فيجوز أن يكون هذا بمنزلة النتيجة لقوله ( نحن خلقناهم ) الخ ويحمل الشرط على التحقق قال تعالى ( وإن الدين لواقع ) .
ويجوز أن يكون قوله ( وإذا شئنا بدلنا أمثالهم ) تهديدا لهم على إعراضهم وجحودهم للبعث أي لو شئنا لأهلكناهم وخلقنا خلقا آخر مثلهم كقوله تعالى ( إن يشأ يذهبكم ويأتي بخلق جديد ) .
ويكون ( إذا ) مراد به تحقق التلازم بين شرط ( إذا ) وجوابها أي الجملة المضاف إليها والجملة المتعلق بها .
وفعل التبديل يقتضي مبدلا ومبدلا به وأيهما اعتبرته في موضع الآخر صح لأن كل مبدل هو أيضا مبدل به ذلك الشيء ولا سيما إذا لم يكن في المقام غرض ببيان المرغوب في اقتناءه والمسموح ببذله من الشيئين المستبدلين فحذف من الكلام هنا متعلق ( بدلنا ) وهو المجرور بالباء لأنه أولى بالحدث وأبقي المفعول .
وقد تقدم نظيره في سورة الواقعة في قوله ( على أن نبدل أمثالكم ) ومنه قوله تعالى ( إنا لقادرون على أن نبدل خيرا منهم ) في سورة المعارج فالتقدير : بدلنا منهم .
والأمثال : جمع مثل وهو المماثل في ذات أو صفة فيجوز أن يراد أمثالهم في أشكال أجسادهم وهو التبديل الذي سيكون في المعاد .
ويجوز أن يراد أمثالهم في أنهم أمم على الوجه الأول فهو يدل على أن البعث يحصل بخلق أجسام على مثال الأجساد التي كانت في الحياة الدنيا للأرواح التي كانت فيها .
وانتصب ( تبديلا ) على المفعول المطلق الموكد لعامله للدلالة على أنه تبديل حقيقي وللتوصل بالتنوين إلى تعظيمه وعجوبته .
( إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا [ 29 ] ) استئناف ابتدائي للانتقال من بسط التذكير والاستدلال إلى فذلكة الغرض وحوصلته إشعارا بانتهاء المقصود وتنبيها إلى فائدته ووجه الانتفاع به والحث على التدبر فيه واستثمار ثمرته وباعتبار ما تفرع عن هذه الجملة من قوله ( فمن شاء اتخذ ) الخ يقوى موقع الفذلكة للجملة وتأكيد الكلام بحرف ( إن ) لأن حال المخاطبين عدم اهتمامهم بها فهم ينكرون أنها تذكرة .
والإشارة إلى الآيات المتقدمة أو إلى السورة ولذلك أتي باسم الإشارة المؤنث .
والتذكرة : مصدر ذكره " مثل التزكية " أي أكلمه كلاما يذكره به ما عسى أن يكون نسيه أطلقت هنا على الموعظة بالإقلاع عن عمل سيء والإقبال على عمل صالح وعلى وضوح الخير والشر لمن تذكر أي تبصر بتشبيه حالة المعرض عن الخير المشغول عنه بحالة الناسي له لأن شأنه ألا يفرط فيه إلا من كان ناسيا لما فيه من نفع له .
وفرع عليه الحث على سلوك سبيل مرضاة الله بقوله ( فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا ) أي ليس بعد هذه التذكرة إلا العمل بها إذا شاء المتذكر أن يعمل بها .
ففي قوله ( من شاء ) حث على المبادرة بذلك لأن مشيئة المرء في مكنته فلا يمنعه منها إلا سوء تدبيره .
وهذا حث وتحريض فيه تعريض للمشركين بأنهم أبوا أن يتذكروا عنادا وحسدا .
واتخاذ السبيل : سلوكه عبر عن السلوك بالاتخاذ على وجه الاستعارة بتشبيه ففي قوله ( اتخذ إلى ربه سبيلا ) استعارتان لأن السبيل مستعار لسبب الفوز بالنعيم والزلفى .
ويتعلق قوله ( إلى ربه ) ب ( سبيلا ) أي سبيلا مبلغة إلى الله ولا يختلف العقلاء في شرف ما يوصل إلى الرب أي إلى إكرامه لأن ذلك قرارة الخيرات ولذلك عبر برب مضافا إلى ضمير ( من شاء ) إذ سعادة العبد في الحظوة عند ربه .
وهذه السبيل هي التوبة فالتائب مثل الذي كان ضالا أو آبقا فاهتدى إلى الطريق التي يرجع منها إلى مقصده أو سلك الطريق إلى مولاه .
وقد تقدم نظير هذه الآية في سورة المزمل .
( وما تشاءون إلا أن يشاء الله إن الله كان عليما حكيما [ 30 ] ) A E