يصيره حقا بإخبارهم به فهذا لا يعتق فيما بينه وبين الله تعالى ولو قال أعتقتك أمس وقلت إن شاء الله لم يعتق لما سبق أن عمل الاستثناء في الكلام كعمل الشرط .
( ولو أقر أنه علق عتقه بشرط لم يكن هذا إقرارا بالعتق ) فكذلك إذا أقر أنه استثنى موصولا وكذلك لو قال أعتقتك أمس وإنما اشتراه اليوم فقد أضاف العتق إلى وقت لم يكن مالكا للعتق فيه فهو كقوله أعتقتك قبل أن اشتريتك .
( ولو أقر أنه أعتق عبده هذا لا بل هذا عتقا جميعا ) لأن رجوعه عما أقر به للأول باطل وإقامة الثاني مقامه في الإقرار بعتقه صحيحة فلهذا عتقا .
( ولو قال أعتقتك على مال وقال العبد أعتقتني بغير مال فالقول قول العبد ) لأن المولى أقر بعتقه وادعى وجوب المال لنفسه في ذمته لأن العتق ينزل بنفس القبول قبل الأداء والمولى مقر بقوله فلهذا عتق العبد وهو غير مصدق فيما يدعي من المال في ذمة العبد إلا أن يقيم البينة عليه أو يحلف العبد إن لم يكن له بينة ولو قال جعلت أمرك بيدك في العتق أمس فلم تعتق نفسك وقال العبد بل أعتقت نفسي لم يصدق العبد لأن المولى ما أقر بعتقه فإن جعل الأمر في يده لا يوجب العتق ما لم يعتق العبد نفسه والعبد مدع لذلك والمولى منكر ولا قول للعبد في الحال لأنه يخبر بما لا يملك إنشاءه فقد خرج الأمر من يده بالقيام من المجلس .
وكذلك لو قال أعتقتك على مال أمس فلم تقبل وقال بل قبلت أو قال أعتقتني بغير شيء فالقول قول المولى لأنه ما أقر بعتقه فإن إعتاقه بمال تعليق بشرط القبول ولهذا لا يملك الرجوع قبل قبول العبد ولو أقر بتعليق عتقه بشرط آخر لم يقبل قول العبد في إيجاد الشرط ولا في إنكار التعليق بالشرط وكذلك هذا في الطلاق وفي قوله أمرك بيدك واختاري فإن أقام العبد البينة على قبوله أو على إعتاق المولى إياه تغير شيء كان الثابت بالبينة كالثابت بإقرار المولى .
( ولو قال لعبده كاتبتك ولم يسم مالا وقال العبد لا بل على خمسمائة فإنه ينبغي في قول أبي حنيفة - C - أن يصدق العبد ولا يصدق في قول أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - ) وأصل المسألة فيما إذا اختلف المولى والمكاتب في مقدار بدل الكتابة فعلى قول أبي حنيفة - C - القول قول المولى ويتحالفان وهو قول أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - بمنزلة البيع لأنه لا يصح إلا بتسمية البدل ويحتمل الفسخ كالبيع وفي قول أبي حنيفة - C - الآخر القول قول العبد لأن الكتابة إذا تمت بالعتق لا تحتمل الفسخ فتكون بمنزلة العتق على مال والطلاق بمال إذا وقع الإختلاف في مقدار البدل يكون القول قول المنكر في الزيادة ولا يجرى التحالف فلما كان من أصلهما أن الكتابة على قياس البيع وقد بينا في البيع أن إقراره به من غير تسمية الثمن باطل فكذلك في الكتابة فيبقى العبد مدعيا للكتابة بخمسمائة ولا يصدق في ذلك إلا بحجة وعند أبي حنيفة - C - وهو بمنزلة العتق والطلاق فإقراره به صحيح .
وإن لم يسم مالا ثم نقول على قول أبي حنيفة - C - الآخر المولى لا يتمكن من إنكار أصل الكتابة بعد ما أقر بها وإن ادعى مالا خلاف ما أقر به العبد فالقول قول العبد فعرفنا أنه قد وجب تصديص العبد عندهما إذا ادعء المولى به خلاف ما أقره لم يصدق العبد وتحالفا فكذلك هنا .
( ولو قال كاتبتك أمس على ألف درهم فلم تقبل الكتابة وقال العبد بل قبلتها فالقول قول العبد ) لأن الكتابة في هذا قياس البيع من حيث إنها لا تحتمل التعليق بالشرط ويلزم الإيجاب فيها قبل القبول فإقراره بالعقد يكون إقرارا بالإيجاب والقبول جميعا ثم قوله فلم تقبل يكون رجوعا عن الإقرار فلا يصح رجوعه كما لو أقر أنه باع عبده من فلان بألف درهم فلم يقبل وقال فلان قبلت بخلاف ما تقدم من العتق والطلاق فإنه يحتمل التعليق بالشرط والإيجاب فيه لازم قبل القبول فإقراره بفعله لا يكون إقرارا منه بقبول العبد والمرأة .
ولو أقر أنه كاتب عبده هذا على ألف درهم لا بل هذا وادعى كل واحد منهما الكتابة جاز ذلك لهما لما بينا أن رجوعه عن الإقرار للأول باطل وهذا بخلاف ما لو أقر أنه كاتب هذين العبدين على ألف درهم إلا هذا لأنه هناك أخرج كلامه مخرج الأستثناء والاستثناء صحيح موصولا فإنما يصير مقرا بما وراء المستثنى وفي الأول أخرج الكلام مخرج الرجوع ولا يصح الرجوع عن الإقرار موصولا ومفصولا ولو أقر أنه كاتبه وهو صبي فقال المكاتب بل كاتبتني وأنت رجل فالقول قول المولى لأنه أضاف الإقرار إلى حال معهودة تنافي الكتابة .
ولو أقر أنه كاتب هذا قبل أن يملكه أو أنه كاتبه أمس وقال إن شاء الله فالقول قول المولى مع يمينه لأنه وصل كلامه بما ينفي أصل الكتابة بخلاف ما لو قال المولى اشترطت الخيار لا تنفي أصل العقد فإن تأثير الخيار في تغيير وصف العقد وجعل حكمه كالمتعلق بالشرط لا أن يصير أصل السبب متعلقا فلم يكن المولى بدعوى الخيار منكرا لأصل العقد بخلاف الاستثناء والبيع في هذا قياس الكتابة والله أعلم