( قال - C - ) ( رجل أقر أنه تزوج فلانة بألف درهم في صحة أو مرض ثم جحده وصدقته في حياته أو بعد موته فهو جائز ) لأن النكاح ظهر في حقه بإقراره ثم لا يبطل بجحوده رجوعه فالرجوع عن الإقرار باطل فإذا اتصل به تصديق المقر له استند التصديق إلى وقت الإقرار وكان كالموجود يومئذ فيثبت النكاح ولها الميراث والمهر إلا أن يكون فيه فضل على مهر مثلها فيبطل الفضل إذا كان في المرض لأنها وارثة وهو متهم في الإقرار للوارث وما زاد على مهر المثل لو ثبت إنما يثبت بإقراره فأما مقدار مهر المثل فيثبت حكمه لصحة النكاح فلا تتمكن التهمة في إقراره به ولو أقرت المرأة في صحة أو مرض أنها تزوجت فلانا بكذا ثم جحدته فإن صدقها الزوج في حياتها يثبت النكاح لما بينا أن جحودها بعد الإقرار باطل .
وإن صدقها بعد موتها لم يثبت النكاح في قول أبي حنيفة - C - ولا ميراث للزوج منها وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهم الله - يثبت النكاح اعتبارا لجانبها بجانبه بعلة أن النكاح ينتهي بالموت فإن يعقد للعمر فمضى المدة بنهيه ولهذا يستحق المهر والميراث وإن لم يوجد الدخول والمنتهى متقرر في نفسه فيصح التصديق في حال تقرر المقرر به كما يصح قبل تقرره .
وأبو حنيفة - C - فرق بينهما وأشار إلى الفرق في الكتاب فقال : لأن الفراش له عليها لا لها وتقرير هذا من أوجه : .
أحدها : أن العدة تبقى بعد موته عليها والعدة من حقوق النكاح عليها فبقاؤها كبقاء النكاح في صحة التصديق وبعد موتها لا عدة في جانب الزوج فقد فات المقر به لا إلى أثر فلا يعمل التصديق بعد ذلك .
والثاني : أن الزوج مالك لحكم النكاح والمرأة محل الملك وبعد فوات المحل لا يتصور بقاء الملك حكما فيبقى الملك ببقاء المحل فيعمل بتصديقها ولهذا حل لها أن تغسله بعد موته ولم يكن له أن يغسلها بعد موتها .
والثالث : إن الفراش لما كان له عليها فالزوج في التصديق بعد موتها مدع لنفسه لا أن يكون مقرا لها بشيء لأن حقها كان في ملك الحل وقد انقطع بموتها بالكلية فأما بعد موت الزوج فالتصديق من المرأة إقرار له على نفسها بالفراش فيصح التصديق بهذا الطريق ثم يبتني عليه حكم الميراث والمهر وكذلك لو لم تكن المرأة جحدت بعد إقرارها حتى ماتت فهو على هذا الخلاف كما بينا .
وإن أقرت المرأة أنها تزوجت هذا الرجل وهي أمة وقد كانت أمة ثم عتقت وقال الزوج قد تزوجتها بعد العتق أو قبله فهو سواء والنكاح جائز لأنهما تصادقا على نفوذ النكاح إن كان بعد العتق فظاهر وإن كان قبل العتق فقد كان يوقف على سقوط حق المولى أو سقط حقه بالعتق .
ثم الأصل بعد هذا فيما ذكر من المسائل أن أحد الزوجين متى أضاف الإقرار بالنكاح إلى حال ينافي أصل العقد لانعدام الأهلية يكون القول قوله إلا أن يثبت الآخر ما يدعيه بالبينة وذلك مثل أن يقول تزوجتك قبل أن أخلق أو قبل أن أولد أو قال تزوجتك وأنا صبي فإن الصبا يمنع الأهلية للعقد بدون أذن الولي أو يقول تزوجتك وأنا نائم فإن النوم حال معهودة في الإنسان تنافي أصل العقد .
وإن قال تزوجتك وأنا مجنون فإن علم جنونه قبل ذلك فالقول قوله لأنه أضاف العقد إلى حال معهودة تنافي أهلية العقد فكان منكرا معنى .
وإن كان لا يعرف جنونه فالنكاح لازم له لأنه أضافه إلى حال غير معهودة فيه ولا تثبت هذه الحال بخبره فإذا أضاف أحدهما النكاح إلى حال لا تنافي أصل النكاح كانعدام الأهلية ولكن يمنع ثبوت الحل وانعقاد العقد لانعدام شرطه لا يصدق في الإضافة ويجعل القول قول صاحبه لأن شرط الشيء تابع له فإقراره بأصل العقد إقرار بشرائطه فهو بعد ذلك في هذه الإضافة راجع عن الإقرار بباطل .
وبيانه : أنه لو ادعى أحدهما أن النكاح كان بغير شهود أو في حال ادعى تمجس المرأة قبل أن تسلم أو في عدة الغير أو تزوجها وأختها تحته أو تزوجها وتحته أربع نسوة فإنه لا يصدق في هذه الإضافة لأن امتناع ثبوت النكاح في هذه الأحوال لمعنى في المحل والمحل في حكم المشروط وإقراره بالعقد إقرار بشرطه إلا أن المرأة إن كانت هي التي إدعت هذه الموانع فالنكاح جائز لازم لها وإن كان الزوج هو الذي ادعى ذلك يفرق بينهما لأنه أقر بحرمتها عليه وذلك بمنزلة تطليقه إياها وإن كان قبل الدخول بها فلها نصف المسمى وإن كان بعد الدخول بها فلها جميع المسمى ونفقة العدة .
وكذلك لو أقر أنه كان طلقها ثلاثا ثم تزوجها قبل أن تنكح زوجا غيره وقالت هي ما طلقتني أو تزوجت غيرك ودخل بي فإنه يفرق بينهما لإقراره بذلك وعليه نصف المهر لها قبل الدخول وجميع المهر ونفقة العلة الدخول لما بينا .
ولو أقر أنه تزوجها أمس وقال إن شاء الله موصولا وقالت هي ما استثنى لم يلزمه النكاح .
وكذلك لو أقرت هي بالنكاح وادعت الاستثناء وادعى هو النكاح لأن الاستثناء إذا اتصل بالكلام فهو بمنزلة الشرط مانع كون الكلام إيجابا فكان هو بهذا اللفظ منكرا لأصل العقد لا مقرا به فيجعل القول في ذلك قوله والذي بينا في النكاح مثله في الطلاق في دعوى الاستثناء وفي الإضافة إلى حال منافية لأصل الطلاق كحال النوم والصبا والجنون إذا كان يعرف ذلك أنه إصابة للمعنى الذي بينا .
( ولو قال رجل لامرأة ألم أتزوجك أمس ؟ أو أليس تزوجتك أمس ؟ أو أما تزوجتك أمس ؟ فقالت بلى وجحد الزوج فهذا إقرار بالنكاح منهما ) لما بينا فيما سبق أن جواب الاستفهام بنفي يكون حرف بلى وما تقدم من الخطاب يصير معادا في الجواب وعلى هذا الطلاق إذا قال ما طلقتك أمس أو ليس قد طلقتك أمس فقالت نعم أو بلى فهذا إقرار بالطلاق وكذلك إن قالت المرأة ذلك وقال الزوج بلى فهو إقرار لما بينا .
ولو قال لها قد تزوجتك أمس فقالت لا ثم بلى وقال هو لالزمه النكاح لأن إقراره لم يبطل بتكذيبها فإن النكاح عقد لازم لا يبطل بجحود أحد الزوجين فصح تصديقها بعد التكذيب ويثبت النكاح بينهما ثم إن أنكر الزوج النكاح بعد ثبوته بتصادقهما فلا معتبر بإنكاره وإذا أقر أنه طلقها منذ ثلاثة أشهر .
فإن كان تزوجها منذ شهر لم يقع عليها شيء لأنه أضاف الطلاق إلى وقت قبل النكاح ولا طلاق قبل النكاح وإن كان تزوجها منذ أربعة أشهر وقع الطلاق عليها لكونه مالكا للإنتفاع في الوقت الذي أسند الطلاق إليه إلا أنها إن صدقته في الإسناد فعدتها من حين وقع الطلاق .
وإن كذبته في الإسناد فعدتها من وقت إقرار الزوج به لأنه في العدة حقها من حيث أنها تستوجب النفقة والسكنى فلا يقبل قوله في الإسناد إذا لم تصدقه في ذلك لما فيه من إبطال حقها .
ولو قال فلانة طالق وذلك أسم امرأته أو قال عنيت غيرها لم يصدق في الحكم لأن كلامه إيقاع شرعي ولأنه له الإيقاع على زوجته دون غيرها فإذا قال عنيت غيرها كان الظاهر مكذبا له في مقالته فلا يصدق في الحكم .
وكذلك لو قال إبنة فلان طالق وأسم أبيها ما قال طلقت ولم يصدق في قوله لم أعن امرأتي وكذلك لو نسبها إلى أمها أو إلى ولدها .
فإذا قال عنيت غيرها يكون الظاهر مكذبا له في مقالته وكذلك كلامه صالح للإيقاع عليها فهو بما يدعي بعد ذلك يريد أن يخرج كلامه من أن يكون إيقاعا فلا يصدق على ذلك في الحكم .
ولو أقر بعد الدخول أنه كان طلقها قبل أن يدخل بها وقد سمى لها مهرا فالطلاق واقع عليها لأنه أضاف الطلاق إلى وقت لا ينافي الوقوع فيه فيجعل موقعا للطلاق ولها عليه مهر ونصف لأنه أقر أن نصف المهر عليه بالطلاق قبل الدخول وأنه وطئها بالشبهة بعد ذلك فيلزمه مهر بالوطء ونصف مهر بالطلاق قبل الدخول والله أعلم بالصواب