( قال ) - C تعالى - ( رجل أقر أنه كان أقر وهو صبي لفلان بألف درهم وقال الطالب بل أقررت بها لى بعد البلوغ فالقول قول المقر مع يمينه ) لأنه أضاف الاقرار إلى حال معهودة تنافي الوجوب به فإن قول الصبي هدر في الإقرار والصبا حال معهودة في كل أحد فكان هو في المعنى منكرا للمال لا مقرا له .
فإن قيل : هو قد ادعى تاريخا سابقا في إقراره والمقر له منكر لذلك التاريخ فينبغي أن يكون القول قوله .
قلنا : المصير إلى هذا الترجيح بعد ثبوت السبب ملزما وإذا كان الإقرار في حال الصبا غير ملزم أصلا فلم يكن هو مدعيا للتاريخ بالإضافة إليه بل يكون منكرا لأصل المال عليه كمن يقول لعبده أعتقتك قبل أن أخلق أو قبل أن تخلق فكذلك لو قال أقررت له بها في حال نومي لأن النوم حال معهودة تنافي وجوب المال بالإقرار فيها فإن أصل القصد ينعدم من النائم والقصد المعتبر ينعدم من الصبي فإن كان إضافة الإقرار إلى حال الصبا لا يكون إقرارا فإضافته إلى حال النوم يكون إنكارا بطريق الأولى وكذلك لو قال أقررت بها قبل أن أخلق لأنه مستحيل في نفسه فكان منكرا لا مقرا ومثل هذا اللفظ إنما يذكر للمبالغة في الإنكار عادة ولو قال أقررت له وأنا ذاهب العقل من برسام أو لمم .
فإن كان يعرف أن ذلك أصابة لم يلزمه شيء لأنه أضاف الإقرار إلى حال معهودة تنافي صحة الإقرار فيها وإن كان لا يعرف أن ذلك أصابه كان ضامنا للمال لأنه لم يضف الإقرار إلى حال معهودة فيه فكان هو في الإضافة إلى الحال التى هي غير معهودة مدعيا لما يسقط عنه بعد إقراره بها فلا يقبل قوله في ذلك وهذا لأن الإقرار في الأصل ملزم فيجب العمل بهذا الأصل مالم يظهر المانع منه والمانع إضافته إلى حال معهودة تنافي صحته فالإضافة إلى حال غير معهودة لا يصلح مانعا بل تكون دعوى المسقط بعد ظهور السبب الملزم فلا يقبل ذلك إلا بحجة .
( ولو قال أخذت منك ألف درهم وأنا صبي أو ذاهب العقل من مرض يعرف أنه كان أصابه فهو ضامن للمال ) لأن الأخذ فعل موجب للضمان على الآخذ صبيا كان أو بالغا مجنونا أو عاقلا فإن الحجر بسبب الصبا والجنون عن الأقوال لا عن الأفعال لأن تحقق العقل بوجوده فلا يكون الصبا والجنون مؤثرا في حكمه وظهور الفعل بإقراره فإذا كان إقراره ملزما حين أقر به والفعل ملزما فيه في حال الصغر تقرر السبب الموجب للضمان عليه بخلاف ما تقدم فإن قوله في حال الصغر والجنون ليس بملزم إياه ولو أقر الحر أنه كان لفلان عليه ألف درهم وهو عبد لزمه المال لأن الرق لا ينافي وجوب المال في ذمته فإن للعبد ذمة صحيحة لأن صحة الذمة لكونه آدميا وبالرق لا يخرج من ذلك .
وكذلك لو أقر أنه كان أقر له وهو عبد بألف درهم لأن إقرار العبد ملزم في حق نفسه لكونه مخاطبا وإنما لا يقبل في حق مولاه فكان مؤاخذا به بعد العتق .
وكذلك الحربي يسلم ثم يقر أنه كان قد أقر لفلان في دار الإسلام بألف درهم في دخلة دخلها بأمان أو قال دخل علينا بأمان فأقررت له وأنا في دار الحرب وهو في دار الإسلام أو المسلم يقر أنه كان أقر به لفلان حين كان حربيا فذلك كله ملزم إياه لأنه أضاف الإقرار إلى حال لا تنافي صحة الإقرار ووجوب المال بها فإنا لو عاينا إقراره في ذلك الوقت كان مؤاخذا به بعد الإسلام فكذلك إذا ظهر ذلك بإقراره ولو أنه كان أقر بإلف درهم لفلان قبل أن يعتق وقال فلان أقررت لي بها بعد ما أعتقت لزمه المال له لأنه أضاف الإقرار إلى حال رق المقر له وذلك لا ينفي كون الإقرار ملزما فكان ملتزما المال بإقراره قاصدا إلى تحويله من المقر له إلى مولاه بإسناده الإقرار إلى حال رقه من المقر له إلى غيره .
( ولو أقر مسلم قد كان حربيا أنه أخذ في حال حرابته من فلان ألف درهم في حال ما كان حربيا أو قطعت يده حال ما كان حربيا وقال المقر له بل فعلت ذلك بعد إسلامك فإن كان المال قائما بعينه فعليه رده وهو غير مصدق في الإضافة إلى حال الحرب ) لأنه أقر أن هذه العين في الأصل كانت مملوكة له وادعى تملكها عليه بإضافة الأخذ حال كونه حربيا فلا يصدق فيه إلا بحجة كما لو ادعى التملك عليه بشراء أو هبة ولو كان مستهلكها فهو ضامن له في قول أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - وقال محمد - C - القول للمقر ولا ضمان عليه في ذلك وكذلك لو قال لمعتقه أخذت منك ألف درهم حال ما كنت عبدا لي أو قطعت يدك حال ما كنت عبدا لي وقال المقر له لا بل فعلت ذلك بعد ما أعتقتني فالقول قول المقر له والمقر ضامن في قولهما .
وعند محمد - C تعالى - القول قول المقر وجه قوله . أنه أضاف الإقرار إلى حال معهودة تنافي وجوب الضمان عليه بالأخذ والقطع في تلك الحال فيكون منكرا لا مقرا كما قال لمعتقه وطئتك حال ما كنت أمة لي أو قال لمعتقه أخذت منك الغلة شهر كذا حين كنت عبدا لي أو قال القاضي بعد ما عزل قضيت بكذا في حال ما كنت قاضيا وأخذته فدفعته إلى المقضى له فالقول قوله وإن كذبه المقر له في هذه الإضافة وكذلك لو قال المعتق قطعت يدك وأنت عبد وقال المقر له بل قطعتها بعد العتق فالقول قول المقر للمعنى الذي بيناه .
وأبو حنيفة وأبو يوسف - رحمهما الله - قالا : أقر على نفسه بالفعل الموجب للضمان عليه ثم ادعى ما يسقط الضمان فلا يصدق في ذلك كما لو قال فقأت عينك اليمنى وعيني صحيحة ثم ذهبت وقال الآخر بل فقأتها وعينك ذاهبة كان القول قول المقر له والمقر ضامن للأرش وبيانه هو أنه أقر بالأخذ وهو سبب موجب للضمان عليه كما قال A ( على اليد ما أخذت حتى ترد ) وأضاف الإقرار إلى حال رق المقر له وذلك غير مناف للضمان عليه بسبب الأخذ والقطع في الجملة فإن العبد إذا كان مديونا كان أخذ المولى كسبه سببا لوجوب الضمان عليه وكذلك قطع يده موجب للضمان عليه وكذلك أخذه من الحربي قد يكون موجبا للضمان عليه في الجملة اذا كان الحربي مستأمنا في دارنا فلم يكن هو في إقراره منكرا لأصل الالتزام بل كان مدعيا لما يسقط الضمان عنه بخلاف ما استشهد به فإن وطئ المولى أمته غير موجب عليه المهر سواء كانت مديونة أو غير مديونة وكذلك قضاء القاضي في حال ولايته غير موجب للضمان عليه بحال فإنما أضاف الإقرار في هذه المواضع إلى حال معهودة تنافي الضمان أصلا فكان منكرا لا مقرا فلهذا لا يلزمه شيء والله أعلم بالصواب