قال - C ( رجل ادعى عبدا في يد رجل ولم يكن له بينة وطلب يمينه فنكل المدعى عليه عن اليمين فإنه يقضى بالعبد للمدعى ) وقد بينا هذا في كتاب الدعوى .
( قال ) ( وهذا بمنزلة الإقرار وهو بناء على قولهما فإن النكول عندهما يدل على الإقرار ) لأن أصل حق المدعى عليه في الجواب وحقه في الجواب هو الإقرار ليتوصل إلى حقه .
( ألا ترى ) أن القاضي يقول له ماذا تقول ولا يقول ماذا تفعل فإذا منعه ذلك الجواب فإنكاره حق إلى الشرع وحقه اليمين فإذا نكل يعاد إليه أصل حقه وهو والإقرار سواء عند أبى حنيفة - C تعالى - بمنزلة البدل لأن به يتوصل المدعى إلى حقه مع بقاء المدعى عليه محقا في إنكاره فلا يجوز أن يجعله مبطلا في إنكاره من غير حجة وضرورة وقد بينا هذا الخلاف في مسألة الاستحلاف في النكاح ونظائره .
فإن أقر بعد ذلك أن العبد كان لآخر لم يصح إقراره لأنه صادف ملك الغير ولا ضمان عليه في ذلك لأنه ما أتلف شيئا ولكنه تحرز عن اليمين ودفع إلى الأول بأمر القاضى وقضاؤه لا يضمن للثاني شيئا .
وإن أقر قبل أن يستحلف أن العبد لفلان الغائب لم تندفع عنه الخصومة بهذه المقالة ما لم يقم البينة وهي المسألة المخمسة التى ذكرناها في كتاب الدعوى فإن استحلف المدعى عليه فأبى أن يحلف دفعه إلى المدعي .
فإن جاء المقر له الأول كان أن يأخذه من المقضى له لأنه أقر له بالملك قبل نكوله للمدعى دون اتصال تصديقه بذلك الإقرار فكان له أن يأخذه كمن أقر بعين لغائب ثم أقر بها لحاضر وسلمه إياه ثم رجع الغائب فصدقه كان هو أولى بها ثم المدعى على حجته مع المقر له فإن أقام البينة وإلا استحلفه على دعواه .
ولو ادعى غصب العبد على ذي اليد فاستحلف فنكل فقضي له به ثم جاء مدع آخر به على الغاصب الذي كان العبد في يده وطلب منه فإنه يستحلف له أيضا لأنه بدعوى الغصب عليه يدعي ضمان القيمة في ذمته ولو اقر به لزمه فإذا أنكر استحلف له بخلاف ما إذا ادعي عليه ملكا مطلقا لأن دعوى الملك المطلق العين فلا تصح إلا على من في يده والعين ليست في المقضي عليه .
فأما دعوى الغصب فدعوى الفعل الموجب للضمان وهو صحيح سواء كان العبد في يده أو لم يكن وكذلك هذا في الوديعة والعارية لأنه يدعي عليه فعلا موجبا للضمان فإن المودع والمستعير بالتسلم يصير ضامنا إلى رد الملك وجميع أصناف الملك في هذا سواء ما خلا العقار فإنه لا يضمن شيئا للثاني في قول أبى حنيفة - C وفي قول أبى يوسف - C - الآخر ولا يمين له عليه .
وفي قوله الأول وهو قول محمد - C - يتوجه عليه اليمين ويصير ضامنا إذا لم يخلف وهذا بناء على مسألة غصب العقار وهي معروفة .
( رجل مات وترك ابنا وفي يده عبده فادعى رجل أنه استودع العبد أباه فإن الابن يستحلف له على علمه ) لأنه قام مقام المورث فجحوده الوديعة كجحود المورث ولو أقر به أمر بالتسلم إليه فإذا أنكر يستحلف عليه غير أن هذا اسحتلاف على فعل الغير فيكون على العلم فإن أبى أن يحلف دفع العبد إليه لأنه بالنكولا صار باذلا أو مقرا .
فإن ادعى آخر مثل ذلك لم يستحلف له الابن لأنه لو أقر للثانى لم يلزمه شيء فكيف يستحلف عند جحوده إنما لا يصير ضامنا شيئا لان الوديعة لم يباشرها هو حتى يكون ملتزما حفظها بعقده ثم بالنكول لا يكون تاركا للحفظ بل هو رجل امتنع من اليمين القاضي بتسليم ما في يده عند ذلك فلا يصير ضامنا شيئا بخلاف ما إذا كان يدعي عليه إنه أودعه إياه فان هناك لو أقر به لزمه الضمان بسبب ترك الحفظ الذي التزمه بالعقد حين أقر .
وعند أبي حنيفة أنه يحلف للأول وهذا يكون على قول محمد C أيضا فإنه يصير ضامنا للثاني .
فاما عند أبى يوسف - C - فلا يصير ضامنا للثاني وإن كان يدعي عليه الإيداع إذا كان الدفع حصل بقضاء القاضي ولا يمين عليه وكذلك ما ادعى على الأب من غصب أو عارية فلا ضمان للثاني على الإبن لما بينا وتأويل هذا لم يكن في يد الابن شيء من التركة سوى ما قضي به للأول فإن كان في يده شيء استحلف للثاني وإذا أبى اليمين صار مقرا بالدين على ابيه للثاني في الغصب بلا شبهة وفي الوديعة والعارية بموته مجهلا وصار متملكا غاصبا فيؤمر بقضاء الدين من التركة .
( قال ) ( والرجل والمرأة والعبد والتاجر والمكاتب والصبي المأذون في ذلك سواء وفي هذا بيان أن الصبي المأذون يستحلف في الدعوى ) لأن هذه اليمين حق المدعي وفي حقوق العباد الصبي المأذون كالبالغ وهذا الا يستحلف لرجاء النكول الذي هو قائم مقام الإقرار فكل من كان إقراره صحيحا يستحلف إذا جاء نكوله وعند أبي حنيفة النكول بمنزلة البذل والبذل المقيد صحيح من المملوك والصبي .
فإن أبى أن يحلف ثم قال قبل قضاء القاضي أنا أحلف يقبل ذلك منه لأن النكول في نفسه محتمل فقد يكون للتورع عن اليمين الكاذبة وقد يكون للترفع عن اليمين الصادقة فلا يوجب به ما لم يقض شيئا القاضي ويصح الرجوع عنه قبل القضاء كالشهادة فأما بعد القضاء عليه إذا قال أحلف لا يقبل ذلك منه لأن الحق قد لزمه بالقضاء وتعين حقه بالإقرار في نكوله بالقضاء فلا رجوع بعد ذلك منه وإذا استمهل القاضي ثلاثة أيام أو أقل فلا بأس أن يمهله .
وأن طلب النظرة وهو محتاج إلى التأمل في حسابه ومعاملته مع المدعي فينبغى أن يمهله .
وإن فعل وأمضى عليه الحكم جاز لأن سبب القضاء وهو امتناعه عن اليمين قد تقرر وقضاء القاضى بعد تقرر الموجب نافذ والله أعلم بالصواب