وقد ذكر جمهور الأئمة أن وصف الرحمان لم يطلق في كلام العرب قبل الإسلام وأن القرآن هو الذي جاء به صفة لله تعالى فلذلك اختص به تعالى فلذلك اختص به تعالى حتى قيل إنه اسم له وليس بصفة واستدلوا على ذلك بقوله تعالى ( وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمان ) وقال ( وهم يكفرون بالرحمن ) وقد تكرر مثل هاتين الآيتين في القرآن وخاصة في السور المكية مثل سورة الفرقان وسورة الملك . وقد ذكر الرحمان في سورة الملك باسمه الظاهر وضميره ثماني مرات مما يفيد الاهتمام بتقرير هذا الاسم لله تعالى في نفوس السامعين فالظاهر أن هذا الوصف تنوسي في كلامهم . أو أنكروا أن يكون من أسماء الله .
ومن دقائق القرآن أنه آثر اسم الرحمان في قوله ( ما يمسكهن إلا الرحمان ) في سورة الملك وقال ( ما يمسكهن إلا الله ) في سورة النحل إذ كانت آية سورة الملك مكية وآية سورة النحل القدر النازل بالمدينة من تلك السورة وأما قول بعض شعراء بني حنيفة في مسيلمة : .
سموت بالمجد يا ابن الأكرمين أبا ... وأنت غيث الورى لا زلت رحمانا فإنما قاله بعد مجيء الإسلام وفي أيام ردة أهل اليمامة وقد لقبوا مسيلمة أيامئذ رحمان اليمامة وذلك من غلوهم في الكفر . وإجراء هذين الوصفين العليين على اسم الجلالة بعد وصفه بأنه رب العالمين لمناسبة ظاهرة للبليغ لأنه بعد أن وصف بما هو مقتضى استحقاقه الحمد من كونه رب العالمين أي مدبر شؤونهم ومبلغهم إلى كمالهم في الوجودين الجثماني والروحاني ناسب أن يتبع ذلك بوصفه بالرحمان أي الذي الرحمة له وصف ذاتي تصدر عنه آثاره بعموم واطراد على ما تقدم فلما كان ربا للعالمين وكان المربوبون ضعفاء كان احتياجهم للرحمة واضحا وكان ترقبهم إياها من الموصوف بها بالذات ناجحا . فإن قلت إن الربوبية تقتضي الرحمة لأنها إبلاغ الشيء إلى كماله شيئا فشيئا وذلك يجمع النعم كلها فلماذا احتيج إلى ذكر كونه رحمانا ؟ قلت لأن الرحمة تتضمن أن ذلك الإبلاغ إلى الكمال لم يكن على وجه الإعنات بل كان برعاية ما يناسب كل نوع وفرد ويلائم طوقه واستعداده فكانت الربوبية نعمة والنعمة قد تحصل بضرب من الشدة والأذى فأتبع ذلك بوصفه بالرحمان تنبيها على أن تلك النعم الجليلة وصلت إلينا بطريق الرفق واليسر ونفي الحرج حتى في أحكام التكاليف والمناهي والزواجر فإنها مرفوقة باليسر بقدر ما لا يبطل المقصود منها فمعظم تدبيره تعالى بنا هو رحمات ظاهرة كالتمكين من الأرض وتيسير منافعها ومنه ما رحمته بمراعاة اليسر بقدر الإمكان مثل التكاليف الراجعة إلى منافعنا كالطهارة وبث مكارم الأخلاق ومنها ما منفعته للجمهور فتتبعها رحمات الجميع لأن في رحمة الجمهور رحمة بالبقية في انتظام الأحوال كالزكاة . وقد اختلف في أن لفظ رحمان لو لم يقرن بلام التعريف هل يصرف أو يمنع من الصرف ؟ قال في الكافية " النون والألف إذا كانا في صفة فشرط منعه من الصرف انتفاء فعلانة وقيل وجود فعلي ومن ثم اختلف في رحمان وبنو أسد يصرفون جميع فعلان لأنهم يقولون في كل مؤنث له فعلانة " واختار الزمخشري والرضي وابن مالك عدم صرفه .
( ملك يوم الدين [ 4 ] ) A E