سماها المفسرون وكتاب المصاحف ( سورة الانشقاق ) باعتبار المعنى كما سميت السورة السابقة ( سورة التطفيف ) و ( سورة انشقت ) اختصارا .
وذكرها الجعبري في نظمه في تعداد المكي والمدني بلفظ ( كدح ) فيحتمل أنه عنى أنه اسم للسورة ولم أقف على ذلك لغيره .
ولم يذكرها في الإتقان مع السور ذوات الأكثر من اسم .
وهي مكية بالاتفاق .
وقد عدت الثالثة والثمانين في تعداد نزول السور نزلت بعد سورة الانفطار وقبل سورة الروم .
وعد آيها خمسا وعشرين أهل العدد بالمدينة ومكة والكوفة وعدها أهل البصرة والشام ثلاثا وعشرين .
أغراضها ابتدئت بوصف أشراط الساعة وحلول يوم البعث واختلاف أحوال الخلق يومئذ بين أهل نعيم وأهل شقاء .
( إذا السماء انشقت [ 1 ] وأذنت لربها وحقت [ 2 ] وإذا الأرض مدت [ 3 ] وألقت ما فيها وتخلت [ 4 ] وأذنت لربها وحقت [ 5 ] يا أيها الإنسن إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه [ 6 ] ) قدم الظرف ( إذا السماء انشقت ) على عامله وهو ( كادح ) للتهويل والتشويق إلى الخبر وأول الكلام في الاعتبار : يا أيها الإنسان إنك كادح إذا السماء انشقت الخ .
ولكن ما تعلق ( إذا ) بجزء من جملة ( إنك كادح ) وكانت ( إذا ) ظرفا متضمنا معنى الشرط صار : يأيها الإنسان إنك كادح جوابا لشرط ( إذا ) ولذلك يقولون ( إذا ) ظرف خافض لشرطه منصوب بجوابه أي خافض لجملة شرطه بإضافته إليها منصوبا بجوابه لتعلقه به فكلاهما عامل ومعمول باختلاف الاعتبار .
و ( إذا ) ظرف للزمان المستقبل والفعل الذي في الجملة المضافة إليه ( إذا ) مؤول بالمستقبل وصيغ بالمضي للتنبيه على تحقق وقوعه لأن أصل ( إذا ) القطع بوقوع الشرط .
وانشقت مطاوع شقها أي حين يشق السماء شاق فتنشق أي يريد الله شقها فانشقت كما دل عليه قوله بعده ( وأذنت لربها ) .
A E والانشقاق : هذا هو الانفطار الذي تقدم في قوله ( إذا السماء انفطرت ) وهو انشقاق يلوح للناس في جو السماء من جراء اختلال تركيب الكرة الهوائية أو من ظهور أجرام كوكبية تخرج عن دوائرها المعتادة في الجو الأعلى فتنشق القبة الهوائية فهو انشقاق يقع عند اختلال نظام هذا العالم .
وقدم المسند إليه على المسند الفعلي في قوله ( إذا السماء انشقت ) دون أن يقال : إذا انشقت السماء لإفادة تقوي الحكم وهو التعليق الشرطي أي إن هذا الشرط محقق الوقوع زيادة على ما يقتضيه ( إذا ) في الشرطية من قصد الجزم بحصول الشرط بخلاف ( إن ) .
و ( أذنت ) أي استمعت وفعل أذن مشتق من اسم جامد وهو اسم الأذن بضم الهمزة آلة السمع في الإنسان يقال أذن له كما يقال : استمع له أي أصغى إليه أذنه .
وهو هنا مجاز مرسل في التأثر لأمر الله التكويني بأن تنشق . وليس هو باستعارة تبعية ولا تمثيلية .
والتعبير ب ( ربها ) دون ذلك من أسماء الله وطرق تعريفه لما يؤذن به وصف الرب من الملك والتدبير .
وجملة ( وحقت ) معترضة بين المعطوفة والمعطوف عليها .
والمعنى : وهي محقوقة بأن تأذن لربها لأنها لا تخرج عن سلطان قدرته وإن عظم سمكها واشتد خلقها وطال زمان رتقها فما ذلك كله إلا من تقدير الله لها فهو الذي إذا شاء أزالها .
فمتعلق ( حقت ) محذوف دل عليه فعل ( وأذنت لربها ) أي وحقت بذلك الانقياد والتأثر يقال : حق فلان بكذا أي توجه عليه حق . ولما كان فاعل توجيه الحق غير واضح تعيينه غالبا كان فعل حق بكذا مبنيا للمجهول في الاستعمال ومرفوعه بمعنى اسم المفعول فيقال : حقيق عليه كذا كقوله تعالى ( حقيق علي أن ل أقول على الله إلا الحق ) وهو محقوق بكذا قال الأعشى : .
لمحقوقه أن تستجيبي لصوته ... وأن تعلمي أن المعان موفق والقول في جملة ( وإذا الأرض مدت ) مثل القول في جملة ( إذا السماء انشقت ) في تقديم المسند إليه على المسند الفعلي .
ومد الأرض : بسطها وظاهر هذا أنها يزال ما عليها من جبال كما يمد الأديم فتزول انثناءاته كما قال تعالى ( ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا ثم يذرها قاعا صفصفا لا ترى فيها عوجا ولا أمتى ) .
ومن معاني المد أن يكون ناشئا عن اتساع مساحة ظاهرها بتشققها بالزلزال وبروز أجزاء من باطنها إلى سطحها