وقيل ألفاف جمع لف بكسر اللام بوزن جذع أي كل جنة منها لف بكسر اللام ولم يأتوا بشاهد عليه . وذكر في الكشاف أن صاحب الإقليد ذكر بيتا أنشده الحسن بن علي الطوسي ولم يعزه إلى قائل . وفي الكشاف زعم ابن قتيبة : أنه لفاء ولف ثم ألفاف " أي أن ألفافا جمع الجمع " قال " وما أظنه واجدا له نظيرا " أي لا يجمع فعل جمعا على أفعال أي لا نظير له إذ لا يقال خضر وأخضار وحمر وأحمار . يريد أنه لا يخرج الكلام الفصيح على استعمال لم يثبت ورود نظيره في كلام العرب مع وجود تأويل له على وجه وارد .
فكان أظهر الوجوه أن ( ألفافا ) اسم جمع لا واحد له من لفظه .
وبهذا الاستدلال والامتنان ختمت الأدلة التي أقيمت لهم على انفراد الله تعالى بالإلهية وتضمنت الإيماء إلى إمكان البعث وما أدمج فيها من المنن عليهم عساهم أن يذكروا النعمة فيشعروا بواجب شكر المنعم ولا يستفظعوا إبطال الشركاء في الإلهية وينظروا فيما بلغهم عنه من الإخبار بالبعث والجزاء فيصرفوا عقولهم للنظر في دلائل تصديق ذلك .
وقد ابتدئت هذه الدلائل بدلائل خلق الأرض وحالتها وجالت بهم الذكرى على أهم ما على الأرض من الجماد والحيوان ثم ما في الأفق من أعراض الليل والنهار . ثم تصاعد بهم التجوال بالنظر في خلق السماوات وبخاصة الشمس ثم نزل بهم إلى دلائل السحاب والمطر فنزلوا معه إلى ما يخرج من الأرض من بدائع الصنائع ومنتهى المنافع فإذا هم ينظرون من حيث صدروا وذلك من رد العجز على الصدر .
( إن يوم الفصل كان ميقاتا [ 17 ] يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجا [ 18 ] ) هذا بيان لما أجمله قوله ( عن النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون ) وهو المقصود من سياق الفاتحة التي افتتحت بها السورة وهيأت للانتقال مناسبة ذكر الإخراج من قوله ( لنخرج به حبا ونباتا ) الخ لأن ذلك شبه بإخراج أجساد الناس للبعث كما قال تعالى ( فأنبتنا به جنات وحب الحصيد ) إلى قوله ( كذلك الخروج ) في سورة ق .
وهو استئناف بياني أعقب به قوله ( لنخرج به حبا ونباتا ) الآية فيما قصد به من الإيماء إلى دليل البعث .
وأكد الكلام بحرف التأكيد لأن فيه إبطالا لإنكار المشركين وتكذيبهم بيوم الفصل .
ويوم الفصل : يوم البعث للجزاء .
والفصل : التمييز بين الأشياء المختلطة وشاع إطلاقه على التمييز بين المعاني المتشابهة والملتبسة فلذلك أطلق على الحكم وقد يضاف إليه فيقال : فصل القضاء أي نوع من الفصل لأن القضاء يميز الحق من الظلم .
فالجزاء على الأعمال فصل بين الناس بعضهم من بعض .
وأوثر التعبير عنه بيوم الفصل لإثبات شيئين : A E أحدهما : أنه بين ثبوت ما جحدوه من البعث والجزاء وذلك فصل بين الصدق وكذبهم .
وثانيهما : القضاء بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اعتدى به بعضهم على بعض .
وإقحام فعل ( كان ) لإفادة أن توقيته متأصل في علم الله لما اقتضته حكمته تعالى التي هو أعلم بها وأن استعجالهم به لا يقدمه على ميقاته .
وتقدم ( يوم الفصل ) غير مرة أخراها في سورة المرسلات .
ووصف القرآن بالفصل يأتي في قوله تعالى ( إنه لقول فصل ) في سورة الطارق .
والميقات : مفعال مشتق من الوقت والوقت : الزمان المحدد في عمل ما ولذلك لا يستعمل لفظ وقت إلا مقيدا بإضافة أو نحوها نحو وقت الصلاة .
فالميقات جاء على زنة اسم الآلة وأريد به نفس الوقت المحدد به شيء مثل ميعاد وميلاد في الخروج عن كونه اسم آلة ألى جعله اسما لنفس ما أشتق منه . والسياق دل على متعلق ميقات أي كان ميقاتا للبعث والجزاء .
فكونه ( ميقاتا ) كناية تلويحية عن تحقيق وقوعه إذ التوقيت لا يكون إلا بزمن محقق الوقوع ولو تأخر وأبطأ .
وهذا رد لسؤالهم تعجيله وعن سبب تأخيره سؤالا يريدون منه الاستهزاء بخبره .
والمعنى : أن ليس تأخر وقوعه دالا على انتفاء حصوله .
والمعنى : ليس تكذيبكم به مما يحملنا على تغيير إبانه المحدد له ولكن الله مستدرجكم مدة .
وفي هذا إنذار لهم بأنه لا يدرى لعله يحصل قريبا قال تعالى ( لا تأتيكم إلا بغتة ) وقال ( قل عسى أن يكون قريبا ) .
و ( يوم ينفخ في الصور ) بدل من يوم الفصل .
وأضيف ( يوم ) إلى جملة ( ينفخ في الصور ) فانتصب ( يوم ) على الظرفية وفتحته فتحة إعراب لأنه أضيف إلى جملة أولها معرب وهو المضارع