وإن كانت السابحات خيل الغزاة فالمراد بالتدبير : تدبير مكائد الحرب من كر وفر وغارة وقتل وأسير ولحاق للفارين أو ثبات بالمكان . وإسناد التدبير إلى السابحات على هذا الوجه مجاز عقلي لأن التدبير للفرسان وإنما الخيل وسائل لتنفيذ التدبير كما قال تعالى ( وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ) فأسند الإيتان إلى ضمير ( كل ضامر ) من الإبل لأن إتيان الحجيج من الفجاح العميقة يكون بسير الإبل .
وفي هذا المجاز إيماء إلى حذق الخيل وسرعة فهمها مقاصد فرسانها حتى كأنها هي المدبرة لما دبره فرسانها .
والأمر : الشأن والغرض المهم وتنوينه للتعظيم وإفراده لإرادة الجنس أي أمورا .
وينتظم من مجموع صفات ( النازعات والناشطات والسابحات ) إذا فهم منها جماعات الرماة والجمالة والفرسان أن يكون إشارة إلى أصناف المقاتلين من مشاة وهم الرماة بالقسي وفرسان على الخيل وكانت الرماة تمشي قدام الفرسان تنضح عنهم بالنبال حتى يبلغوا إلى مكان الملحمة . قال أنيف بن زبان الطائي : .
وتحت نحور الخيل حرشف رجله ... تتاح لغرات القلوب نبالها ولتحمل الآية لهذه الاحتمالات كانت تعريضا بتهديد المشركين بحرب تشن عليهم وهي غزوة فتح مكة أو غزوة بدر مثل سورة والعاديات وأضرابها وهي من دلائل نبوءة محمد A إذ كانت هذه التهديدات صريحها وتعريضها في مدة مقامه A بمكة والمسلمون في ضعف فحصل من هذا القسم تعريض بعذاب في الدنيا .
وجملة ( يوم ترجف الراجفة ) إلى ( خاشعة ) جواب القسم وصريح الكلام موعظة . والمقصود منه لازمه وهو وقوع البعث لأن القلوب لا تكون إلا في أجسام . وقد علم أن المراد ب ( يوم ترجف الراجفة ) هو يوم القيامة لأنه قد عرف بمثل هذه الأحوال في آيات كثيرة مما سبق نزوله مثل قوله ( إذا رجت الأرض ) فكان في هذا الجواب تهويل ليوم البعث وفي طيه تحقيق وقوعه فحصل إيجاز في الكلام جامع بين الإنذار بوقوعه والتحذير مما يجري فيه .
و ( يوم ترجف الراجفة ) ظرف متعلق ب ( واجفة ) فآل إلى أن المقسم عليه المراد تحقيقه هو وقوع البعث بأسلوب أوقع في نفوس السامعين المنكرين من أسلوب التصريح بجواب القسم إذ دل على المقسم عليه بعض أحواله التي هي من أهواله فكان في جواب القسم إنذار .
ولم تقرن جملة الجواب بلام جواب القسم لبعد ما بين الجواب وبين القسم بطول جملة القسم فيظهر لي من استعمال البلغاء أنه إذا بعد ما بين القسم وبين الجواب لا يأتون بلام القسم في الجواب ومن ذلك قوله تعالى ( والسماء ذات البروج ) إلى ( قتل أصحاب الأخدود ) . ومثله كثير في القرآن فلا يؤتى بلام القسم في جوابه إلا إذا كان الجواب مواليا لجملة القسم نحو ( وتالله لأكيدن أصنامكم ) ( فوربك لنسألنهم أجمعين ) ولأن جواب القسم إذا كان جملة اسمية لم يكثر اقترانه بلام الجواب ولم أر التصريح بجوازه ولا بمنعه وإن كان صاحب المغني استظهر في مبحث لام الجواب في قوله تعالى ( ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من عند الله خير ) أن اللام لم جواب القسم محذوف وليست لام جواب ( لو ) بدليل كون الجملة اسمية والاسمية قليلة من جواب ( لو ) فلم ير جملة الجواب إذا كانت اسمية أن تقترن باللام . وجعل صاحب الكشاف تبعا للفراء وغيره جواب القسم محذوفا تقديره : لتبعثن .
وقدم الظرف على متعلقه لأن ذلك الظرف هو الأهم في جواب القسم لأنه المقصود إثبات وقوعه فتقديم الظرف للاهتمام به والعناية به فإنه لما أكد الكلام بالقسم شمل التأكيد متعلقات الخبر التي منها ذلك الظرف والتأكيد اهتمام ثم أكد ذلك الظرف في الأثناء بقوله ( يومئذ ) الذي هو يوم ترجف الراجفة فحصلت عناية عظيمة بهذا الخبر .
A E