وقرأ الجمهور ( ومناة ) بتاء بعد الألف وقرأه ابن كثير بهمزة بعد الألف على إحدى اللغتين . والجمهور يقفون عليه بالتاء تبعا لرسم المصحف فتكون التاء حرفا من الكلمة غير علامة تأنيث فهي مثل تاء ( اللات ) ويجعلون رسمها في المصحف على غير قياس .
ووصفها بالثالثة لأن ثالثة في الذكر وهو صفة كاشفة ووصفها بالأخرى أيضا صفة كاشفة لأن كونها ثالث في الذكر غير المذكورتين قبلها معلوم للسامع فالحاصل من الصفتين تأكيد ذكرها لأن اللات والعزى عند قريش وعند جمهور العرب أشهر من مناة لبعد مكان مناة عن بلادهم ولأن ترتيب مواقع بيوت هذه الأصنام كذلك فاللات في أعلى تهامة بالطائف والعزى في وسطها بنخلة بين مكة والطائف ومناة بالمشلل بين مكة والمدينة فهي ثالثة البقاع .
وقال ابن عطية : كانت مناة أعظم هذه الأوثان قدرا وأكثرها عبادة ولذلك قال تعالى ( الثالثة الأخرى ) فأكدها بهاتين الصفتين .
والأحسن أن قوله ( الثالثة الأخرى ) جرى على أسلوب العرب إذا أخبروا عن متعدد وكان فيه من يظن أنه غير داخل في الخبر لعظمة أو تباعد عن التلبس بمثل ما تلبس به نظراؤه أن يختموا الخبر فيقولوا ( وفلان هو الآخر ) ووجهه هنا أن عباد مناة كثيرون في قبائل العرب فنبه على أن كثرة عبدتها لا يزيدها قوة على بقية الأصنام في مقام إبطال إلهيتها وكل ذلك جار مجرى التهكم والتسفيه .
وجملة ( ألكم الذكر وله الأنثى ) ارتقاء في الإبطال والتهكم والتسفيه كما تقدم وهي مجاراة لاعتقادهم أن تلك الأصنام الثلاثة بنات الله وأن الملائكة بنات الله أي اجعلتم لله بنات خاصة وانتم تعلمون أن لكم أولادا ذكورا وإناثا وأنكم تفضلون الذكور وتكرهون الإناث وقد خصصتم الله بالإناث دون الذكور والله أولى بالفضل والكمال لو كنتم تعلمون فكان في هذا زيادة تشنيع لكفرهم إذ كان كفرا وسخافة عقل .
وكون العزى ومناة عندهم انثتين ظاهر من صيغة أسميهما وأما اللات فبقطع النظر عن اعتبار التاء في الاسم علامة تأثيث أو أصلا من الكلمة فهم كانوا يتوهمون اللات أنثى ولذلك قال أبو بكر Bه لعروة بن مسعود الثقفي يوم الحديبية " أمصص أو أعضض بظر اللات " .
وتقديم المجرورين في ( الكم الذكر وله الأنثى ) للاهتمام بالاختصاص الذي أفاده اللام اهتماما في مقام التهكم والتسفيه على أن في تقديم " وله الأنثى إفادة الاختصاص " أي دون الذكر .
وجملة ( تلك إذ قسمة ضيزى ) تعليل للإنكار والتهكم المفاد من الاستفهام في ( ألكم الذكر وله الأنثى ) أي قد جرتم في القسمة وما عدلتم فأنتم أحقاء بالإنكار .
والإشارة ب ( تلك ) إلى المذكور باعتبار عنه بلفظ ( قسمة ) فإنه مؤنث اللفظ .
A E و ( إذا ) حرف جواب أريد به جواب الاستفهام الإنكاري أي يترتب على ما زعمتم أن ذلك قسمة ضيزى أي قسمتم قسمة جائزة .
وضيزى : وزنه فعلى بضم الفاء من ضازه حقه إذا نقصه وأصل عين ضاز همزة يقال : ضازه حقه كمنعه ثم كثر في كلامهم تخفيف الهمزة فقالوا : ضازه بالألف . ويجوز في مضارعه أن يكون يائي العين أو واويها قال الكسائي : يجوز ضاز يضيز وضازة يضوز . وكأنه يريد أن لك الخيار في المهموز العين إذا خفف أن تلحقه بالواو أو الياء لكن الأكثر في كلامهم اعتبار العين ياء فقالوا : ضازه حقه ضيزا ولم يقولوا ضوزا لأن الضوز لوك التمر في الفم فأرادوا التفرقة بين المصدرين وهذا من محاسن الاستعمال . وعن المورج السدوسي كرهوا ضم الضاد في ضوزى فقالوا : ضيزى . كأنه يريد استثقلوا ضم الضاد أي في أول الكلمة مع أن لهم مندوحة عنه بالزنة الأخرى .
ووزن ضيزى : فعلى اسم تفصيل " مثل كبرى وطوبى " شديدة الضيز فلما وقعت الياء الساكنة بعد الضمة حركوه بالكسر محافظة على الياء لئلا يقلبوها واوا فتصير ضوزى وهو ما كرهوه كما قال المؤرج . وهذا كما فعلوا في بيض جمع ابيض ولو اعتبروه تفضيلا من ضاز يضوز لقالوا : ضوزى ولكنهم أهملوه .
وقيل : وزن ضيزي فعلى بكسر الفاء على أنه أسم مثل دفلى وشعرى ويبعد هذا أنه مشتق فهو بالوصفية أجدر . قال سيبويه : لا يوجد فعلى بكسر الفاء في الصفات أو على أنه مصدر مثل ذكرى وعلى الوجهين كسرته أصلية