هذا تعليل لقوله ( لم تؤمنوا ) إلى قوله ( في قلوبكم ) وهو من جملة ما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بأن يقوله للأعراب أي ليس المؤمنون إلا الذين آمنوا ولم يخالط إيمانهم ارتياب أو تشكك .
و ( إنما ) للحصر و ( إن ) التي هي جزء منها أيضا للتعليل وقائمة مقام فاء التفريع أي إنما لم تكونوا مؤمنين لأن الإيمان ينافيه الارتياب .
والقصر إضافي أي المؤمنون الذين هذه صفاتهم غير هؤلاء الأعراب .
فأفاد أن هؤلاء الأعراب انتفى عنهم الإيمان لأنهم انتفى عنهم مجموع هذه الصفات .
وإذ قد كان القصر إضافيا لم يكن الغرض منه إلا إثبات الوصف لغير المقصور لإخراج المتحدث عنهم عن أن يكونوا مؤمنين وليس بمقتض أن حقيقة الإيمان لا تتقوم إلا بمجموع تلك الصفات لأن عد الجهاد في سبيل الله مع صفتي الإيمان وانتفاء الريب فيه يمنع من ذلك لأن الذي يقعد عن الجهاد لا ينتفي عنه وصف الإيمان إذ لا يكفر المسلم بارتكاب الكبائر عند أهل الحق . وما عداه خطأ واضح وإلا لانتقضت جامعة الإسلام بأسرها إلا فئة قليلة في أوقات غير طويلة .
A E والمقصود من إدماج ذكر الجهاد التنويه بفضل المؤمنين المجاهدين وتحريض الذين دخلوا في الإيمان على الاستعداد إلى الجهاد كما في قوله تعالى ( قل للمخلفين من الأعراب ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون ) الآية .
و ( ثم ) من قوله ( ثم لم يرتابوا ) للتراخي الرتبي كشأنها في عطف الجمل . ففي ( ثم ) إشارة إلى أن انتفاء الارتياب في إيمانهم أهم رتبة من الإيمان إذ به قوام الإيمان وهذا إيماء إلى بيان قوله ( ولما يدخل الإيمان في قلوبكم ) أي من أجل ما يخالجكم ارتياب في بعض ما آمنتم به مما اطلع الله عليه .
وقوله ( أولئك هم الصادقون ) قصر وهو قصر إضافي أيضا أي هم الصادقون لا أنتم في قولكم ( آمنا ) .
( قل أتعلمون الله بدينكم والله يعلم ما في السماوات وما في الأرض والله بكل شيء عليم [ 16 ] ) أعيد فعل ( قل ) ليدل على أن المقول لهم هذا هم الأعراب الذين أمر أن يقول لهم ( لم تؤمنوا ) إلى آخره فأعيد لما طال الفصل بين القولين بالجمل المتتابعة فهذا متصل بقوله ( ولما يدخل الإيمان في قلوبكم ) اتصال البيان بالمبين ولذلك لم تعطف جملة الاستفهام .
وجملة ( قل ) معترضة بين الجملتين المبينة والمبينة .
قيل : إنهم لما سمعوا قوله تعالى ( قل لم تؤمنوا ) الآية جاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وحلفوا أنهم مؤمنون فنزل قوله ( قل أتعلمون الله بدينكم ) ولم يرو بسند معروف وإنما ذكره البغوي تفسيرا ولو كان كذلك لوبخهم الله على الإيمان الكاذبة كما وبخ المنافقين في سورة براءة ( وسيحلفون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم يهلكون أنفسهم ) الآية . ولم أر ذلك بسند مقبول فهذه الآية مما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يقوله لهم .
والتعليم مبالغة في إيصال العلم إلى المعلم لأن صيغة التفعيل تقتضي قوة في حصول الفعل كالتفريق والتفسير يقال : أعلمه وعلمه كما يقال : أنباه ونبأه . وهذا يفيد أنهم تكلفوا وتعسفوا في الاستدلال على خلوص إيمانهم ليقنعوا به الرسول صلى الله عليه وسلم الذي أبلغهم أن الله نفى عنهم رسوخ الإيمان بمحاولة إقناعه تدل إلى محاولة إقناع الله بما يعلم خلافه .
وباء ( بدينكم ) زائدة لتأكيد لصوق الفعل بمفعوله كقوله تعالى ( وامسحوا برؤوسكم ) وقول النابغة : .
" لك الخيران وارت بك الأرض واحدا والاستفهام في ( أتعلمون الله بدينكم ) مستعمل في التوبيخ وقد أيد التوبيخ بجملة الحال في قوله ( والله يعلم ما في السماوات وما في الأرض ) .
وفي هذا تجهيل إذ حاولوا إخفاء باطنهم عن المطلع على كل شيء .
وجملة ( والله بكل شيء عليم ) تذييل لأن ( كل شيء ) أعم من ( ما في السماوات وما في الأرض ) فإن الله يعلم صفاته ويعلم الموجودات التي هي أعلى من السماوات كالعرش .
( يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا على إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين [ 17 ] ) استئناف ابتدائي أريد به إبطال ما أظهره بنو أسد للنبي صلى الله عليه وسلم من مزيتهم إذ أسلموا من دون إكراه بغزو