قال - C - ( أقر أن لفلان عنده وديعة ولم يبين ما هي فما أقر به من شيء فهو مصدق فيه وقد تقدم نظيره في الغصب ففي الوديعة أولى ) لأن المودع أمين فيكون مقبول القول فيما بين بعد أن يكون ما بين سببا يقصد به الإيداع .
وإن ادعي المقر له شيئا آخر فعلى المقر اليمين لإنكاره ما ادعاه .
وكذلك لو أقر بثوب وديعة وجاء به معيبا وأقر أنه حدث به عنده هذا العيب فلا ضمان عليه في ذلك لأنه لو هلك في يده لم يضمن شيئا وإذا أنكر صاحبه أن يكون استودعه فالجواب كذلك لأن ما في يده لم يقر على نفسه بالسبب الموجب للضمان عليه وإنما أقر بأنه في يده فصاحبه يدعي عليه السبب الموجب للضمان وهو الأخذ بغير رضاه وذو اليد منكر لذلك فالقول قوله مع يمينه قال : .
( ألا تري ) أنه لو قال وضعت خاتمك في يدي فضاع كان القول قوله لأنه لم يضف إلى نفسه في ذلك فعلا ضمن به وإنما أراد بهذه الإشارة إلى الفرق بين هذا وبين مالو قال أخذته منك وديعة فإن هناك إذا أنكر صاحب الإيداع كان المودع ضامنا لإقراره بالفعل الموجب للضمان عليه وهو الأخذ فأما هنا فقد أضاف الفعل إلى صاحبه بقوله أودعني أو وضعه في يدي ولو كانت الوديعة ثوبا فلبسه المودع أو دابة فركبها ثم قال هلكت بعد أن نزلت عنها وكذبه صاحبه فهو ضامن لأنه أقر بالسبب الموجب للضمان وهو اللبس والركوب في ملك الغير ثم ادعى ما يبرئه عن الضمان فلا يقبل قوله إلا أن يقيم البينة على ما ادعى .
وكذلك لو قال ركبتها بإذن المودع وأنكر المودع الإذن فهو ضامن إلا أن يقيم البينة على الإذن لإقراره بالفعل الموجب للضمان عليه وكذلك لو دفعها إلى غير صاحبها ثم أقر أنه دفعها بإذنه فهو ضامن إلا أن يقيم البينة على ذلك وعلى صاحبها اليمين في ذلك كله لدعوى الرضا والإذن عليه وهو مسقط للضمان عنه ولو أقر به .
( ولو قال لفلان علي إلف درهم أو لفلان علي ألف درهم ولفلان مائة دينار أو لفلان فالألف للأول ) لأنه أقر له بها عينا حين لم يقرن به حرف التخيير وذكر حرف التخيير بين الآخرين في مائة دينار فيكون الجواب في حقهما مثل الجواب في المسألة الأولى من حكم الاصطلاح والاستخلاف ولو قال لفلان علي مائة دينار ولفلان علي كر حنطة أو لفلان كر شعير والمائة الدينار للأول ثابتة لأنه أقر له بها عينا ولا شيء للآخرين لأنه ما عين في الإقرار لواحد منها شيئا حين أدخل بينهما حرف أو وقد بينا أن حرف أو يمنع عينا في حق من اقترن به ولكن لكل واحد منهما أن يحلفه على ما يدعيه كأنه لم يقر لهما بشيء .
( ولو قال له لك علي مائة درهم ولفلان أو فللاول نصف المائة والنصف الباقي يحلف لكل واحد من الآخرين عليه إلا أن يصطلحا على شيء فيكون بينهما فإنه عطف أحد الآخرين علي الأول فيما هو موجب حرف أو فكأنه قال لفلان علي مائة درهم ولأحد هذين الآخرين فنصف المائة للأول ) لأنه لا يزاحمه من الآخرين إلا أحدهما والنصف الآخر متردد بين الآخرين والمستحق منهما غير معين والحكم فيه الاصطلاح أو الاستحلاف وإن قال لفلان قبلي مائة درهم أو لفلان وفلان فالنصف للثالث والنصف الباقي بين الأولين كما بينا في المسألة الأولى بين الآخرين لأنه عين الإقرار للثالث هنا حين لم يقرن به حرف أو وأثبت المزاحمة لأحد هذين ولهذا علي مائة درهم فنصف المائة للثالث وفي النصف الآخر حكم الاصطلاح بين الأولين أو الاستحلاف قال وقوله علي وقبلي دين وقوله عندي وديعه وقوله من ملكي وديعة وقوله في ملكي أو في ما لي شركة لأنه كل لفظ محمول على ماهو المتعارف بين الناس في مخاطباتهم وقد بينا هذا .
وإن قال لفلان علي مائة درهم وإلا فلفلان ففي قول أبو يوسف - C - هذا مثل قوله لفلان أو لفلان .
وفي قول محمد - C تعالى - الألف للأول ولا شيء للثاني .
( وجه ) قول محمد - C تعالى - أنه أقر للأول بالمال عينا وفي حق الثاني علق الإقرار بالشرط فإن قوله وإلا فلفلان يعني أن لم يكن لفلان علي مائة درهم وهذا تعليق بالشرط والإقرار لا يحتمل التعليق بالشرط فيبقى إقراره للأول ملزما وفي حق الثاني باطلا .
( ألا ترى ) أنه لو قال لفلان علي مائة درهم وإلا فعبدي حر أو فأمر أني طالق أو فعلى حجة لزمته المائة دون ماسواها لأن كلامه الثاني تعليق بشرط عدم وجوب المال وفي هذا الفصل دليل من وجهين .
أحدهما : أنه لو لم يكن المال واجبا بإقراره للأول لكان يلزمه العتق والطلاق ويلزمه الحج لوجود شرطه .
والثاني : أنه جعل هناك آخر كلامه تعليقا فلم يؤثر الإقرار في السابق فكذلك هنا .
وأبو يوسف - C تعالى - يقول مثل هذا اللفظ إنما يذكر عند التردد بين المذكورين على أن يكون أولى الوجهين في ظنه الأول فإن الرجل يقول هذا القادم زيد وإلا فعمرو وكل هذا الطعام وإلا فهذا يكون المراد أحدهما على أن يكون أولى الوجهين للأول فهنا أيضا يكون بهذا اللفظ مقرا لأحدهما بمنزلة قوله لفلان وهذا بخلاف قوله وإلا فعبدي حر أو فعلي حجة فإنه لا مجانسة بين الإقرار وبين إنشاء العتق والتزام الحج حتى يحمل كلامه على معنى التردد فكان آخر كلامه محمولا على معنى اليمين ولأن التعق والطلاق والحج معلق بالشرط فيمكن تصحيح آخر الكلام تعليقا فأما الإقرار فلا يحتمل التعليق بالشرط ففي جعلنا إياه شرطاف الغاؤه من كل وجه فلهذا جعلناه بمعنى أو ليكون مقرا لأحدهما بغير عينه .
وإن قال لفلان علي مائة درهم بل لفلان أولا بل لفلان فهو سواء ولكل واحد منهما مائة درهم لأن آخر كلامه لاستدراك الغلط بالرجوع عن الإقرار للأول وإقامة الثاني مقامه في الاقرار له بالمائة والرجوع في حق الأول باطل والإقرار للثاني بالمائة صحيح .
( ولو قال لفلان علي مائة درهم بل علي حجة لزمته المائة والحجة نفسه بمنزلة المتاع وقول ذي اليد فيما في يده حجة للدفع فإن ادعى آخر أنه ابنه فعليه البينة ) لأنه يدعي نسب ملك الغير فلا يقبل قوله إلا بحجة فإن أقام البينة أنه ابنه قضي أنه ابن له لإثباته دعواه بالحجة وجعل حرا لأن في الحكم بثبوت النسب حكما بأنه مخلوق من مائة وماء الحر جزء منه فيكون حراما لم يتصل برحم الأمة وحين لم يسموا أمة في الشهادة لم يظهر اتصال مائة برحم الأمة فبقي على الحرية فهذه موجبة البينة حرية الولد فلا يعارضها قول ذي اليد في إثبات رقه وكذلك لو كان الذي في يديه يدعي أنه ابنه فالمدعي الذي أقام البينة أولى بالقضاء بالنسب له لأن البينة لا يعارضها اليد ولا قول ذي اليد وكذلك لو كان المدعي ذميا أو عبدا يثبت منه لإثباته دعواه بالحجة والعبد والذمي من أهل النسب كالحر المسلم فإن أقام ذو اليد البينة أنه ابنه وأقام الخارج البينة أنه ابنه قضيت بنسبه لذى اليد لأن هذا في معنى النتاج وقد بينا أن بينة ذى اليد هناك تترجح على بينة الخارج .
وكذلك إن أقام كل واحد منهما البينة أنه ابنه من امرأته هذه قضى بنسبه من ذى اليد ومن امرأته وإن جحدت هي ذلك لأن السبب هو الفراش بينهما قائم والحكم متى ظهر عقيب سبب ظاهر يحال به على ذلك السبب وذلك الفراش بينهما يثبت النسب منهما فمن ضرورة ثبوته من أحدهما بذلك السبب ثبوته من الآخر فلا ينتفي بجحودها وكذلك لو جحد الأب وادعت الام .
قال ( ولو كان الصبي في يد عبد وامرأته الأمة وأقاما البينة أنه ابنهما وأقام آخر من العرب أو من الموالي أو من أهل الذمة أنه ابنه من امرأته هذه وهي مثله فأنه يقضي ببينة الخارجين ) لأن في بينتهما زيادة إثبات الحرية للولد والبينات للإثبات فتترحج بزيادة الإثبات .
قال ( ولو كان الصبي في يد رجل فأقام رجل البينة أنه ابنه من امرأته هذه وهما حران وأقام ذو اليد البينة أنه ابنه ولم ينسبوه إلى أمه فإنه يقضي به للمدعى ) لزيادة الإثبات في بينته وهو ثبوت النسب من أمه فصارت الزيادة في إثبات النسب كزيادة إثبات الحرية وكذلك إن كانت الأم هي المدعية فإن ثبوت النسب بالفراش بينهما فيكون أحدهما خصما عن الآخر في لا أثبات ولو أقام الخارج البينة أنه ابنه وشهد شهود ذي على إقراره أنه ابنه قضى به للمدعى لأن ثبوت إقرار ذى اليد بالبينة لا يكون أقوى من سماع القاضي إقراره وذلك يندفع ببينة الخارج ثم أعاد مسألة الرجلين والمرأتين وقد بيناه .
( فرع ) عليه ما لم وقت كل واحد منهما وقتا قال ينظر إلى سن الصبي فإن كان مشكلا فهو وما لم يوقتا سواء يقض به لهما وإن كان مشكلا في أحدهما وهو أكبر سنا من الآخر أو أصغر معروف قضيت به للمشكل لأن علامة الكذب ظهرت في شهادة الآخرين ولم تظهر في شهادة هؤلاء لكونه محتملا للوقت الذي وقتوه قال ولو كان الصبي في يد رجل فأقامت امرأة شاهدين أنه ابنها قضيت بالنسب منها لإثباتها الدعوى بالحجة وإن كان ذو اليد يدعيه لم يقض له به لأن مجرد الدعوى لا يعارض البينة .
فإن ( قيل ) : لا منافاة بين ثبوته منه ومنها .
( قلنا ) : نعم ولكن لا يمكن إثبات النسب منهما إلا بالقضاء بالفراش بينهما ومجرد قوله ليس بحجة عليها في إثبات الفراش في النكاح بينهما ولو لم تقم المرأة إلا امرأة واحدة شهدت أنها ولدت فإن كان ذو اليد يدعي أنه ابنه أو عبده لم يقض للمرأة بشيء لأن الاستحقاق الثابت باليد لا يبطل بشهادة المرأة الواحدة فإنها ليست بحجة في إبطال حق ثابت للغير وإن كان الذي في يديه لا يدعيه فإني أقضي به للمرأة بشهادة امرأة واحدة وهذا استحسان وفي القياس لا يقضى لأن اليد في اللقيط مستحق لذى اليد حتى لو أراد غيره أن ينزعه من يده لم يملك فلا يبطل ذلك بشهادة امرأة واحدة وفي الاستحسان تمحض هذا منفعة للولد في إثبات نسبه وحريته وليس فيه إبطال حق لذى اليد لأنه لا يدعي في الولد شيئا إنما يده فيه مصيانة عن ضياعه فلهذا أثبتنا النسب منها بشهادة القابله .
قال ( عبد في يد رجل أقام رجل البينة أنه عبده ولد في ملكه وأنه أعتقه وأقام ذو اليد البينة أنه عبده ولد في ملكه فإني أقضى به للذي أعتقه ) لأن في هذه البينة زيادة الحرية فلو رجحنا بينة ذى اليد جعلناه مملوكا له وكيف يجعل مملوكا وقد قامت البينة على الحرية .
( ولو كان المدعي دبره أو كاتبه لم يستحق بهذا شيئا أما في الكتابة لا إشكال ) لأنه عقد محتمل للفسخ كالبيع والإجارة فكأنه أقام البينة على تصرفه فيه ببيع أو إجارة فلا يترجح به وأما في التدبير فقد أعاد المسألة في آخر الكتاب وجعله كالعتق ففيه روايتان .
وجه تلك الرواية أن بالتدبير يثبت له حق عتق لا يحتمل الفسخ فكان معتبرا بحقيقة العتق لأنه يثبت الولاء على العبد ببينه في الموضعين جميعا .
وإذا كان الولاء هو المقصود والملك بيع فتترجح بينة الخارج لهذا وجه هذه الرواية أن التدبير لا يخرجه من أن يكون مملوكا كالكتابة فكان الملك هو المقصود بالإثبات لكونه قائما فتترجح بينة ذي اليد لإثبات الولادة في ملكه بخلاف العتق فإن الملك لا يبقى بعد العتق فيكون المقصود هناك إثبات الولاء .
( ولو أقام الخارج البينة أنه ابنه ولد في ملكه وأقام ذو اليد البينة أنه عبده ولد في ملكه قضي به للمدعي ) لأن في بينته إثبات الحرية فإن المولود من أمته في ملكه حر الأصل وإذا كان يترجح عنده إثبات حرية العتق براءة الكفيل على كل حال وكذلك براءة الكفيل بالاستيفاء منه توجب براءة الأصيل فكان في هذا الإقرار منفعة الوارث ببراءة ذمته .
وكذلك لو أقر بالقبض من أجنبي تطوع به عن الوارث أو أقر بحوالة أجنبي عن الوارث فهذا باطل لتضمنه الإقرار ببراءة الوارث .
وإن كان قبض المال من الوارث أو ممن أدى عنه بمعاينة الشهود جاز لانتفاء التهمة عن القبض المعاين وإنما فارق المريض الصحيح لعدم تمكن الصحة في تصرف المريض وفيما لاتهمة فيه المريض كالصحيح .
( ولو وكل رجل رجلا ببيع عبده فباعه من ابن الآمر ثم مرض الآمر فأقر بقبض الثمن منه أو أقر الوكيل بقبضه ودفعه إلى المريض لم يصدق في ذلك ) لما في هذا الإقرار من منفعة الوارث ببراءة ذمته عن اليمين .
فإن قيل : أليس أن الوكيل بمنزلة العاقد لنفسه وهو صحيح .
قلنا : في حقوق العقد نعم فأما في الواجب من اليمين فلا حق له بل هو للموكل وفي هذا الإقرار إذا صح سلامة اليمين للوارث وسقوط مزاحمة سائر الورثة عنه فلهذا لا يصدق الوكيل على ذلك .
فإن كان المريض هو الوكيل صدق وإن جحد الآمر ذلك لأن المشترى أجنبي من الوكيل وإقرار المريض باستيفاء دين واجب له على أجنبي صحيح فلأن يصح إقراره باستيفاء دين واجب لغيره كان أولى وحال مرض الوكيل في هذا الدين كحال صحته لأنه تصرف ليس مع وارثه ولا في محل فيه حق غرمائه أو ورثته وإن كان المشترى وارثا للوكيل والآمر وهما مريضان لم يصدق الوكيل علي ذلك لأن مجرد مرض الآمر يمنع صحة هذا الإقرار فمرضهما أولى .
وإن كان المشترى وارثا للوكيل دون الآمر فإن أقر الوكيل أنه قبضه ودفعه إلى الآمر أو هلك المقبوض في يده فهو مصدق على ذلك .
وإن أقر بقبضه فقط لم يصدق على ذلك لأنه اذا أقر في الدين بالقبض لزمه ضمان المقبوض إذا مات مقرا به فكان هذا الإقرار منه إنما يبرئ ذمة وارثه ويلزمه المال فهو بمنزلة قبول الحوالة والكفالة عن وارثه بالمال أو تبرعه بالقضاء عنه وأما إذا قال دفعته إلى الآمر أو ضاع مني فليس فيه التزام شيء في ذمته لأنه أمين في المقبوض فالقول قوله ولئن كان فيه منفعة للوارث فليس في مال تعلق به حق الورثة والمريض في ذلك والصحيح سواء .
( ولو أن مريضا عليه دين يحيط بماله أقر بقبض دين له على أجنبي فإن كان ذلك جائزا إذا كان وجوب الدين في الصحة ) لأن الغريم استحق براءة ذمته عند إقرار الطالب بالقبض منه فلا يبطل استحقاقه بمرض الطالب ولأن حق الغرماء لا يتعلق في مرضه بالدين وأنما تعلق حقهم بما لا يمكن استيفاء الدين منه واستيفاء الدين من المدين غير ممكن وكان اقراره باستيفاء ما لم يتعلق به حق غرمائه في المرض والصحة سواء بخلاف ما إذا كان الدين على الوارث لأن بطلان إقراره هناك لحق الوارث وحقهم يتعلق بالدين والعين فإن كان الغريم أخا له وله ابن فمات الابن قبل الاب حتى صار الأخ من ورثته لم يجز إقراره بقبض الدين منه وقد بينا هذه الفصول في إقراره بالدين لمن لم يكن وارثا ثم صار وارثا بسبب قائم وقت الإقرار فصار غير وارث فكذلك هذه الفصول في الإقرار بالاستيفاء إن أقر بالدين إذ الإقرار بالاستيفاء بالدين على ما بينا .
( ولو خلع امرأته في مرضه على جعل وانقضت عدتها فأقر باستيفائه منها وليس عليه دين في الصحة ولا في المرض كان مصدقا ) لأنها بانقضاء العدة خرجت من أن تكون وارثة بيقين فإقراره باستيفاء الدين منها ومن أجنبي آخر سواء واشتراطه انقضاء العدة صحيح لأن إقراره قبل العدة تتكمن فيه تهمة المواضعة فإنها لو لم تساعده على الخلع حتى فارقها لا تخرج عن أن تكون وارثة فيحتمل أنها ساعدته على الخلع ليتضح إقراره باستيفاء الدين منها فلزوال هذه التهمة شرط انقضاء العدة .
وكذلك اشتراطه أن لا دين عليه في الصحة لأن دين الصحة مقدم على ما يقر به في المرض فأما اشتراطه أن لا دين عليه في المرض فسبب معاين صحيح وإن كان المراد بسبب الإقرار .
فالمراد في حكم الاختصاص أنها إنما تختص بما في ذمتها إذا لم يكن على المقر دين في مرضه وكذلك لو صالح عن قصاص في مرضه على مال ثم أقر بقبضه وهو على غير وارثه صدق في ذلك بخلاف ما إذا كان على وارثه لأن بالصلح قد انقلب الواجب مالا ففي إقراره بقبضه من الوارث اتصال منفعة المالية إليه والمريض لا يملك ذلك في حق وارثه بخلاف عفوه عن القصاص فإن ذلك ليس بمال يمنع المريض من أن يقر لوارثه بما هو مال .
وإن أقر العبد التاجر بقبض دين كان له على مولاه فإن لم يكن عليه دين جاز لأن كسبه خالص حق مولاه ولأن العبد لا يستوجب على مولاه دينا إذ لم يكن عليه دين فبراءة المولى لا تكون بإقراره وإن كان عليه دين لم يجز إقراره بذلك لأن المولى يخلف عبده في كسبه خلافة الوارث حتى تتعلق سلامته له بشرط الفراغ عن الدين للعبد فيكون إقراره لمولاه في مرضه إذا مات منه بمنزلة إقرار المورث لوارثه وكما تمكن هناك تهمة إيثار على سائر الورثة تمكن هنا تهمة إيثاره مولاه على غرمائه .
وكذلك المكاتب إذا أقر بقبض دينه من مولاه وهو مريض ثم مات وعليه دين والمولى وارثه فإقراره باطل وإن لم يكن عليه دين أثلاثا ولهذا نظائر وأضداد ومن نظائرها الموصى له بجمع المال وبنصفه عند إجازة الورثة والموصى له بعين مع الموصى له بنصف ذلك العين إذا لم يكن للميت سواه ومن أضدادها العبد المأذون المشترك إذا أدانه أحد الموليين مائة وأجنبي مائة ثم بيع بمائة فالقسمة بين المدين والاجنبي عند أبي حنيفة - C تعالى - بطريق العول أثلاثا وعندهما بطريق المنازعه أرباعا .
وكذلك المدبرإذا قتل رجلا خطأ وفقأ عين آخر وغرم المولى قيمته لهما وكذلك العبد إذا قتل رجلا عمدا وآخر خطأ وللمقتول عمدا ابنان فعفا أحدهما ثم دفع العبد بالجنايتين ومما اتفقوا على أن القسمة فيه بطريق العول التركة بين الورثة والغرماء وضاقت التركة عن إيفاء حقوقهم والموصى له بالثلث والموصى له بالسدس إذا لم تجز الورثة ومما اتفقوا على أن القسمة فيه بطريق المنازعة .
فضولي باع عبد رجل بغير أمره وباع فضولي آخر نصفه فأجاز المولى البيعين فالقسمة بين المشتريين بطريق المنازعة أرباعا .
وأصل أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - أن قسمة العين متى وجبت بسبب حق في العين كانت القسمة على طريق العول فالتركة بين الورثة ومتى وجبت بسبب حق كان في العين كالأصل فالقسمة على طريق المنازعة كما في بيع الفضولي فإن حق كل واحد من المشتريين كان في الثمن يتحول بالشراء إلى المبيع وفي مسألة الدعوى حق كل واحد من المدعيين العين فكانت القسمة على طريق العول لمعنى أن حق كل واحد منهما شائع في العين فما من جزء منه إلا وصاحب القليل مزاحم فيه صاحب الكثير بنصيبه فلهذا كانت القسمة بطريق العول .
والأصل عند أبي حنيفة - C تعالى - أن كل واحد منهما إذا كان يدلي بسبب صحيح معلوم فالقسمة على طريق العول كالورثة في التركة وإذا كان يدلي لا بسبب صحيح ثابت فالقسمة على طريق المنازعة وما لا منازعة فيه لصاحب القليل يسلم لصاحب الكثير في بيع الفضولين فإن بيع كل واحد منهما غير صحيح قبل إجازة المالك وهذا لأن المضاربة إنما يصار إليها عند الضرورة وذلك عند قوة السبب واستواء السببين في صفة الصحة ففي مسألة الدعوى سبب استحقاق كل واحد منهما الشهادة وهي لا توجب شيئا قبل اتصال القضاء فلم يكن كل واحد من السببين معلوم الصحة فلهذا كانت القسمة على طريق المنازعة وما قال يبطل بحق الغرماء في التركة فإن قسمة العين بسبب حق كان في الذمة ومع ذلك كانت القسمة عوليا .
قال ( فإن كان المدعون ثلاثة يدعى أحدهم جميعها والآخر نصفها والآخر ثلثها وأقاموا البينة فعند أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - القسمة بطريق العول ) فتكون أصل المسألة من ستة يضرب مدعي الكل بسهام الدار ستة ومدعي الثلثين بسهام الثلثين أربعة ومدعى النصف بثلاثة فيقسم الدار بينهم ثلاثة عشر سهما ( وعند أبي حنيفة - C تعالى - القسمة بطريق المنازعة ) ولا منازعة لصاحب النصف والثلثين فيما زاد على الثلثين وصاحب الجميع يدعي ذلك فيسلم له بلا منازعة وما زاد على النصف إلى تمام الثلثين لا منازعة فيه لصاحب النصف فيكون بين صاحب الجميع والثلثين نصفين يبقي ستة استوت منازعتهم فيه فكان بينهم أثلاثا فيسلم لمدعي النصف سدس الدار ولمدعى الثلثين ربع الدار ولمدعي الجميع ما بقي وذلك سبعة أسهم من اثنى عشر .
قال ( ولو كانت الدار في يد رجلين فادعى أحدهما نصفها والآخر جميعها فالبينة على مدعي الجميع ) لأن دعوى كل واحد منهما منصرف إلى ما فى يده أولا ليكون يده محقة في حقه وهذا لأن حمل أمور المسلمين على الصحة واجب فصاحب النصف لا يدعي شيئا مما في يد صاحب الجميع وصاحب يدعي شيئا مما في يد صاحب النصف فعليه إثباته بالبينة فإن أقاما البينة فالدار كلها لصاحب الجميع لأنه إن اجتمع بينة الخارج وبينة ذي اليد فيما في يد صاحب النصف فبينة الخارج أولى بالقبول .
قال ( ولو كانت الدار في يد ثلاثة نفر فادعى أحدهم جميعها والآخر ثلثيها والآخر نصفها وأقاموا البينة واستحلف كل واحد منهم ونكل فعلى قول أبي حنيفة - C تعالى - القسمة على طريق المنازعة بينهم فتكون من أربعة وعشرين سهما ) لأن في يد كل واحد منهم ثلث الدار ودعوى كل واحد منهم ينصرف إلى ما في يده ثم فيما فضل في ذلك إلى ما في يد صاحبه لأنه ليس أحدهما بأولى به من الآخر ولا بينة لكل واحد منهم فيما في يده .
فأما الثلث الذى في يد صاحب النصف لا بينة له في ذلك وصاحب الجميع يدعى الجميع وصاحب النصف يدعي الثلثين لأنه يدعي الثلثين ثلث في يده وثلث في يد صاحبه فيكون دعواه فيما في يد كل واحد منهما نصف الثلث فيسلم نصف هذا الثلث لصاحب الجميع بلا منازعة والنصف الآخر بينهما نصفان لاستواء منازعتهما فيه فصار هذا الثلث على أربعة والثلث الذى في يد صاحب الجميع يدعي جميعه وصاحب النصف يدعي ربعه لأنه يدعي النصف والثلث في يده فإنما بقي الثلث في يد صاحبه فكان دعواه في يد كل واحد منهما نصف السدس وذلك ربع ما في يديه فثلاثة أرباع ما في يده سالم لصاحب الجميع واستوت منازعتها في الربع فكان بينهما نصفين وما في يد صاحب الثلثين صاحب الجميع يدعى صاحب الثلثين نصفه وصاحب النصف ربعه وفي المال سعة فيأخذ كل واحد منهما ثم مات المشتري وأحد الغرماء وارثه واكتسب العبد مالا في ثم مات فإن ماله يقسم بين غرمائه الثلاثة الباقين كل منهم يضرب بدينه ويضرب الوارث بدينه ولا يضرب الذى أعتقه بدينه لأن الديون كلها واجبة في ذمته لم يقض شيء منها من ثمنه والدين الواجب في ذمة العبد يقضى من كسبه بعد موته إلا أن دين المشتري قد سقط عنه لأنه ملك رقبته والمولى لا يستوجب على عبده دينا وقد كان يحول حقه إلى الثمن الذى قبضه القاضى فلما هلك ذلك فات محل حقه أصلا فسقط دينه فلهذا لايضرب في الكسب الذي بعد العتق بشيء .
وأما وارث المشتري فهو أجنبي عن العبد فدينه ثابت في ذمته بعد العتق كدين الآخرين وهو وإن صار وارثا للعبد بموت المشتري فإنما صار وارثا بسبب حادث بعد الإقرار وهو الولاء فلا يبطل ذلك إقراره فلهذا يضرب مع الآخرين بدينه وكذلك إن كان أحد غرماء الدين أقر لهم وارث العبد لأنه حين أقر له لم يكن وارثه فلا يبطل إقراره له وإن صار وارثا بعد ذلك .
( ولو أن مريضا أقر لابنه بدين وابنه عبد ثم عتق ثم مات الأب وهو وارثه فإقراره بالدين جائز ) لأن كسب العبد لمولاه فهذا الإقرار حصل من المريض في المعنى للمولى والمولى أجنبي منه فبان صار العبد من ورثته لا يبطل ذلك الإقرار وهذا هو المعنى في الفصل الأول أن الدين الواجب على العبد بإقراره يتعلق برقبته وكسبه وذلك لمولاه دونه فأن صار المقر له وارثا له بعد ذلك لا يبطل به الإقرار المتقدم وإن وجب قضاء من كسب هو خالص حق العبد بعد العتق لأن هذا حكم يثبت بسبب حادث وهو الإعتاق وقد بينا أن من صار وارثا بسبب حادث بعد الإقرار لا يبطل الإقرار به بخلاف من ورث بسبب قائم وقت الإقرار .
وإن كان العبد تاجرا وعليه دين والمسألة بحالها فالإقرار باطل لأن كسب العبد التاجر لا يكون لمولاه ففي هذا الإقرار منفعة للعبد من حيث أنه يقضى به دينه وقد صار وارثا بسبب كان قائما وقت الإقرار فلهذا بطل اقراره فأما إذا لم يكن عليه دين فكسبه يكون ملكا لمولاه ويجعل هذا كالإقرار للمولى .
( ولو أقر المريض لابنه وهو مكاتب ثم مات الأب والابن مكاتب على حاله فإقراره له جائز ) لأن المكاتب ليس من جملة الورثة فإنما كان مقرا بهذا الدين لأجنبي وإن عتق المكاتب قبل موت الأب لم يجز إقراره له لأنه صار وارثا بسبب كان قائما وقت الإقرار وكسبه بعد العتق له فكان هذا الإقرار موجبا ايصال النفع إلى وارثه فلهذا لم يصح .
( ولو أقر المكاتب في مرضه لابنه الحر بدين ثم مات مكاتبا ولم يترك وفاء أو ترك وفاء بالدين دون المكاتبة فالإقرار جائز ) لأنه مات عبدا عاجزا فلا يكون ابنه من ورثته فكان الإقرار له كالإقرار للأجنبي وهذا لأن الدين مقدم على المكاتبة لأنه أقوى .
( ألا ترى ) أنه لا يملك إسقاطه عن نفسه بخلاف بدل الكتابة فإذا كان الدين مقدما فهو لم يترك وفاء ببدل الكتابة وإن ترك وفاء بذلك كله كان إقراره بالدين باطلا لأنه يؤدي كتابته ويحكم بعتقه مستندا إلى حال حياته فيكون ابنه من ورثته وموجب إقراره قضاء الدين من كسبه وكسبه حقه فإذا حصل إقراره لمن يرثه بسبب قائم وقت الإقرار كان الإقرار باطلا والله أعلم بالصواب