( قال - C - ) ( وإذا أقر الرجل أنه اقتضى من فلان ألف درهم فقال فلان ما كان لك علي شيء ولكنك أخذتها مني ظلما أمر القاضي بردها ) وقد بينا هذا مرة وأعدناها لفروع نذكرها هنا وهو أنه لو قال قبضتها بوكالة من فلان كانت له عليك أو وهبتها له فأمرني فقبضتها ودفعتها إليه كان ضامنا للمال وإقراره بالقبض لغيره في حق صاحبه كإقراره بالقبض لنفسه لأن الضمان إنما ينتفي عنه في الفصلين بثبوت المال له على صاحب المال ولمن يدعي أنه قبض له ولم يثبت ذلك بدعواه فكان ضامنا للمال وإذا أقر لفلان على ألف درهم وجحد ذلك فلان وادعى الطالب أن المال على المقر وحده فإنه يلزم المقر من ذلك النصف لأن إضافة الألف إلى نفسه وإلى غيره موجبة للإنقسام فصار مقرا بنصفه على نفسه وبنصفه على الآخر .
( ألا ترى ) أن الآخر لو صدقه كان على كل واحد منهما نصفها فإذا كذبه بطل ما أقر به عليه وبقي مؤاخذا بما أقر به على نفسه وهو النصف وكذلك إن أقر بمثله من عضب أو وديعة أو مضاربة أو قتل خطأ أو جراحة فهذا والأول سواء لما بينا .
( ولو أقر أنه قطع يد فلان هو وفلان عمدا وجحد فلان ذلك وادعى الطالب أن المقر قطعه وحده لم يلزمه شيء في القياس ) لأنه أقر له على نفسه بنصف الأرش فإن اليدين لا يقطعان بيد واحدة عندنا ولكن على كل واحد من المالين بنصف الأرش والمدعي يدعي عليه القصاص فكان مكذبا له فيما أقر به مدعيا عليه شيئا آخر .
ولكن استحسن فقال له عليه نصف أرش اليد وهذا نظير ما قال في كتاب الديات إذا قال قتلت ولي هذا عمدا فقال بل خطأ تقضي بالدية استحسانا لأنه يمكنه أن يأخذ ما أقر به مع إصراره على الدعوى بأن يقول حقي في القصاص ولكنه طلب مني أن آخذ المال عوضا عن القصاص وهذا جائز وكذلك هنا يمكنه أن يأخذ ما أقر به وهو نصف الأرش من إصراره على دعوى القصاص بهذا الطريق ولو كان هذا في النفس كان له أن يقتل المقر خاصة لأن المثنى يقتل الواحد وقال والقياس في النفس هكذا أن لا يستوفي المثنى بالواحد لأن القصاص يعتمد المماثلة والواحد لا يكون مثلا للمثنى وكيف يكون مثلا لهما وهو مثل لكل واحد منهما وكنا تركنا القياس في النفس لحديث عمر - Bه - ( أنه قتل سبعة من أهل صنعاء بواحد وقال لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم به ) وهذا القياس والاستحسان لم ينص عليه في المبسوط إلا هنا ولو قال أقرضني أنا فلان ألف درهم لزمه النصف لما بينا أنه أقر على نفسه بنصف المال .
قال ( ألا ترى ) أنه لو قال لفلان على ألف درهم وفلان ثم قال عنيت الآخر معي في الدين لم يصدق على ذلك وكان الدين لهما عليه نصفين فكان بمنزلة قوله لفلان وفلان علي ألف درهم ووقعت هذه المسألة في أكثر الروايات أنه قال لفلان علي ألف درهم ولفلان ولكن الأصح هو الأول لأنه قال بعده ولو قال لفلان علي ألف درهم ولفلان كانت الألف بينهما نصفين وإذا أقر أن لفلان عليه ألف درهم ثم قال بعد ذلك لأحدهما ستمائة وللآخر أربعمائة لم يصدق إلا أن يصل كلامه لأن مقتضى أول كلامه المناصفة بينهما فكان بيانه مغيرا ولكنه من محتملات كلامه فيصح موصولا ولا يصح مفصولا إلا أنه إذا فصل فعليه للذي أقر له بأربعمائة خمسمائة لأنه راجع عن الإقرار له في قدر المائة وعليه للآخر ستمائة لأنه أقر له في بيانه بمائة زائدة وذلك صحيح منه على نفسه ولو قال أقرضني فلان ألف درهم مع فلان كانت الألف لهما بمنزلة مالو قال أقرضني فلان مع فلان ألف درهم لأن كلمة مع للقران فيوجب الجمع بينهما كحرف الواو ولو قال أقرضني فلان ألف درهم عند فلان كانت الألف للأول لأنه ما اشرك الثاني مع الأول في الإقراض وإنما أخبر أن الإقراض من الأول كان بالقرب من الثاني .
( ولو قال أقرضني وفلانا معي ألف درهم كان عليه من ذلك خمسمائة ) لأنه ذكر فلانا منصوبا فذلك دليل على أنه في محل المفعول كالمقر وأن المقر له أقر فيهما جميعا بالألف فلهذا كانت عليه خمسمائة ووقع في بعض النسخ وفلان معي والأصح هو الأول وإن قال أقرضني وفلانا معي شاهدا علي ذلك فلان ألف درهم كانت الألف عليه وحده لأنه ذكر للثاني خبرا وهو أنه كان شاهدا فلا يدخل معه فيما أخبر به من الاستقراض فإنما يكون مقرا على نفسه خاصة باستقراض الألف وكذلك قوله وفلان معي حالين والله أعلم