وجمع العين لتقوية المعنى لأن الجمع أقوى من المفرد أي بحراسات منا وعنايات . ويجوز أن يكون الجمع باعتبار أنواع العنايات بتنوع آثارها . وأصل استعمال لفظ العين في مثله تمثيل بحال الناظر إلى الشيء المحروس مثل الراعين كما يقال للمسافر " عين الله عليك " ثم شاع ذلك حتى ساوى الحقيقة فجمع بذلك الاعتبار . وتقدم في سورة هود .
و ( جزاء ) مفعول لأجله ل ( فتحنا ) وما عطف عليه أي : فعلنا ذلك كله جزاء لنوح . و ( من كان كفر ) هو نوح فإن قومه كفروا به أي لم يؤمنوا بأنه رسول وكان كفرهم به منذ جاءهم بالرسالة فلذلك أقحم هنا فعل ( كان ) أي لمن كفر منذ زمان مضى وذلك ما حكي في سورة نوح بقوله ( قال رب إني دعوت قومي ليلا ونهارا ) إلى قوله ( ثم إني دعوتهم جهارا ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم إسرارا ) .
وحذف متعلق ( كفر ) لدلالة الكلام عليه . وتقديره : كفر به أو لأنه نصح لهم ولقي في ذلك أشد العناء فلم يشكروا له بل كفروه فهو مكفور فيكون من باب قوله تعالى ( ولا تكفرون ) .
( ولقد تركناها آية فهل من مدكر [ 15 ] ) ضمير المؤنث عائد إلى ( ذات ألواح ودسر ) أي السفينة . والترك كناية عن الإبقاء وعدم الإزالة قال تعالى ( وتركنا فيها آية ) في سورة الذاريات وقال ( وتركهم في ظلمات لا يبصرون ) في سورة البقرة أي أبقينا سفينة نوح محفوظة من البلى لتكون آية يشهدها الأمم الذين أرسلت إليهم الرسل متى أراد واحد من الناس رؤيتها ممن هو بجوار مكانها تأييدا للرسل وتخويفا بأول عذاب عذبت به الأمم أمة كذبت رسولها فكانت حجة دائمة مثل ديار ثمود .
ثم أخذت تتناقص حتى بقي منها أخشاب شهدها صدر الأمة الإسلامية فلم تضمحل حتى رآها ناس من جميع الأمم بعد نوح فتواتر خبرها بالمشاهدة تأييدا لتواتر الطوفان بالأخبار المتواترة . وقد ذكر القرآن أنها استقرت على جبل الجودي فمنه نزل نوح ومن معه وبقيت السفينة هنالك لا ينالها أحد وذلك من أسباب حفظها عن الاضمحلال . واستفاض الخبر بأن الجودي جبيل قرب قرية تسمى " باقردى " بكسر القاف وسكون الراء ودال مفتوحة مقصورا من جزيرة ابن عمر قرب الموصل شرقي دجلة .
وفي صحيح البخاري قال قتادة : " لقد شهدها صدر هذه الأمة " قال تعالى في سورة العنكبوت ( وجعلناها آية للعالمين ) وقد تقدم ذلك مفصلا هنالك .
والآية : الحجة . وأصل الآية الأمارة التي يصطلح عليها شخصان فأكثر ( قال رب اجعل لي آية قال آيتك أن لا تكلم الناس ثلاثة أيام ) .
وإن ما قال هنا ( ولقد تركناها ) وقال في سورة العنكبوت ( وجعلناها آية للعالمين ) لأن ذكرها في سورة القمر ورد بعد ذكر كيفية صنعها وحدوث الطوفان وحمل نوح في السفينة . فأخبرت بأنها أبقيت بعد تلك الأحوال فالآية في بقاءها وفي سورة العنكبوت ورد ذكر السفينة ابتداء فأخبر بأن الله جعلها آية إذ أوحى إلى نوح بصنعها فالآية في إيجادها وهو المعبر عنه ب ( جعلناها ) .
وفرع على إبقاء السفينة آية استفهام عمن يتذكر بتلك الآية وهو استفهام مستعمل في معنى التحضيض على التذكر بهذه الآية واستقصاء خبرها مثل الاستفهام في قول طرفة : .
" إذ القوم قالوا من فتى... البيت والتحضيض موجه إلى جميع من تبلغه هذه الآيات . و ( من ) زائدة للدلالة على عموم الجنس في الإثبات على الأصح من القولين .
A E ومدكر أصله : مذتكر مفتعل من الذكر بضم الذال وهو التفكر في الدليل فقلبت تاء الافتعال دالا لتقارب مخرجيهما وأدغم الذال في الدال لذلك وقراءة هذه الآية مروية بخصوصها عن النبي A . وتقدم في سورة يوسف ( وأدكر بعد أمة ) .
( فكيف كان عذابي ونذر [ 16 ] ) تفريع على القصة بما تضمنته من قوله ( ففتحنا أبواب السماء ) إلى آخره . و ( كيف ) للاستفهام عن حالة العذاب . وهو عذاب قوم نوح بالطوفان . والاستفهام مستعمل في التعجيب من شدة هذا العذاب الموصوف . والجملة في معنى التذييل وهو تعريض بتهديد المشركين أن يصيبهم عذاب جزاء تكذيبهم الرسول A وإعراضهم وأذاهم كما أصاب قوم نوح .
وحذف ياء المتكلم من ( نذر ) وأصله : نذري . وحذفها في الكلام في الوقف فصيح وكثر في القرآن عند الفواصل