والمراد اللوامة في الدنيا لوما تنشأ عنه التوبة والتقوى وليس المراد لوم الآخرة إذ ( يقول يا ليتني قدمت لحياتي ) .
ومناسبة القسم بها مع يوم القيامة إنها النفوس ذات الفوز في ذلك اليوم . وعن بعض المفسرين أن ( لا أقسم ) مراد منه عدم القسم ففسر النفس اللوامة بالتي تلوم على فعل الخير .
A E وقوله ( أيحسب الإنسان أن لن نجمع عظامه ) الخ دليل على جواب القسم إذ تقدير الجواب لنجمعن عظامكم ونبعثكم للحساب .
وتعريف ( الإنسان ) تعريف الجنس ووقوعه في سياق الإنكار الذي هو في معنى النفي يقتضي العموم وهو عموم عرفي منظور فيه إلا غالب الناس يومئذ إذ كان المؤمنون قليلا . فالمعنى : أيحسب الإنسان الكافر .
وجملة ( أن لن نجمع عظامه ) مركبة من حرف ( أن ) المفتوحة الهمزة المخففة النون التي هي أخت ( إن ) المكسورة .
واسم ( أن ) ضمير شأن محذوف .
والجملة الواقعة بعد ( أن ) خبر عن ضمير الشأن فسيبويه يجعل ( أن ) مع اسمها وخبرها سادة مسد مفعولي فعل الظن . والأخفش يجعل ( أن ) مع جزئيها في مقام المفعول الأول " أي لأنه مصدر " ويقدر مفعولا ثانيا . وذلك أن من خواص أفعال القلوب جواز دخول ( أن ) المفتوحة المهمزة بعدها فيستغني الفعل ب ( أن ) واسمها وخبرها على مفعوليه .
وجيء بحرف ( لن ) الدال على تأكيد النفي لحكاية اعتقاد المشركين استحالة جمع العظام بعد رمامها وتشتتها .
قال القرطبي : نزلت في عدي بن ربيعة " الصواب ابن أبي ربيعة " قال للنبي A " يا محمد حدثني عن يوم القيامة فأخبره رسول الله A فقال عدي : لو عاينت ذلك اليوم لم أصدقك أو يجمع الله العظام فنزلت هذه الآية ألا قلت : إن سبب النزول لا يخصص الإنسان بهذا السائل .
والعظام : كناية عن الجسد كله وإنما خصت بالذكر لحكاية أقواله ( من يحيي العظام وهو رميم ) ( أإذا كنا عظاما ورفاتا إنا لمبعوثون ) ( إذ كنا عظاما نخرة ) فهم احتجوا باستحالة قبول العظام للإعادة بعض البلى على أن استحالة إعادة اللحم والعصب والفؤاد بالأولى . فإثبات إعادة العظام اقتضى إلى إعادة بقية الجسم مساو لإعادة العظم وفي ذلك كفاية من الاستدلال مع الإيجاز .
ثم إن كانت إعادة الخلق لجمع أجزاء أجسامهم المتفرقة من ذرات الله أعلم بها وهو أحد قولين لعلمائنا ففعل ( نجمع ) محمول على حقيقته . وإن كان البعث بخلق أجسام أخرى على سور الأجسام الفانية سواء كان خلقا مستأنفا أو مبتدأ من إعجاب الأذناب على ما ورد في بعض الأخبار وهما قولان لعلمائنا . ففعل ( نجمع ) مستعار للخلق الذي هو على صورة الجسم الذي بلي . ومناسبة استعارته مشاكلة أقوال المشركين التي أريد إبطالها لتجنب الدخول معهم في تصوير كيفية البعث ولذلك لا ترى في آيات القرآن إلا إجمالها ومن ثم اختلف علماء الإسلام في كيفية إعادة الأجسام عند البعث . واختار إمام الحرمين التوقف وآيات القرآن ورد فيها ما يصلح للأمرين .
و ( بلى ) حرف إبطال للنفي الذي دل عليه لن نجمع عظامه فمعناه بل تجمع عظامه على اختلاف المحملين في معنى الجمع .
و ( قادرين ) حال من الضمير في الفعل المحذوف بعد ( بلى ) الذي يدل عليه قوله ( أن لن نجمع ) أي بل نجمعها في حال قدرتنا على أن نسوي بنانه .
ويجوز أن يكون ( بلى ) إبطالا للنفيين : النفي الذي أفاده الاستفهام الإنكاري من قوله ( أيحسب الإنسان ) والنفي الذي في مفعول ( يحسب ) وهو إبطال بزجر أي بل ليحسبنا قادرين لأن مفاد ( أن لن نجمع عظامه ) أن لا نقدر على جمع عظامه فيكون ( قادرين ) مفعولا ثانيا ليحسبنا المقدر وعدل في متعلق ( قادرين ) عن أن يقال : قادرين على جمع عظامه إلى قادرين على أن نسوي بنانه لأنه أوفر معنى وأوفق بإرادة إجمال كيفية البعث والإعادة .
ولمراعاة هذه المعاني عدل عن رفع : قادرون بتقدير : نحن قادرون فلم يقرأ بالرفع .
والتسوية : تقويم الشيء وإتقان الخلق قال تعالى ( ونفس وما سواها ) وقال في هذه السورة ( فخلق فسوى ) . وأريد بالتسوية إعادة خلق البنان مقومة متقنة فالتسوية كناية عن الخلق لأنها تستلزمه فإنه ما سوي إلا وقد أعيد خلقه قال تعالى ( الذي خلق فسوى ) .
والبنان أصابع اليدين والرجلين أو أطراف تلك الأصابع . وهو اسم جمع بنانه