ويطلق العصر على الصلاة الموقتة بوقت العصر . وهي صلاة معظمة . قيل : هي المراد بالوسطى في قوله تعالى ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى ) . وجاء في الحديث " من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله " . وورد في الحديث الصحيح " ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة " فذكر " ورجل حلف يمينا فاجرة بعد العصر على سلعة لقد أعطي بها ما لم يعط " وتعريفه على هذا تعريف العهد وصار علما بالغلبة كما هو شأن كثير من أسماء الأجناس المعرفة باللام مثل العقبة .
ويطلق العصر على مدة معلومة لوجود جيل من الناس أو ملك أو نبي أو دين ويعين بالإضافة فيقال : عصر الفطحل وعصر إبراهيم وعصر الإسكندر وعصر الجاهلية فيجوز أن يكون مراد هذا الإطلاق هنا ويكون المعني به عصر النبي A والتعريف فيه تعريف العهد الحضوري مثل العريف في ( اليوم ) من قولك : فعلت اليوم كذا فالقسم به كالقسم بحياته في قوله تعالى ( لعمرك ) . قال الفخر : فهو تعالى أقسم بزمانه في هذه الآية وبمكانه في قوله تعالى ( وأنت حل بهذا البلد ) وبعمره في قوله ( لعمرك ) . اه .
A E ويجوز أن يراد عصر الإسلام كله وهو خاتمة عصور الأديان لهذا العالم وقد مثل النبي A عصر الأمة الإسلامية بالنسبة إلى عصر اليهود وعصر النصارى بما بعد صلاة العصر إلى غروب الشمس بقوله " مثل المسلمين واليهود والنصارى كمثل رجل استأجر أجراء يعملون له إلى الليل فعملت اليهود إلى نصف النهار ثم قالوا لا حاجة لنا إلى أجرك وما عملنا باطل واستأجر آخرين بعدهم فقال : أكملوا بقية يومكم ولكم الذي شرطت لهم فعملوا حتى إذا كان حين صلاة العصر قالوا : لك ما عملنا باطل ولك الأجر الذي جعلت لنا واستأجر قوما أن يعملوا بقية يومهم فعملوا حتى غابت الشمس واستكملوا أجر الفريقين كليهما فأنتم هم " . فلعل ذلك التمثيل النبوي له اتصال بالرمز إلى عصر الإسلام في هذه الآية .
ويجوز أن يفسر العصر في هذه الآية بالزمان كله فقال ابن عطية : قال أبي بن كعب : سألت رسول الله A عن العصر فقال : أقسم ربكم بآخر النهار . وهذه المعاني لا يفي باحتمالها غير لفظ العصر .
ومناسبة القسم بالعصر لغرض السورة على إرادة عصر الإسلام ظاهرة فإنها بينت حال الناس في عصر الإسلام بين من كفر به ومن آمن واستوفى حظه من الأعمال التي جاء بها الإسلام ويعرف منه حال من أسلموا وكان في أعمالهم تقصير متفاوت أما أحوال الأمم التي كانت قبل الإسلام فكانت مختلفة بحسب مجيء الرسل إلى بعض الأمم وبقاء بعض الأمم بدون شرائع متمسكة بغير دين الإسلام من الشرك أو بدين جاء الإسلام بنسخه مثل اليهودية والنصرانية قال تعالى ( ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين ) في سورة آل عمران .
وتعريف ( الإنسان ) تعريف الجنس مراد به الاستغراق وهو استغراق عرفي لأنه يستغرق أفراد النوع الإنساني الموجودين في زمن نزول الآية وهو زمن ظهور الإسلام كما علمت قريبا . ومخصوص بالناس الذين بلغتهم الدعوة في بلاد العالم على تفاوتها . ولما استثني منه الذين آمنوا وعملوا الصالحات بقي حكمه متحققا في غير المؤمنين كما سيأتي... .
والخسر : مصدر وهو ضد الربح في التجارة استعير هنا لسوء العاقبة لمن يظن لنفسه عاقبة حسنة وتلك هي العاقبة الدائمة وهي عاقبة الإنسان في آخرته من نعيم أو عذاب .
وقد تقدم في قوله تعالى ( فما ربحت تجارتهم ) في سورة البقرة وتكررت نظائره في القرآن آنفا وبعيدا .
والظرفية في قوله ( لفي خسر ) مجازية شبهت ملازمة الخسر بإحاطة الظرف بالمظروف فكانت أبلغ من أن يقال : إن الإنسان لخاسر .
ومجيء هذا الخبر على العموم مع تأكيده بالقسم وحرف التوكيد في جوابه يفيد التهويل والإنذار بالحالة المحيطة بمعظم الناس .
وأعقب الاستثناء بقوله ( إلا الذين آمنوا ) الآية فيتقرر الحكم تماما في نفس السامع مبينا أن الناس فريقان : فريق يلحقه الخسران وفريق لا يلحقه شيء منه فالذين آمنوا وعملوا الصالحات لا يلحقهم الخسران بحال إذا لم يتركوا شيئا من الصالحات بارتكاب أضدادها وهي السيئات