وهذا معنى ( عذرا أو نذرا ) . فالعذر : الإعلام بقبول إيمان المؤمنين بعد الكفر وتوبة التائبين بعد الذنب .
والنذر : اسم مصدر أنذر إذا حذر .
A E و ( عذرا ) قرأه الجمهور بسكون الذال وقرأه روح عن يعقوب بضمها على الاتباع لحركة العين .
وقرأ نافع وابن كثير وابن عامر وأبو بكر عن عاصم وأبو جعفر ويعقوب ( نذرا ) بضم الذال وهو الغالب فيه .
وقرأه أبو عمرو وحمزة والكسائي وحفص عن عاصم وخلف بإسكان الذال على الوجهين المذكورين في ( عذرا ) وعلى كلتا القراءتين فهو اسم مصدر بمعنى الإنذار .
وانتصب ( عذرا أو نذرا ) على بدل الاشتمال من ( ذكرا ) . و ( أو ) في قوله ( أو نذرا ) للتقسيم .
وجملة ( إن ما توعدون لواقع ) جواب لقسم وزيدت تأكيدا بأن لتقوية تحقيق وقوع الجواب .
و ( إنما ) كلمتان هما ( إن ) التي هي حرف تأكيد و ( ما ) الموصولة وليست هي ( إنما ) التي هي أداة حصر والتي ( ما ) فيها زائدة . وقد كتبت هذه متصلة ( إن ) ب ( ما ) لأنهم لم يكونوا يفرقون في الرسم بين الحالتين والرسم اصطلاح ورسم المصحف سنة في المصاحف ونحن نكتبها مفصولة في التفسير وغيره .
و ( ما توعدون ) : هو البعث للجزاء وهم يعلمون الصلة فلذلك جيء في التعبير عنه بالموصولية .
والخطاب للمشركين أي ما توعدكم الله به من العقاب بعد البعث واقع لا محالة وإن شككتم فيه أو نفيتموه .
والواقع : الثابت : وأصل الوقع الساقط على الأرض فاستعير للشيء المحقق تشبيها بالمستقر .
( فإذا النجوم طمست [ 8 ] وإذا السماء فرجت [ 9 ] وإذا الجبال نسفت [ 10 ] وإذا الرسل أقتت [ 11 ] لأي يوم أجلت [ 12 ] ليوم الفصل [ 13 ] وما أدراك ما يوم الفصل [ 14 ] ) الفاء للتفريع على قوله ( إن ما توعدون لواقع ) لأنه لما أفاد وقوع البعث وكان المخاطبون ينكرونه ويتعللون بعدم التعجيل بوقوعه بين لهم ما يحصل قبله وزيادة في تهويله عليهم . والإنذار بأنه مؤخر إلى أن تحصل تلك الأحداث العظيمة وفيه كناية رمزية على تحقيق وقوعه لأن الأخبار عن أمارات حلول ما يوعدون ويستلزم التحذير من التهاون به ولذلك ختمت هذه الأخبار بقوله ( ويل يومئذ للمكذبين ) .
وكررت كلمة ( إذا ) في أوائل الجمل المعطوفة على هذه الجملة بعد حروف العطف مع إغناء حرف العطف عن إعادة ( إذا ) كما في قوله ( فإذا برق البصر وخسف القمر وجمع الشمس والقمر يقول الإنسان ) الآية ففادة الاهتمام بمضمون كل جملة من هذه الجمل ليكون مضمونها مستقلا في جعله علامة على وقوع ما يوعدون .
وطمس النجوم : زوال نورها وأن نور معظم ما يلوح للناس من النجوم سببه انعكاس أشعة الشمس عليها حين احتجاب ضوء الشمس على الجانب المظلم من الأرض فطمس النجوم يقتضي طمس نور الشمس أي زوال التهابها بأن تبرد حرارتها أو بأن تعلو سطحها طبقة رمادية بسبب انفجارات من داخلها أو تتصادم مع أجرام سماوية أخرى لاختلال نظام الجاذبية فتندك وتتكسر قطعا فيزول التهابها .
ومعنى ( فرجت ) تفرق ما كان ملتحما من هيكلها يقال : فرج الباب إذا فتحه . والفرجة : الفتحة في الجدار ونحوه . فإذا أريد بالسماء الجنس الصادق بجميع السماوات على طريقة العموم الحقيقي أو الصادق بسماوات مشهورة على طريقة العموم العرفي وهي السماوات السبع التي يعبر أهل الهيئة عنها بالكواكب السيارة جاز أن يكون فرج السماوات حدوث أخاديد عظيمة في الكواكب زيادة عن طمس نورها .
وإذا أريد بالسماء فرد معين معهود وهي ما نشاهده كالقبة الزرقاء في النهار وهي كرة الهواء فمعنى فرجت : فساد عناصر الجو بحيث تصير فيه طرائق مختلفة الألوان تبدو كأنها شقوق في كرة الهواء كما في قوله تعالى ( إذا السماء انشقت ) وكل ذلك مفض إلى انقراض العالم الدنيوي بجميع نظامه ومجموع أجسامه .
والنسف : قلع أجزاء الشيء بعضها عن بعض وتفريقها مثل الهدم .
ونسف الجبال : دكها ومصيرها ترابا مفرقا كما قال تعالى ( وكانت الجبال كثيبا مهيلا ) .
وبناء هذه الأفعال الثلاثة بصيغة المبني للمجهول لأن المقصود الاعتبار بحصول الفعل لا بتعيين فاعله على أنه من المعلوم أن فاعلها هو الله تعالى إذ لا يقدر عليه غيره .
A E