وقرأ الجمهور ( لا لغو فيها ولا تأثيم ) برفعهما على أن ( لا ) مشبهة ب ( ليس ) . وقرأه ابن كثير وأبو عمرو بفتحهما على أن ( لا ) مشبهة ب ( إن ) وهما وجهان في نفي النكرة إذا كانت إرادة الواحد غير محتملة ومثله قولها في حديث أم زرع : " زوجي كليل تهامة لا حر ولا قر ولا مخافة ولا سآمة " رويت النكرات الأربع بالرفع وبالنصب .
( ويطوف عليهم غلمان لهم كأنهم لؤلؤ مكنون [ 24 ] ) عطف على جملة ( يتنازعون فيها كأسا ) فهو من تمامه وواقع موقع الحال مثله وجيء به في صيغة المضارع للدلالة على التجدد والتكرر أي ذلك لا ينقطع بخلاف لذات الدنيا فإنها لا بد لها من الانقطاع بنهايات تنتهي إليها فتكره لأصحابها الزيادة منها مثل الغول والإطباق ووجع الأمعاء في شرب الخمر ومثل الشبع في تناول الطعام وغير ذلك من كل ما يورث العجز عن الازدياد من اللذة ويجعل الازدياد ألما .
ولم يستثن من ذلك إلا لذات المعارف ولذات المناظر الحسنة والجمال .
ولما أشعر فعل ( يطوف ) بأن الغلمان يناولونهم ما فيه لذاتهم كان مشعرا بتجدد المناولة وتجدد الطواف وقد صار كل ذلك لذة لا سآمة منها .
والطواف : مشي متكرر ذهابا ورجوعا وأكثر ما يكون على استدارة ومنه طواف الكعبة وأهل الجاهلية بالأصنام ولأجله سمي الصنم دورا لأنهم يدورون به . وسمي مشي الغلمان بينهم طوافا لأن شأن مجالس الأحبة والأصدقاء أن تكون حلقة ودوائر ليستوي في مرآهم كما أشار إليه في قوله تعالى في سورة الصافات ( على سرر متقابلين ) . ومنه جعلت مجالس الدروس حلقا وكانت مجالس النبي ص ) حلقا . وقد أطلق على مناولة الخمر إدارة فقيل : أدارت الحارثة الخمر وهذا الذي يناول الخمر المدير .
وترك ذكر متعلق ( يطوف ) لظهوره من قوله ( يتنازعون فيها كأسا ) وقوله ( وأمددناهم بفاكهة ) ودل عليه قوله تعالى ( يطاف عليهم بصحاف من ذهب وأكواب ) وقوله ( يطاف عليهم بكأس من معين بيضاء لذة للشاربين ) فلما تقدم ذكر ما شأنه أن يطاف به ترك ذكره بعد فعل ( يطاف ) بخلاف ما في الآيتين الأخريين .
والغلمان : جمع غلام وحقيقته من كان في سن يقارب البلوغ أو يبلغه ويطلق على الخادم لأنهم كانوا أكثر ما يتخذون خدمهم من الصغار لعدم الكلفة في حركاتهم وعدم استثقال تكليفهم وأكثر ما يكونون من العبيد ومثله إطلاق الوليدة على الأمة الفتية كأنها قريبة عهد بولادة أمها .
فمعنى قوله ( غلمان لهم ) : خدمة لهم .
A E وعبر عنهم بالتنكير وتعليق لام الملك بضمير ( الذين آمنوا ) دون الإضافة التي هي على تقدير اللام لما في الإضافة من معنى تعريف المضاف بالانتساب إلى المضاف إليه عند السامع من قبل . وليس هؤلاء الغلمان بمملوكين للمؤمنين ولكنهم مخلوقون لخدمتهم خلقهم الله لأجلهم في الجنة قال تعالى ( ويطوف عليهم ولدان مخلدون ) وهذا على نحو قوله تعالى ( بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بئس شديد ) أي صنف من عبادنا غير معروفين للناس .
وشبهوا باللؤلؤ المكنون لحسن المرأى .
واللؤلؤ : الدر . والمكنون : المخزون لنفاسته على أربابه فلا يتحلى به إلا في المحافل والمواكب فلذلك يبقى على لمعانه وبياضه .
( وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون [ 25 ] قالوا إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين [ 26 ] فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم [ 27 ] إنا كنا من قبل ندعوه أنه هو البر الرحيم [ 28 ] ) عطف على جملة ( يتنازعون فيها كأسا ) . والتقدير : وقد أقبل بعضهم على بعض يتساءلون أي هم في تلك الأحوال قد أقبل بعضهم على بعض يتساءلون .
ولما كان إلحاق ذرياتهم بهم مقتضيا مشاركتهم إياهم في النعيم كما تقدم آنفا عند قوله ( ألحقنا بهم ذريتهم ) كان هذا التساؤل جاريا بين الجميع من الأصول والذريات سائلين ومسؤولين .
وضمير ( بعضهم ) عائد إلى ( المتقين ) وعلى ( ذرياتهم ) .
وجملة ( قالوا ) بيان لجملة يتساءلون على حد قوله تعالى ( فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى ) ضمير ( قالوا ) عائد إلى البعضين أي يقول كل فريق من المتسائلين للفريق الآخر هذه المقالة