( قال ) - C تعالى - ( وإذا أقر الرجل لرجل بشاة من غنمه صح إقراره ) لأن المقر له معلوم ولا تأثير لجهالة المقر به بالمنع من صحة الإقرار لأنها جهالة مستدركة بإجبار المقر على البيان .
فإذا ادعى المقر له شاة بعينها . فإن ساعده المقر على ذلك أخذها وإن أبى ذلك لم يأخذها إلا بإقامة البينة لأن المقر بها منكر والمدعي معين والمنكر غير المعين فلا يأخذها إلا بإقامة البينة عليه أو سكوت المدعى عليه بعد استحلافه ولكنه بدعوى هذه الشاة صار كالراد لإقراره فيما سواه فإذا حلف المدعى عليه في هذه الشاة لم يبق للمدعي خصومة بسبب ذلك الإقرار فإن ادعى المقر له شاة بغير عينها أعطاه المقر أي شاة شاء من غنمه لأنه أبهم الإقرار فكان الخيار إليه وبيانه مطابق للفظه فكان مقبولا منه وإن حلف المقر علي كلهن لم يقبل ذلك ويجبر على أن يعطيه شاة منها لأن الاستحقاق بالإقرار ثم بتصديق المقر له فيما أقر به فلا يبطل ذلك باليمين الكاذبة بخلاف الأول فإن المقر له هناك صار رادا لإقراره فيما سوى التى عينها وإقراره غير موجب استحقاق تلك الشاة بعينها وإن لم يعين واحد منهما شيئا منها وقال لا أدرى أو رجع المقر عن إقراره وجحد فهو شريكه فيها فقد جمع في السؤال بين الفصلين وأجاب عن أحدهما وهو ما إذا قال لا أدري فهناك تكون الشركة ثابتة لاختلاط ملك أحدهما بالآخر على وجه يتعذر تميزه حتى إذا كانت الغنم عشرا فله عشر كل شاة .
وإن ماتت شاة منها ذهبت من مالهما وإن ولدت شاة منها كان لهما جميعا على ذلك الحساب هذا هو الحكم في المال المشترك أن الزيادة لهما والهلاك عليهما فأما إذا جحد المقر أصلا ومنع الغنم فهو ضامن لنصيب المقر له حتى إذا هلكت شاة منها ضمن مقدار نصيب شريكه منها وهو العشر وإن مات المقر فورثته في ذلك بمنزلته لأنهم خلفاؤه في ملكه وإنما كان الشأن للمقر لاختلاط ملكه بملك غيره وورثته في ذلك بمنزلته إلا أنهم يستحلفون على العلم لأن يمينهم على فعل الغير وأنواع الحيوان والرقيق والعروض في هذا مثل الغنم .
ولو قال له في دراهمي عشرة دراهم وهي مائة فللمقر له منها عشرة دراهم وزن سبعة لما بينا أن الدراهم عبارة عن الوزن والمعيار فيه وزن سبعة فينصرف مطلق الإقرار به في ما له وفي ذمته سواء وإن كان في الدراهم صغار نقص وكبار ومال المقر هي عشرة نقص لم يصدق لأن هذا بيان فيه تغيير موجب كلامه فلا يقبل منه مفصولا وإن كان فيهازيوف فقال هي منها صدق لأنه ليس في هذا بيان تغيير موجب كلامه بل فيه تقريره وهذا بمنزلة الإقرار بالغصب أو الوديعة لما عين له محلا سوى ذمته .
وقد بينا في الغصب والوديعة أنه إذا قال هي زيوف صدق وإن كان مفصولا ولو قال له في طعامي هذا كر حنطة ولم يبلغ الطعام كرا فهو كله له لأنه أقر بحقه في محل عين ولكنه غلط في العبارة عند مقداره والزيادة على ذلك القدر لو لزمته إنما تلزمه في ذمته وهو ما أقر له بشيء في ذمته ولكنه يحلف أنه ما استهلك من هذا الطعام شيئا وهذا إذا ادعاه المدعي لأنه يدعي عليه السبب للضمان في الزيادة الموجود إلى تمام الكر وهو لذلك منكر فيتوجه عليه اليمين .
ولو قال له هذه الشاة أو هذه الناقة ثم جحد ذلك وحلف ماله منهما شيء وادعاهما الطالب فإنه يقضى له حين ادعاهما صار مصدقا له فيما أقر به وهو أحدهما بغير عينه مدعيا في الزيادة على ذلك على فتم استحقاقه في المقر ولا يبطل ذلك باليمين الكاذبة فالأوكس متيقن به وهو الشاة فلهذا لزمه ذلك ولا يكون المقر له شريكا في الناقة لأنه بجحوده نفى حقه عنهما ولو نفى الناقة وحدها بأن عين الشاة كان مقبولا منه فكذلك هنا يقبل منه نفي حق المقر له عن الناقة فلا يكون شريكا ولو شهد الشهود على إقراره بذلك وقالوا سمى لنا إحداهما فنسيناها لم تجز شهادتهما لإقرارهما على أنفسهما بالغفلة ولأنهما ضيعا ما تحملا من الشهادة فإنهما تحملاها على الإقرار بالعين وقد ضيعا ذلك بالنسيان .
( وإذا أقر لرجل بحق دار في يده فإنه يجبر على أن يسمي ذلك ما شاء ) لأنه أبهم الإقرار بجزء له من الدار فعليه بيان ما أبهم فإن أقر بالعشر وادعى المقر له أكثر من ذلك حلفه على الزيادة لأنه خرج عن عهدة إقراره بما بين فالقول قوله في إنكار الزيادة مع يمينه وإن أبى أن يسمي سمى له الحاكم ثم وقفه على شيء من ذلك حتى إذا انتهى إلى أقل ما يقر به له عادة استحلفه ماله فيه إلا ذلك لأن قدر الأقل متيقن به وذلك معلوم بالعادة وعليه ينبني مطلق الإقرار فيستحلفه على الزيادة إذا ادعاها الطالب ثم يقضى له بذلك القدر والأعيان المملوكة كلها على هذا .
( ولو أقر أن لفلان حقا في هذه الغنم قال هو عشر هذه الشاة فالقول قوله مع يمينه ) لأن بيانه مطابق لإقراره فقد يضاف المقر به إلى محله الخاص تارة وإلى العام من جنسه تارة فيقبل بيانه وعليه اليمين إن ادعى المقر له الزيادة .
( ولو أقر أن لفلان حقا في هذه الدار ثم قال هو هذا الجذع أو هذا الباب المركب أو هذا البناء بغير أرض لم يصدق في ذلك ) لأن بيانه مغير لموجب كلامه فإن موجب إقراره ثبوت حق المقر له في رقبة الدار وهذا البيان ينفي حقه عن رقبتها فلا يصدق في ذلك إلا موصولا وحقيقة المعنى في الفرق بين هذا وبين الغنم أن في الدار بيعا للأصل ولهذا يدخل في البيع من غير ذكر ويستحق بالشفعة وقوام البناء بأصل الدار وقد أضاف إقراره إلى أصل الدار فلا يقبل بيانه في الصفة والبيع بعد فأما في الغنم بعض ليس بيعا للبعض فبيانه في أصل الغنم كإقراره فلهذا قبل منه قال أرأيت لو عنيت به الثوب أو الطعام الذي في الدار أكنت أصدقه وهذا إشارة إلى ما قلنا أن الموضوع في الدار ليس من رقبة الدار في شيء وإقراره يتناول رقبتها .
( ولو أقر أن له في هذا البستان حقا ثم قال هو ثمرة هذه النخلة لم يصدق ) لأن إقراره تناول أصل البستان والثمرة ليست من أصله في شيء وإن أقر بالنخلة بأصلها فالقول قوله لأنه أقر له بجزء من الأرض فكان بيانه مطابقا لإقراره .
وإن قال هي له بغير أرض لم يصدق لأن بيانه غير مطابق لإقراره فإن حرف في حقيقة للظرف واسم البستان لأصل البقعة والأشجار فيه وصف وتبع لأن قوامها بالبقعة وإنما يتناول أصل إقراره شيئا من البقعة أو جعل البقعة لما أقر به من الحق فإذا فسره بالنخلة من غير أرض لم يكن التفسير مطابقا للفظه .
فإن قيل : الظرف غير المظروف فإنما جعل البستان محل حقه فإذا فسره بالنخلة فالبستان محل حقه .
قلنا : لا كذلك فأنه إذا فسره بالنخلة فمحل حقه موضعها من الأرض وذلك الموضع لا يتناوله اسم البستان فإنما يتحقق كون البستان ظرفا لحقه إذا كان المقر به جزءا منها .
( ولو قال له في هذه الأرض حق ثم قال حقه فيها إني أجرتها إياه سنة ليزرعها لم يصدق ) لأنه أقر له بالحق في رقبتها ثم فسره بالمنفعة فلم يكن تفسيره مطابقا للفظه .
وكذلك لو أقر أن له في الدار حقا ثم قال سكني شهر فتفسيره غير مطابق للفظه وكذلك لو أقر أن له في هذه الدار ميراثا أو شراء ثابتا أو بابا أو ملكا ثابتا ثم قال هو هذا الباب المغلق لم يصدق لأنه جعل رقبة الدار ظرفا لما أقر له به فلا بد من أن يفسره بجزء من رقبتها .
( ولو قال له في دار والدي هذه وصية من والدي ثم قال له سكني هذا البيت سنة لم يصدق حتى يقرله شركة في أصل الدار ) لأنه جعل الدار ظرفا للموصى به والمنافع أعراض تحدث شيئا فشيئا فلا يكون تفسيره مطابقا لإقراره ما لم يقر بشيء من أصل الدار ولو وصل المنطق في جميع ذلك كان مقبولا لأن ظاهر إقراره منصرف إلى شيء من أصل الدار على احتمال أن يكون المقر به منفعتها لأن المنافع محل الأعيان فإذا بينه موصولا قبل بيانه وإن كان مغيرا لموجب مطلق كلامه .
وكذلك لو قال له فيها ميراث بسكنى شهر وفي هذا نوع إشكال فإن المنافع لا تورث عندنا فينبغي أن لا يقبل بيانه هذا موصولا وكذا يكون بيانه من محتملات كلامه فإن توريث المنفعة مجتهد فيه ولو قضى به القاضي نفذ قضاؤه فلعله أقر له بذلك بعد ما قضى له به قاض فكان هذا بيانا من هذا الوجه وقيل هو على الخلاف وينبغي أن يكون هذا الجواب عندهما بناء على ما تقدم .
وإذا قال لفلان علي ألف درهم من ثمن خمر لم يصدق عند أبي حنيفة - C تعالى - وإن وصل لأن ثمن الخمر لا يجب للمسلم شرعا وعندهما يصدق وكان ذلك بيانا منه على ظنه وكذلك هذا .
( ولو كان في يده عشرة من الغنم فقال لفلان فيها شرك شاة ثم ماتت الغنم كلها فقال المقر له أنت خلطت شاتى بغنمك لم يصدق على ذلك ولم يضمن المقر شيئا إذا حلف ) لأن إقراره بالشركة في العين لا يتضمن الإقرار بوجود السبب الموجب للضمان عليه فإن نصيب كل واحد من الشريكين في يد صاحبه أمانة والاختلاط يحصل من غير خلط فدعواه الخلط دعوى السبب الموجب للضمان عليه ابتداء فلا يصدق في ذلك إلا بحجة .
( ولو قال في زيتي هذا لفلان رطل من زئبق وقال كل واحد منهما أنت خلطته لم يصدق واحد منهما في دعواه إلا بحجة ) لأنه يدعي السبب الموجب للضمان علي شريكه ابتداء ولكنه يحلف كل واحد منهما على دعوى صاحبه .
وإذا حلفا فهما شريكان في الزيت يباع فيضرب الزئبق فيه بقيمة رطل من زيت لا بقيمة رطل من زئبق ويضرب الآخر بقيمة ما بقي من الزيت قال لأنه قد صار زيتا كله ومعنى هذا أن الزيت هو الغالب والزئبق يصير كالمستهلك فيه وقيمة الزئبق تنتقص بالاختلاط وهذا النقصان حصل من غير فعل أحد فيكون على صاحب الزئبق وإنما يضرب كل واحد منهما في الثمن بقيمة ملكه كما يتناوله العقد وعقد الكل زيت فلهذا ضرب بقيمة رطل من زيت .
( ولو كان لرجل خمسون رطلا من زئبق فأقر أن فيه لرجل رطلا من نفسج بعته وقسمت الثمن بينهما يضرب فيه صاحب البنفسج بقيمة رطل منه وصاحب الزئبق بقيمة زئبقة ) لأن البنفسج بالاختلاط بالزئبق تزداد قيمته وهذه الزيادة حصلت من ملك صاحب الزئبق فلا يضرب بها مع صاحب الزئبق وإنما يكون ضربه بقيمة ملكه وهو رطل بنفسج وإن شاء صاحب الزئبق أعطي صاحبه رطلا من البنفسج والزئبق كله له والخيار إليه دون صاحب البنفسج لأن البنفسج صار مستهلكا بالزئبق فإن الزئبق هو الغالب وعند الاختلاط الأقل يصير مستهلكا بالأكثر والحكم للغالب فيكون الخيار لمن كان حقه قائما من كل وجه في أن يتملك على صاحبه نصيبه بضمان المثل ألا ترى أن ثوب انسان لو وقع في صبغ غيره فانصبغ به كان لصاحب الثوب أن يعطي لصاحب الصبغ قيمة الصبغ لأن الثوب قائم من كل وجه والصبغ فيه مستهلك من وجه فكان الخيار لصاحب الثوب فهذا مثله .
( رجل في يده ثوب مصبوغ بعصفر فقال لرجل في ثوبي هذا لك قفيز من عصفر في صبغه فصاحب الثوب بالخيار إن شاء رد عليه مازاد قفيزا من عصفر في ثوبه ) لأن ملك المقر له صار وصفا لملكه فكان له أن يتملكه بضمان بدله وأن أبى بيع الثوب ويضرب به صاحب العصفر بقيمة ملكه وهو مازاد قفيز من عصفر في ثوبه وصاحب الثوب بقيمة ثوبه فان كان صبغه أكثر من قفيز ضرب صاحب الثوب بالفضل مع قيمة الثوب الأبيض لأن المقر له ما استحق إلا مقدار قفيز من العصفر الذي في الثوب لأن استحقاقه بإقراره وإنما أقر له بهذا المقدار .
وإن اختلفا فقال المقر له ليس في هذا الثوب زيادة على قفيز من عصفر وقال صاحب الثوب بل فيه زيادة على ذلك سأل القاضي أهل العلم بذلك من الصباغين لأنه يحتاج إلى معرفة المحق منهما فيرجع فيه إلى من له نظر في ذلك الباب كما إذا احتاج إلى معرفة قيمة العين سأل عنه من له فيه فإن اتفقوا على شيء يعرف في ذلك أخذ بقولهم وإلا القول فيه قول صاحب الأصل والمقر له إنما يستحق من جهته فيكون القول في بيان مقدار ما يستحق المقر له قول صاحب الثوب .
( ولو أن رجلا في يديه عبد فقال لفلان في هذا العبد شرك أو قال شركة فله النصف في قول أبي يوسف - C تعالى - وقال محمد - C تعالى - القول قول المقر في بيان مقدار ما أقر به واتفقا أنه لو قال فلان شريكي في هذا العبد أو مشترك بيني وبين فلان أو هو لي ولو كان بينهما نصفين ) لأن لفظه الشركة تقضي المساواة قال الله تعالى { فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث } ( النساء : 1 ) ثم يستوي فيه ذكورهم وإنائهم وكذلك لفظ بين يقضي المناصفة بين المذكورين ومطلق الإضافة إليهما تقتضي التسوية بينهما .
فأما في قوله شرك في العبد فكذلك يقول أبو يوسف - C تعالى - لأن لفظ الشركة يقتضي التسوية .
وقال محمد - C تعالى - إذا ذكر الشرك منكرا فهو عبارة عن النصيب قال الله تعالى { أم لهم شرك في السموات } ( فاطر : 40 ، الأحقاف : 4 ) وقال الله تعالى { وما لهم فيهما من شرك } ( سبأ : 22 ) من نصيب فهذا وقوله لفلان في عبدي نصيب سواء وهناك البيان فيه إلى المقر له وإلى نفسه فيقتضي المساواة وهنا جعله صفة للمقر به فلا يتحقق فيه اعتبار معنى المساواة فلهذا كان هو وذكر النصيب سواء وإن فصل الكلام فقال هو شريكي فيه بالعشر أو هو معي شريك بالعشر فالقول قوله لأن الإقرار بالشركة يقتضي المساواة ولكن على احتمال التفاوت فكان بيانه مغايرا لما اقتضاه مطلق كلامه فيصح موصولا لا مفصولا وكذلك لو قال هذا العبد لي ولفلان لى الثلثان ولفلان الثلث .
وإذا أقر أن لفلان معه شركا في هذا فهو بينهم أثلاثا في قول أبى يوسف - C تعالى - بمنزلة ما لو قال فلان وفلان فيه شركائي .
وعند محمد - C تعالى - البيان فيه إلى المقر كما في الفصل الأول وإذا قال قد أشركت فلانا في نصف هذا العبد ففي القياس له ربعه لأنه لو قال إشركت فلانا في هذا العبد كان له نصفه فإذا قال في نصف العبد كان له نصف ذلك وهو الربع لأن الإشراك يقتضي التسوية بين الموجب والقابل فيما أضيف الإيجاب إليه وقد أضيف هنا إلى نصف العبد ولكنه استحسن فقال له النصف لأن معنى قوله أشركت فلانا في نصف العبد أى بنصف العبد فقد يستعار حرف في لمعني الباء مجازا لأن الباء للإلصاق وفي للظرفية وبين الظرف والمظروف نوع إلصاق فأمكن أن يستعار حرف في لمعنى الباء وإنما حملناه على هذا النوع من المجاز لعدم إمكان اعتبار الحقيقة فأنه وإن جعل له ربع العبد كان شريكا في جميع العبد لا في نصفه فأن صاحب القليل مشارك لصاحب الكثير في جميع الدين .
وإذا قال له علي حق ثم قال عنيت حق الإسلام لم يصدق ولا بد من أن يقر له بشيء لأن كلمة على للإلتزام في الذمة ومطلق هذا اللفظ إنما يفهم منه في العادة الدين فتفسيره بحق الإسلام معتبر لمطلق لفظه فلا يقبل منه مقصوده ثم خص نفسه بالتزام الحق الذي أقر به وحق الدين على كل واحد منهما لصاحبه ففي تخصيصه نفسه دليل على أنه مراده من ذلك .
وإن قال لفلان على عبدي هذا حق ثم قال عنيت به الدين فالقول قوله لأن كلمة على للالتزام في الذمة فإنه مشتق من العلو ومعناه علاه ما أقر نفيا للوجوب في ذمته حتى صار مطلقا فإنه أن ادعى المقر له الشركة في الرقبة لم يصدق إلا بحجة لأنه ليس في لفظ المقر ما يوجب ذلك .
( ولو قال له في رقبة عبدي هذا العتق أو قال في عبدي فهذا تنصيص على الإقرار بما يوجب الشركة في الرقبة والقول في مقدارها قول المقر وإن قال لفلان حق في عبدي هذا أو في أمتي هذه فادعى الطالب حقه في الأمة فإن المقر يحلف عليه ) لأن المدعي غير ما أقربه فإنه أقر بحقه في غير معين وهو إنما ادعاه في معين فيصير ذلك الإقرار فيما سوى المحل الذي عينه ومدعيا في ذلك المحل فالقول قول المنكر مع يمينه وإذا حلف لم يكن له في واحد منهما شيء لأنه خرج عن موجب إقراره بما تضمن دعواه من رد إقراره الحق في العبد وإن ادعى فيهما يجبر المقر على أن يقر في أيهما شاء بطائفة منه لأنه صدقه فيما أقر به وادعى زيادة عليه والاستحقاق بحكم إقراره يتم بتصديقه فالقول في مقداره قول المقر وإن حلف عليهما جميعا فباليمين الكاذبة لا يبطل استحقاقه في مقدار ماتناوله إقراره فيجبر على بيان ذلك ويحلف على دعوى الطالب إن ادعي زيادة على ذلك .
وإن أقر بحائط لرجل وقال عنيت البناء دون الارض لم يصدق ويقضي عليه بالحائط بأرضه لأن الحائط اسم للمبنى ولا يتصور ذلك إلا بالأرض فأما غير المبنى يكون آجرا وخشبا ولبنا ووتدا وهو لا يكون حائطا فكان في إقراره ما يدل على استحقاق الأرض والثابت بدلالة النص كالمنصوص عليه فكان بيانه هذا مغايرا لمقتضى كلامه وكذلك لو أقر باسطوانة في داره وإنما أراد به المبنى من الاسطوانة بالآجر وأنه لا يكون اسطوانة ما لم يكن مبنيا كالحائط فأما إذا كانت الاسطوانة من خشب فللمقر له الخشبة دون الأرض لأنه يسمى اسطوانة قبل البناء عليه كما يعده فليس في لفظ المقر ما يدل على استحقاق موضعه من الأرض فإن كان يستطاع رفعها بغير ضرر أخذها المقر له وإن كان لا يؤخذ إلا بضرر ضمن المقر قيمتها للطالب بمنزلة من غصب من آخر ساحة وبنى عليها فإن حق صاحب الساحة ينقطع عن الساحة ويقرر فيه ضمان القيمة دفعا للضرر عن صاحب البناء عندنا وهي مسألة معروفة .
( ولو أقر له بنخلة أو شجرة في بستانه فهي له بأصلها من الأرض ) لأن المقر به النخل والشجر وإنما يسمى بهذا الاسم إذا كان ثابتا في الأرض فأما إذا لم تكن ثابتة فتسمى خشبة فكان في لفظه ما يدل على دخول موضعها من الأرض ولا خلاف في هذا في إقراره وإنما الخلاف في البيع إذا باع نخلة أو شجرة : فعلى قول أبي يوسف - C تعالى - أنه باعها بأصلها فله موضعها من الأرض وإن باعها ليقطعها المشتري فليس له موضعها من الأرض وإن باعها مطلقا له موضعها من الأرض .
وروى هشام عن محمد - رحمهما الله - أنه إذا باعها مطلقا فله موضع أصلها من الأرض وله الموضع الذي ينتهي إليه عروقها من الأرض فمحمد - C تعالى - سوى بين البيع والإقرار وقال الإيجاب من البائع كان في النخلة والشجرة ولا تكون نخلة وشجرة إلا وهي ثابتة .
وأبو يوسف - C تعالى - يفرق بينهما فيقول البيع تمليك مبتدأ فلا يتناوله إلا ما وقع التنصيص عليه والتنصيص إنما وقع على النابت دون موضعه الذي نبت عليه وموضعه الذي نبت عليه ليس مانعا اللنابت فلا يستحقه المشتري باستحقاقه النابتة وبالبيع لا يستحق المشتري استدامته على حاله بخلاف الإقرار فإنه إخبار عن ملك سابق للمقر له وفيه إشارة إلى استدامته ولايكون ذلك إلا بموضعها من الأرض فاستحق موضعها من الأرض بدلالة كلامه والمدلول عليه في الإقرار كالمنصوص عليه .
( ولو أقر بثمرة في نخل لم تكن النخلة له ) لأن اسم الثمرة لا يختص بحال الاتصال بالنخل بخلاف اسم الحائط والنخلة ولأن اتصال الثمار بالنخل ليس بأصل بل هو للإدراك حتى تجد بعد الإدراك ويفسد إذا ترك ولهذا لايدخل في بيع النخل من غير ذلك فكذلك لا يدخل في الإقرار بالثمرة أما اتصال البناء بالأرض والنخل بالأرض فللقرار ولهذا دخلا في بيع الأرض من غير ذكر فكذلك الإقرار بهما يتضمن الإقرار بموضعهما من الأرض .
ولو أقر له بكرم في أرض كان له الكرم بأرضه كلها لأن اسم الكرم يجمع الشجر والأرض عادة ومطلق اللفظ في الإقرار ينصرف إلى المعتاد وما ثبت بدلالة النص عادة فهو كالمنصوص عليه .
وكذلك لو أقر له بالبستان كان له الشجر والأرض والنخل لأن اسم البستان عند الإطلاق يجمع الكل فأصل الاسم للأرض والأشجار والنخيل فيه بمنزلة الوصف فيكون الاسم جامعا للكل .
( ولو أقر أن هذا الخيل لفلان فأراد المقر له أن يأخذ الأرض كلها لم يكن له ذلك وإنما له النخل بأصوله من الأرض ولا يستحق الطريق ولا ما بين النخيل من الأرض ) لأن النخيل اسم للشجر ولكن لا يسمى نخلا إلا وهو ثابت فأما بعد القلع فيسمى جذوعا فدخول موضعه من الأرض لضرورة التنصيص على اسم النخل في إقراره وهو لا يعد وموضع أصولها من الأرض فلا يستحق شيئا من ذلك وكذلك ليس في لفظه ما يدل على استحقاق الطريق ولا يدخل الطريق في البيع من غير ذكر فكذلك الإقرار .
والحاصل أنه بنى هذه المسائل على معنى كلام الناس وما يطلقونه في عباراتهم في كل موضع .
( ولو أقر له بأصول عشرة من هذا الكرم معروفة كان له تلك العشرة بأصولها ولا يكون له ما بين الشجر من الأرض والكرم في هذا الموضع كالنخل ) لأنه ما أقر له بالكرم وإنما أقر له باشجار معروفة منها فتدخل أصولها لدلالة لفظه ولا يدخل ما سوى ذلك من الأرض .
( ولو قال بناء هذه الدار لفلان كان له البناء دون الأرض ) لأنه نص في لفظه على البناء والأرض ليست من البناء في شيء بخلاف الحائط فإنه إسم للبناء في موضع من الأرض وفرق بين البناء والنخل فقال النخل يخرج من الأرض والبناء لا يخرج من الأرض ومعنى هذا الكلام أن اسم البناء يثبت بفعل العبد وذلك فيما ارتفع من وجه الأرض لا في الأرض فلا يستحق شيئا من الأرض بذكر البناء فأما اسم النخل فلا يحدث بفعل العباد بل بالنبات من الأرض ولا يسمى نخلا إلا وهو نابت فلهذا استحق بتسمية النخل موضعه من الأرض وكذلك لو قال له بناء هذا الحائط لم يستحق الأرض لما قلنا .
وإذا أقر له بجزء من داره يصح وبيان المقدار إلى المقر لأن لفظ إقراره يحتمل الكثير والقليل فالجزء من الجزأين يكون نصفا ومن عشرة أجزاء يكون عشرا فكان بيانه مقررا لما أقر به لا مغيرا فصح موصولا كان أو مفصولا .
وكذلك النصف والنصيب والحق والطائفة البيان في ذلك كله إلى المقر ويقبل بيانه في القليل والكثير لأنه من محتملات كلامه وليس فيه تغيير للفظ عن ظاهره فكان بمنزلة كنايات الطلاق إذا نوى الزوج بها شيئا انصرف إليه ولو أقر له بسهم في داره فكذلك الجواب عندهما وعند أبي حنيفة - C تعالى - له السدس وأصل المسألة في الوصايا وهو ما إذا أوصى بسهم من ماله عند أبي حنيفة - C ينصرف السهم إلى السدس أخذا بقول ابن مسعود - Bه واحتج بقول إياس بن معاوية - Bه - وجماعة من أهل اللغة رحمهم الله أن السهم هو السدس .
وعندهما السهم يتناول القليل والكثير فإن سهما من سهمين يكون النصف ومن عشرة يكون العشر فهو والجزء والنصيب سواء وإذا أقر لرجل بنقض الحائط فله البناء دون الأرض لأن النقض اسم لما يبنى به الحائط من لبن وآجر وخشب فليس في لفظه ما يدل على استحقاق موضعه من الارض وكذلك لو أقر بجذع هذه النخلة فله الجذع دون الأرض والله أعلم