ويجوز أن تكون اللام لتعدية ( يأذن ) إذ أريد به معنى يستمع أي أن يظهر لمن يشاء منهم أنه يقبل منه . ومعنى ذلك أن الملائكة لا يزالون يتقربون بطلب إلحاق المؤمنين بالمراتب العليا كما دل عليه قوله تعالى ( ويستغفرون للذين آمنوا ) وقوله ( ويستغفرون لمن في الأرض ) فإن الاستغفار دعاء والشفاعة توجه أعلى فالملائكة يعلمون إذ أراد الله استجابة دعوتهم في بعض المؤمنين أذن لأحدهم أن يشفع له عند الله فيشفع فتقبل شفاعته فهذا تقريب كيفية الشفاعة . ونظيره ما ورد في حديث شفاعة محمد A في موقف الحشر .
وعطف ( ويرضى ) على ( لمن يشاء ) للإشارة إلى أن إذن الله بالشفاعة يجري على حسب إرادته إذا كان المشفوع له أهلا لن يشفع له . وفي هذا الإبهام تحريض للمؤمنين أن يجتهدوا في التعرض لرضى الله عنهم ليكونوا أهلا للعفو عما فرطوا فيه من الأعمال .
( إن الذين لا يؤمنون بالآخرة ليسمون الملائكة تسمية الأنثى [ 27 ] وما لهم به من علم ) اعتراض واستطراد لمناسبة ذكر الملائكة وتبعا لما ذكر آنفا من جعل المشركين اللات والعزى ومناة بنات لله بقوله ( أفرأيتم اللات والعزى ) إلى قوله ( ألكم الذكر وله الأنثى ) ثني إليهم عنان الرد والإبطال لزعمهم أن الملائكة بنات الله جمعا بين رد باطلين متشابهين وكان مقتضى الظاهر أن يعبر عن المردود عليهم بضمير الغيبة تبعا لقوله ( إن يتبعون إلا الظن ) فعدل عن الإضمار إلى الإظهار بالموصولية لما تؤذن به الصلة من التوبيخ لهم والتحقير لعقائدهم إذ كفروا بالآخرة وقد تواتر على ألسنة الرسل وعند أهل الأديان المجاورين لهم من اليهود والنصارى والصابئة فالموصولية هنا مستعملة في التحقير والتهكم نظير حكاية الله عنهم ( وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون ) إلا أن التهكم المحكي هنالك تهكم المبطل بالمحق لأنهم لا يعتقدون وقوع الصلة وأما التهكم هنا فهو تهكم المحق بالمبطل لأن مضمون الصلة ثابت لهم .
والتسمية مطلقة هنا على التوصيف لأن الاسم قد يطلق على اللفظ الدال على المعنى وقد يطلق على المدلول المسمى ذاتا كان أو معنى كقول لبيد : .
" إلى الحول ثم اسم السلام عليكما أي السلام عليكما وقوله تعالى ( سبح اسم ربك الأعلى ) وقوله تعالى ( عينا فيها تسمى سلسبيلا ) أي توصف بهذا الوصف في حسن مآبها وقوله تعالى ( هل تعلم له سميا ) أي ليس لله مثيل وقد مر بيانه مستوفي عند تفسير ( بسم الله الرحمن الرحيم ) في أول الفاتحة .
والمعنى : أنهم يزعمون الملائكة إناثا وذلك توصيف قال تعالى ( وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا ) وكانوا يقولون الملائكة بنات الله من سروات الجن قال تعالى ( وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون ) وقال ( وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا ) .
والتعريف في ( الأنثى ) تعريف الجنس الذي هو في معنى المتعدد والذي دعا إلى هذا النظم مراعاة الفواصل ليقع لفظ ( الأنثى ) فاصلة كما وقع لفظ ( الأولى ) ولفظ ( يرضى ) ولفظ ( شيئا ) .
وجملة ( وما لهم به من علم ) حال من ضمير ( يسمون ) أي يثبتون للملائكة صفات الأنثى في حال انتفاء علم منهم بذلك وإنما هو تخيل وتوهم إذ العلم لا يكون إلا عن دليل لهم فنفي العلم مراد به نفيه ونفي الدليل على طريقة الكناية .
A E ( إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا [ 28 ] ) موقع هذه الجملة ذو شعب : فإن فيها بيانا لجملة ( وما لهم به من علم ) وعودا إلى جملة ( إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ) وتأكيدا لمضمونها وتوطئة لتفريع ( فأعرض عمن تولى عن ذكرنا ) .
واستعير الاتباع للأخذ بالشيء واعتقاد مقتضاه أي ما يأخذون في ذلك إلا بدليل الظن المخطئ .
وأطلق الضن على الاعتقاد المخطئ كما هو غالب إطلاقه مع قرينة قوله عقبه ( وإن الضن لا يغني من الحق شيئا ) وتقدم نظيره آنفا .
وأظهر لفظ ( الظن ) دون ضميره لتكون الجلة مستقلة بنفسها فتسير مسير الأمثال .
ونفي الإغناء معناه نفي الإفادة أي لا يفيد شيئا من الحق فحرف ( من ) بيان وهو مقدم على المبين أعني شيئا .
و ( شيئا ) منصوب على المفعول به ل ( يغني )