وكانت الجمل التي جعلت شروطا ل ( إذا ) في هذه الآية مفتتحة بالمسند إليه المخبر عنه بمسند فعلي دون كونها جملا فعلية ودون تقدير أفعال محذوفة تفسرها الأفعال المذكورة وذلك يؤيد نحاة الكوفة بجواز وقوع شرط ( إذا ) جملة غير فعلية وهو الراجع لأن ( إذا ) غير عريقة في الشرط . وهذا الأسلوب لقصد الاهتمام بذكر ما أسندت إليه الأفعال التي يغلب أن تكون شروط ل ( إذا ) لأن الابتداء بها أدخل في التهويل والتشويق وليفيد ذلك التقديم على المسند الفعلي تقوي الحكم وتأكيده في جميع تلك الجمل ردا على إنكار منكريه فلذلك قيل ( إذا الشمس كورت ) ولم يقل : إذا كورت الشمس وهكذا نظائره .
وجواب الشروط الاثني عشر هو قوله ( علمت نفس ما أحضرت ) وتتعلق به الظروف المشربة معنى الشرط .
وصيغة الماضي في الجمل الثنتي عشرة الواردة شروطا ل ( إذا ) مستعملة في معنى الاستقبال تنبيها على تحقق وقوع الشرط .
وتكوير الشمس : فساد جرمها لتداخل ظاهرها في باطنها بحيث يختل تركيبها فيختل لاختلاله نظام سيرها ومن قولهم : كور العمامة إذا أدخل بعضها في بعض ولفها وقريب من هذا الإطلاق إطلاق الطي في قوله تعالى ( يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب ) .
وفسر ( كورت ) بمعنى غورت . رواه الطبري عن ابن جبير وقال : هي كلمة معربة عن الفارسية وأن أصلها بالفارسية كور بكر " بضم الكاف الأولى وسكون الراء الأخيرة " وعلى ذلك عدت هذه الكلمة مما وقع في القرآن من المعرب . وقد عدها ابن السبكي في نظمه الكلمات المعربة في القرآن .
وإذا زال ضوء الشمس انكدرت النجوم لأن معظمها يستنير من انعكاس نور الشمس عليها .
والانكدار : مطاوع كدره المضاعف على غير قياس أي حصل للنجوم انكدار من تكدير الشمس لها حين زال عنها انعكاس نورها فلذلك ذكر مطاوع كدر دون ذكر فاعل التكدير .
والكدرة : ضد الصفاء كتغير لون الماء ونحوه .
وفسر الانكدار بالتساقط والانقضاض وأنشد قول العجاج يصف بازيا : .
" ابصر خربان فضاء فانكدر ومعنى تساقطها تساقط بعضها على بعض واصطدامها بسبب اختلال نظام الجاذبية الذي جعل الله لإمساكها إلى أمد معلوم .
وتسيير الجبال انتقالها من أماكنها بارتجاج الأرض وزلزالها . وتقدم في سورة النبأ .
والعشار جمع عشراء وهي الناقة الحامل إذ بلغت عشرة أشهر لحملها فقاربت أن تضع حملها لأن النوق تحمل عاما كاملا والعشار أنفس مكاسب العرب ومعنى ( عطلت ) تركت لا ينتفع بها .
والكلام كناية عن ترك الناس أعمالهم لشدة الهول .
وعلى هذا الوجه يكون ذلك من أشراط الساعة في الأرض فيناسب ( وإذا الوحوش حشرت ) .
ويجوز أن تكون العشار مستعارة للأسحبة المحملة بالمطر شبهت بالناقة العشراء . وهذا غير بعيد من الاستعمال فهم يطلقون مثل هذه الاستعارة للسحاب . كما أطلقوا على السحابة اسم بكر في قول عنترة : .
جادت عليه كل بمكر حرة ... فتركن كل قرارة كالدرهم فأطلق على السحابة الكثيرة الماء اسم البكر الحرة أي الأصيلة من النوق وهي في حملها الأول .
ومعنى تعطيل الأسحبة أن يعرض لها ما يحبس مطرها عن النزول أو معناه أن الأسحبة الثقال لا تتجمع ولا تحمل ماء فمعنى تعطيلها تكونها فيتوالى القحط على الأرض فيهلك الناس والأنعام . وعلى هذا الوجه فذلك من أشراط الساعة العلوية فيناسب تكوير الشمس وانكدار النجوم .
والوحوش : جمع وحش وهو الحيوان البري غير المتأنس بالناس . وحشرها : جمعها في مكان واحد أي مكان من الأرض عند اقتراب فناء العالم فقد يكون سبب حشرها طوفانا يغمر الأرض من فيضان البحار فكلما غمر جزءا من الأرض فرت وحوشه حتى تجتمع في مكان واحد طالبة النجاة من الهلاك ويشعر بهذا عطف ( وإذا البحار سجرت ) عليه .
A E وذكر هذا بالنسبة إلى الوحوش إيماء إلى شدة الهول فالوحوش التي من طبعها نفرة بعضها عن بعض تتجمع في مكان واحد لا يعدو شيء منها على الآخر من شدة الرعب فهي ذاهلة عما في طبعها من الاعتداء والافتراس وليس هذا الحشر الذي يحشر الناس به للحساب بل هذا حشر في الدنيا وهو المناسب لما عد معه من الأشراط وروي معناه عن أبي بن كعب