( قال - C - ) ( وإذا حجر القاضي على حر ثم أقر المحجور عليه بدين أوغصب أو بيع أو عتق أو طلاق وأو نسب أو قذف أو زنا فهذا كله جائز عليه في قول أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - ) لأن الحجر على الحر بسبب السفه باطل عندهما فإقراره بعد الحجر كإقراره قبل قال .
( ألا ترى ) إنه لو شهد قبلت شهادته وإن كان عدلا ومعنى هذا معنى الاستشهاد وأن الإقرار ملزم كالشهادة فإذا كان بسبب السفه لا يؤثر في إفساد عبارته ولا يخرجه من أن يكون ملزما بطريق الشهادة فكذلك بطريق الإقرار على قول أبي يوسف - C - الآخر هو قول محمد - C - والحجر عليه صحيح ولا يجوز إقراره بعد ذلك بدين ولا بيع كما لا يجوز مباشرته هذه الأسباب عندهما .
والحاصل أن تأثير الحجر عندهما كتأثير الهزل لأن فعل السفيه لا يكون على نهج أفعال العقلاء لمكابرته عقله كما أن فعل الهازل لا يكون على نهج أفعال العقلاء لقصده غيره فكل ما أثر فيه الهزل أثر فيه الحجر فلا يصح إقراره به وما لا يؤثر فيه الهزل لا يؤثر فيه الحجر ولكن هذا يبطل بالشهادة حتى إذا علم القاضي أن الشاهد قد قصد الهزل بشهادته ثم الحجر لا يكون مؤثرا فيه وهذه مسألة كتاب الحجر .
وإذا أقر الرجل لصبي صغير لقيط بدين مائة درهم فهو لازم له لأن الصغير أهل أن يجب له الحق على غيره وتصحيح الإقرار محض منفعة له والصبا لا يوجب الحجر عن ذلك وكذلك لو قال أقرضني الصبي والصبي بحال لا يتكلم ولا يقرض فالمال لازم له لاحتمال أن يكون الولي باشر هذا السبب وإضافة المقر به إلى الصبي بطريق باشره إنما باشره له ولأن أكثر ما في الباب أن هذا السبب لا يثبت لأنه لا يتصور من الصبي ولكن امتناع ثبوت السبب لا يمنع ثبوت المال بإقراره كما لو كذبه المقر له في السبب فإن قال لك علي ألف درهم من قرض أقر ضتنيه وقال المقر له ما أقرضتك بل غصبتها مني فالمال لازم وإن لم يثبت السبب التكذيبه إياه .
وعلى هذا لو قال أودعني هذا الصبي أو هذا العبد مائة درهم أو أقر بذلك لمجنون فإقراره بأصل المال صحيح والسبب باطل لما قلنا ولو أقر أنه كفيل لهذا الصبي عن فلان بألف درهم والصبي لا يعقل ولا يتكلم فهذا باطل عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - وهو جائز في قول أبي يوسف الآخر - C .
وأصل المسألة أن من كفل لغائب بمال ولا يقبل عن الغائب أحد فهو باطل عندهما صحيح عند أبي يوسف - C - فكذلك إذا كفل لصبي عند أبي حنيفة - C - العقد باطل وإقراره بالعقد الباطل لا يلزمه شيئا .
وعلى قول أبي يوسف - C - العقد صحيح والمال لازم له لإقراره به على نفسه للصبي قال كأن كان أبو الصبي أو وصيه خاطبه بهذه الكفالة فالكفالة باطلة على معنى أنها غير لازمة بل هو موقوف فإذا أدرك الصبي ورضي بها جازت .
وإن رجع الرجل قبل أن يدرك الصبي بطلت في قولهما لأن عقد الكفالة لا يثبت الولاية للأب والوصي والكفالة وإن كانت لا توجب براءة الأصل وهو تمليك للدين من الكفيل من وجه حتى إذا أدى رجع على الأصيل بحكم الأداء وبين العلماء - رحمهم الله - اختلافا في براءة الأصيل بحكم الكفالة : فكان ابن أبي ليلى - C - يقول : الكفالة توجب براءة الأصيل كالحوالة ولو اجتهد قاض قال بهذا القول وقضى به نفذ وفيه إضرار الصبي فلهذا لا يملك الأب والوصي ذلك بل هما فيه كسائر الأجانب إذا بلغه وصح رجوع الكفيل قبل إجازته فكذلك هنا تتوقف على إجازة الصبي إذا أدرك وصح رجوع الكفيل قبل إدراكه لأن العقد لم يلزم بعد ولو أقر أنه رهن هذا اللقيط لفلان بمائة درهم واللقيط لا يتكلم جاز على الكفيل ولا يلزم الصبي شيء لأن إقرار المقر على نفسه صحيح وعلى اللقيط باطل وليس من ضرورة امتناع وجوب المال على الأصيل امتناع وجوبه على الكفيل .
( ألا ترى ) أنه لو أقر بالكفالة عن بالغ وجحد البالغ وجوب المال عليه فإن الكفيل ضامن له إن لم يجب على الأصيل شيء وهذا لأن الصبي أهل أن يجب المال عليه بحال لأن له ذمة صحيحة فيجعل في حق المقر كان ما أقر به حق .
وإن امتنع ثبوته في حق الصبي كمن قال لآخر كفلت لك عن فلان الغائب بمائة درهم التي أقرضته أمس ويعلم أن الغائب لم يقدم منذ سنة فالمال واجب على الكفيل للمعنى الذي بينا .
ولو كفل عن رجل لرجل حاضر بمائة درهم بغير أمره فقال المكفول عنه قد رضيت بكفالتك ثم قال الطالب قد رضيت بضمانك لي فالضمان جائز ويرجع الكفيل إذا ادعى المكفول لأن رضا المكفول عنه بالكفالة حصل قبل تمام العقد فإن تمامه بقبول الطالب فكان هذا بمنزلة أمره إياه بأن يكفل عنه .
فإذا أدى يرجع عليه فلو قال المكفول له أولا قد رضيت ثم قال المكفول عنه قد رضيت كان رضاه باطلا ولم يرجع الكفيل بالمال إذا أداه لأن الكفالة تمت بقبول الطالب ولزم المال الكفيل إذا أداه لأن الكفالة تمت بقبول الطالب ولزم المال الكفيل على وجه لا يرجع إذا أدى فلا يتعين ذلك برضا المكفول عنه بعد ذلك لأن رضاه وإجازته إنما تؤثر في الموقوف لا في النافذ وهذا قول أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - فأما على قول أبي يوسف - C - الآخر الكفالة تتم بالكفيل قبل قبول الطالب فيستوي الجواب في الفصلين ولا يعتبر رضا المكفول عنه في إثبات الرجوع للكفيل في الفصلين جميعا وقول المكفول عنه قد ثبتت كفالتك أو سلمتها أو أجزتها مثل قوله قد رضيت بها لأن المعنى يجمع الفصول كلها ولو أن الكفيل بعد ما رضي المكفول عنه رجع عن الكفالة قبل رضا المكفول له بها لم يلزمه المال في قول أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - لما بينا أن نفوذ العقد برضا المكفول له فرجوع الكفيل قبل نفوذ العقد صحيح وإقرار العبد التاجر للأجنبي بدين أو وديعة أو إجازة جائز وإن كان عليه دين يحيط بقيمته وما في يده لأن هذا كله من أسباب التجارة ومن جملة صنع التجارة والإذن فك الحجر عنه فيما هو من عمل التجارة ولا يخل هذا الفك بوجوب الدين عليه فإقراره بهذه الأسباب بعد وجوب الدين كإقراره قبله .
وإن أقر لمولاه بدين عليه أو وديعة في يده وعليه دين مستغرق لم يجز إقراره لأن المولى يخلفه في كسبه خلافة الوارث المورث فكما أن تعلق حق الغرماء بمال المريض يمنعه من الإقرار للوارث فكذلك تعلق حق الغرماء بكسب العبد ورقبته يمنعه من الإقرار لمولاه إلا أن تعلق حق الغرماء هناك في حق المرض وهنا التعلق ثابت في صحة العبد ومرضه ولا يجوز إقرار العبد التاجر للأجنبي بجناية ليس فيها قصاص لأن هذا من التجارة والإذن فك الحجر عنه في التجارات ففيما ليس بتجارة المأذون والمحجور سواء وإقرار العبد على مولاه باطل .
وإذا أقر بقتل عمدا جاز إقراره وعليه القصاص لأنه يقر به على نفسه فإن المستحق بالقصاص دمه وهو في حكم الدم مبقي على أصل الحرية ولأن المولى لا يملك الإقرار عليه بالقصاص وفيما لا يملكه المولى على عبده العبد بمنزلة الحر كطلاق زوجته يصح إقراره به كما يصح إقراره بإيقاعه وكذلك إذا أقر على نفسه بسبب موجب للحد كالقذف والزنا وشرب الخمر .
وكذلك إذا أقر بسرقة مستهلكة موجبة للقطع وفي إقرار المحجور عليه بسرقة مال قائم بعينه في يده خلاف معروف في كتاب السرقة فأما إقرار المأذون به فصحيح في حق المال والقطع جميعا لأنه يملك الإقرار بكل واحد منهما أما بالمال فلإنفكاك الحجر وأما بالقطع فإنه مبقي فيه على أصل الحرية ولا يجوز إقراره في رقبته بمهر امرأة ولا بكفالة بنفس ولا بمال ولا بعتق عبد له ولا بمكاتبته ولا بتدبيره لأن هذا كله ليس من التجارة فالمأذون فيه كالمحجور .
وإذا أقر بنكاح إمرأة جاز إقراره غير أن المولى له أن يفرق بينهما بمنزلة ما لو أنشأ العقد فللمولى أن يفرق بينهما لأن النكاح تصرف مملوك للمولى عليه وهو ليس من التجارة في شيء بخلاف إقراره بالطلاق فإن ذلك غير مملوك للمولى عليه وينفرد به العبد إنشاء وإقرارا .
ولو أقر العبد التاجر أنه افتض إمرأة باصبعه أمة كانت أو حرة لم يلزمه شيء في قول أبو حنيفة ومحمد - رحمهما الله - ويلزمه ذلك في قول أبي يوسف - C - وجه قوله أن الإقرار بالإفتضاض بمنزلة الإقرار بالغصب والاستهلاك .
( ألا ترى ) أنه لو ثبت هذا بالبينة عليه يباع فيه ولا يدفع بمنزلة الغصب والاستهلاك بخلاف الجناية وإقرار العبد المأذون الغصب والاستهلاك صحيح يؤاخذ بضمانه في الحال وهذا لأن الغاصب بالإفتضاض وإن لم يكن مالا فإنه يسلك مسلك الأموال حتى يملك بالعقد مقصودا ويستحق بالبيع شرطا وإقراره بضمان المال صحيح .
وجه قول أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - : أن هذا الإقرار بالجناية لأن الفعل بالإصبع جناية محضة والمتلف به جزء من الآدمي والمأذون في الإقرار بالجناية كالمحجور فكما أن المحجور لو أقر بهذا لم يصح إقراره لأنه مقر على مولاه فكذلك إذا أقر به .
فأما قوله ( أنه يباع فيه ) فقد قيل : أنه قول أبي يوسف - C - خاصة وبعد التسليم يقول من حيث إن هذا الجزء يستحق بالعقد هو بمنزلة المال ومن حيث إنه جزء من الآدمي هو ملحق بما ليس بمال وما تردد بين أصلين يوفر عليه حظه منهما فلشبهة المال .
قلنا : إذا ثبت بالبينة سببه يباع العبد فيه ولشبهه بما ليس بمال لا يثبت على العبد بإقراره وهذا لأن الدفع إنما يصير مستحقا بفعل هو خطأ إذا كان استحقاق القصاص بعمده ولا يستحق القصاص بعمد هذا الفعل بحال فكذلك لا يستحق دفع العبد به وإذا تعذر ذلك تعين جهة البيع فيه ولكن إذا ثبت بما هو حجة في حق المولى ولو أقر العبد بتزويج أمته وأنه قد أقبضها لم يلزم مهر لواحد منهما في قول أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - حتى يعتق لأن النكاح ليس المأذون والمحجور فيه في الإقرار سواء .
وقال أبو يوسف - C - في الحرة كذلك الجواب أطلقه في رواية أبي سليمان - C .
وفي رواية أبي حفص - C - قال إذا كانت كبيرة لأن وجوب المهر بالعقد لها وهذا العقد ليس من التجارة فهي قد رضيت بتأخيره حين طاوعت العبد فيه .
فأما إذا كانت أمة فإن كان المولى زوجها له لم يلزمه شيء حتى يعتق لأن المولى صار راضيا بتأخير حقه وإن لم يكن المولى زوجها فهو مؤاخذ بالمهر في الحال لأن التعلق بالإفتضاض من الأمة في حكم المال حتى يستحق بالبيع شرطا وهو مملوك للمولى وإقرار العبد المأذون بإتلاف مال مملوك للمولى صحيح في إيجاب الضمان عليه فيلزمه المهر هنا باعتبار الإتلاف دون العقد وإن كانت الأمة ثيبا لم يلزمه شيء حتى يعتق لأن بالوطء هنا لم يتلف شيئا مما هو مال وإنما وجوب المهر باعتبار عقد النكاح وإقرار المأذون به غير صحيح في حق مولاه لأنه ليس من التجارة في شيء .
ثم ذكر في نسخ أبي سليمان - C - بعد هذا وإن كان ذهب العبد بها إلى منزله وهي بكر يعلم ذلك فمولاها بالخيار إن أراد أن يضمنه العذرة بالغصب فله ذلك .
وإن أراد أن يضمنه بالوطء فلا شيء عليه حتى يعتق ولم يذكر هذا الفصل في نسخ أبي حفص - C - ولا في كتاب الإقرار لأبي يوسف - C - فقال مشايخنا - رحمهم الله - : الصحيح أن هذا التفريغ على قول أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - لا على قول أبي يوسف - C - لأن العبد حين ذهب بها إلى منزل مولاه فقد صار غاصبا لها بجميع أجزائها وضمان الغصب يؤاخذ به المأذون في الحال فإذا اختار المولى تضمينه ما ذهب من العذرة عنده لا بوطئه بل الغصب السابق كما لو عايناه أنه غصب أمة عذراء وردها بعد زوال عذرتها وإن اختار تضمينه بالوطء ففي الوطء وجوب المهر باعتبار العقد فلا يؤاخذ به المأذون في الحال حتى يعتق .
وعلى قول أبي يوسف - C - مع الوطء هنا إتلاف العذرة فيضمن باعتبار الحال لحق مولاه ويصح إقراره بمنزلة إقراره بإتلاف المال .
ولو أقر العبد التاجر أنه وطئ أمة اشتراها فافتضها ثم استحقت فعليه مهرها للحال لأن الإفتضاض هنا بالوطء ترتب على سبب هو تجاوزه وهو البيع الذي لولاه لكان الواجب عليه الحد فكان الضمان الواجب بسبب التجارة من جنس ضمان التجارة فصح إقرار العبد به في الحال بخلاف ما سبق فالسبب هنا عقد النكاح والنكاح ليس من التجارة في شيء فلا يصح إقرار العبد به في الحال .
والدليل على أن السبب معتبر أن الوكيل بالبيع إذا باع بيعا فاسدا وقبضه المشتري ضمن القيمة كما يضمنها بالغصب ولكن الوكيل هو الذي يستوفيه دون الموكل لأن وجوب هذه القيمة بسبب عقد الوكيل فيجعل معتبرا بضمان العقد وإن كان هو في الحقيقة ضمان العين .
قال في الكتاب : أرأيت لو أقر أن عينها ذهبت من عمله أو من غير عمله لم يضمن ولو أقر أن عذرتها ذهبت عنده من غير وطء ضمن كما يضمن العين المستحق وهذا يبين الفرق بين هذا وبين النكاح فإن سبب النكاح لا يضمن العين إذا ذهبت من غير عمله .
ولو أقر أنه وطئ صبية بشبهة فاذهب عذرتها فأفضاها لم يلزمه شيء في قول أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - هكذا قال في نسخ أبي سليمان - C .
وفي نسخ أبي حفص - C - قال في قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - والمراد أنه لا يلزمه شيء حتى يعتق لأن إقراره بوجوب المهر بالوطء بالشبهة بمنزلة إقراره بوجوب المهر بسبب النكاح .
وقد بينا أن هناك في حق الحرة لا يلزمه بإقراره شيء حتى يعتق فهذا مثله وتبين بما ذكر هنا في نسخ أبي حفص - C - أن فعله الكبير هناك غير معتبر في قول أبي يوسف - C - فأما ضمان الإفضاء فهو ضمان الجناية وإقرار العبد بالجناية لا يصح مأذونا كان أو محجورا لأنه أقر على مولاه وكذلك لو أقر أنه وطئ أمة بشبهة فاذهب عذرتها وأفضاها بغير إذن مولاها في قول أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - لأن إقراره بالوطء بالشبهة بمنزلة إقراره بالوطء بالنكاح وفي قول أبي يوسف - C - إن كان البول لا يستمسك لا يلزمه شيء لا في الحال ولا بعد العتق لأن من أصل أبي يوسف - C - أن الإفضاء بهذه الصفة يوجب كما الدية في الحرة دون المهر على ما دكره في كتاب الحدود فيكون هذا إقرار بالجناية وذلك غير صحيح من العبد وإن كان البول يستمسك .
قال في نسخ أبي سليمان - C - يصدق في المهر ويكون دينا عليه اليوم ولا يصدق في الإفضاء لأن الإفضاء بهذه الصفة في الحرة يوجب ثلث الدية والمهر فإقرار العبد صحيح في حق المهر عند أبي يوسف - C - كما في مسألة النكاح إذا أقر أنه أذهب عذرتها بغير تزويج المولى وفي الإفضاء لا يصدق لأنه ضمان جناية .
وفي نسخ أبي حفص - C - قال وإن كان البول يستمسك فلا يصدق في المهر فلا يكون دينا عليه ووجه هذه الرواية أن الجناية قد تحققت هنا الإفضاء فلم يبق إذهاب العذرة بالوطء معتبرا وإنما كان وجوب المهر باعتبار الوطء خاصة فهو نظير قوله في المسألة الأولى إذا كانت ثيبا وإقراره بالجناية لا يكون معتبرا صحيحا أصلا بمنزلة إقرار المحجور عليه وما ذكر في نسخ أبي سليمان - C - بالصواب وإقرار العبد المأذون بالشركة في شيء خاص أو في تجارة كثيرة جائز لأن الشركة من عقود التجارة وهو من صنع التجارة فإقرار العبد به صحيح .
وإن أقر بشركة مفاوضة جاز عليه فيما في يده كله ولم يكن مفاوضا لما بينا أن الرقيق ليس من أهل المفاوضة فبطل إقراره بها ويبقى معتبرا في استحقاق المقر له نصف ما في يده لأنه أهل للإقرار بجميع ما في يده لغيره فكذلك بنصفه وقد بينا أن ليس من ضرورة امتناع ثبوت المفاوضة امتناع ثبوت الشركة في المال .
ولو كان مولى العبد المأذون مرتدا أذن له في حال إسلامه أو بعد ارتداده ثم أسلم المولى أو قتل على ردته فالعبد في أقاريره في حال ردة مولاه بمنزلة المحجور عليه عند أبي حنيفة - C - وعندهما إقراره جائز لأن تصرفات المرتد عندهما لا يتوقف وكذلك ملكه بنفس الردة لا تتوقف فيبقى العبد مأذونا له على حاله .
وعند أبي حنيفة - C - ملكه يتوقف بنفس الردة كما يتوقف نفسه ولهذا قال يتوقف تصرفه في المال وإذنه للعبد كما بمطلق ملكه فإذا توقف ملكه بالردة لم يبق العبد مأذونا وإذا كان حكم الإذن لا يبقى بعد الردة فلأن لا يثبت ابتداء في الردة بطريق الأولى فلهذا كان إقراره بمنزلة إقراره المحجور عليه .
وإذا ولدت الأمة التاجرة وعليها دين أو لم يكن عليها دين لم يكن ولدها مأذونا له في التجارة لأن ولدها ملك المولى فلا يصير مأذونا إلا أن يأذن له المولى في حال أهليته لذلك وهذا بخلاف الكتابة فإن ولد المكاتبة كأمة لأن ذلك حق لازم فيها فيسرى إلى ولدها والإذن في التجارة ليس بحق لازم في الأم هنا فلا يسري إلى الولد ولأن المقصود بالكتابة العتق والولد ينفصل عنها وهو ليس بأهل لذلك .
وإذا أقر الإجير أن ما في يده من قليل وكثير من تجارة أو متاع أو مال عين أو دين فهو لفلان وقال أنا أجير له فيه فهو جائز لأنه أقر له بمنافع نفسه وما في يده يومئذ من شيء فهو لفلان كله لا حق للأجير فيه لإقراره بجميع ذلك له والإقرار عاما يصح كما يصح خاصا غير أني أستحسن في الطعام والكسوة فاجعلهما للأجير .
وفي القياس هما للمقر له لأن ذلك له من قليل في يده وكثير ولكنه استحسن فقال الأجير محتاج إلى ذلك فحاجته تدل على أنه اتخذ ذلك لنفسه فيصير ذلك مستثنى من عموم إقراره كما يصير الطعام والكسوة مستثنى من عموم شركة المفاوضة وهذا استحسان مثل ما استحسنا في ثياب بدل الأجر إذا كان يعمل في بيت الأستاذ عند اختلافهما فيها فيجعل القول قول الأجير فيه بخلاف سائر الأمتعة .
وإن لم يعرف ما كان في يده يوم أقر فالقول قول الأجير فيما إذا قال أصبته بعد إقراري لأنه لا يعرف ما في يده إلا من جهته وقد بينا أن في كل إقرار لا يقع الاستغناء به عن بيان المقر يجعل بيانه مقبولا فيه .
ولو أقر الأجير أن ما في يده من تجارة كذا فهو لفلان كان ما في يده من تلك التجارة وقت إقراره لفلان لتقييده الإقرار بذلك وما كان في يديه من غير تلك التجارة فليس لفلان منه شيء والقول في بيانه قول المقر وكذلك ما في يده من تلك التجارة وادعى أنه أصابه بعد إقراره فالقول قوله مع يمينه لأنه ما وقع الاستغناء عن بيانه بإقراره فوجب قبول بيانه في ذلك .
وإذا أقر الأجير أن ما في يده من تجارة أو مال لفلان وفي يده صكوك ومال عين فهو كله لفلان لأن ذلك كله من التجارة فإن ما في الصكوك وجب بسبب التجارة وهو مال من وجه باعتبار ماله فيتناوله عموم إقراره ولو أقر أن ما في يده من طعام فهو لفلان وفي يده حنطة وشعير وسمسم وتمر لم يكن من ذلك لفلان إلا الحنطة لأن الإقرار من جنس التجارة وأسم الطعام فيما هو تجارة لا يتناول إلا الحنطة وقد بينا ذلك فيما سبق ولو لم يكن في يده من الحنطة شيء فلا شيء للمقر له لانعدام المقر به في المحل الذي عينه بإقراره وهو يده والله أعلم