وجملة ( كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار ) تعليل للنهي عن الاستعجال لهم بالعذاب بأن العذاب واقع بهم فلا يؤثر في وقوعه تطويل أجله ولا تعجيله قال مرة بن عداء الفقعسي ولعله أخذ قوله من هذه الآية : .
كأنك لم تسبق من الدهر ليلة ... إذا أنت أدركت الذي كنت تطلب وهم عند حلوله منذ طول المدة يشبه حالهم حال عدم المهلة إلا ساعة قليلة .
و ( من نهار ) وصف الساعة وتخصيصها بهذا الوصف لأن ساعة النهار تبدو للناس قصيرة لما للناس في النهار من الشواغل بخلاف ساعة الليل تطول إذ لا يجد الساهر شيئا يشغله .
فالتنكير للتقليل كما في حديث الجمعة قوله صلى الله عليه وسلم " وفيه ساعة يستجاب فيها الدعاء " وأشار بيده يقللها والساعة جزء من الزمن .
( بلاغ ) فذلكة لما تقدم بأنه بلاغ للناس مؤمنهم وكافرهم ليعلم كل حظه من ذلك فقوله ( بلاغ ) خبر مبتدإ محذوف تقديره : هذا بلاغ على طريقة العنوان والطالع نحو ما يكتب في أعلى الظهير " ظهير من أمير المؤمنين " أو ما يكتب في أعلى الصكوك نحو " إيداع وصية " أو ما يكتب في التأليف نحو ما في الموطأ " وقوت الصلاة " . ومنه ما يكتب في أعالي المنشورات القضائية والتجارية كلمة " إعلان " .
وقد يظهر اسم الإشارة كما في قوله تعالى ( هذا بلاغ للناس ) وقول سيبويه " هذا باب علم ما الكلم من العربية " وقال تعالى ( إن في هذا لبلاغا لقوم عابدين ) .
والجملة مستأنفة استئنافا ابتدائيا على طريقة الفذلكة والتحصيل مثل جملة ( تلك عشرة كاملة ) ( تلك أمة قد خلت ) .
( فهل يهلك إلا القوم الفاسقون [ 35 ] ) فرع على جملة ( كأنهم يوم يرون ما يوعدون ) إلى ( من نهار ) أي فلا يصيب العذاب إلا المشركين أمثالهم .
والاستفهام مستعمل في النفي ولذلك صح الاستثناء منه كقوله تعالى ( ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه ) .
ومعنى التفريع أنه قد اتضح مما سمعت أنه لا يهلك إلا القوم الفاسقون وذلك من قوله ( قل ما كنت بدعا من الرسل ) وقوله ( لتنذر الذين ظلموا وبشرى للمحسنين ) إلى قوله ( ولا هم يحزنون ) وقوله ( ولقد أهلكنا ما حولكم من القرى ) الآية .
والإهلاك مستعمل في معنييه الحقيقي والمجازي فإن ما حكي فيما مضى بعضه إهلاك حقيقي مثل ما في قصة عاد وما في قوله ( ولقد أهلكنا ما حولكم من القرى ) وبعضه مجازي وهو سوء الحال أي عذاب الآخرة : وذلك فيما حكي من عذاب الفاسقين .
وتعريف ( القوم ) تعريف الجنس وهو مفيد العموم أي كل القوم الفاسقين فيعم مشركي مكة الذين عناهم القرآن فكان لهذا التفريع معنى التذييل .
والتعبير بالمضارع في قوله ( فهل يهلك ) على هذا الوجه لتغليب إهلاك المشركين الذي لما يقع على أهلاك الأمم الذين قبلهم .
ولك أن تجعل تعريف العهد أي القوم المتحدث عنهم في قوله ( كأنهم يوم يرون ما يوعدون ) الآية فيكون إظهارا في مقام الإضمار للإيماء إلى سبب إهلاكهم أنه الإشراك .
والمراد بالفسق هنا الفسق عن الإيمان وهو فسق الإشراك .
A E وأفاد الاستثناء أن غيرهم لا يهلكون هذا الهلاك أو هم الذين آمنوا وعملوا الصالحات .
بسم الله الرحمن الرحيم .
سورة محمد .
سميت هذه السورة في كتب السنة " سورة محمد " . وكذلك ترجمت في صحيح البخاري من رواية أبي ذر عن البخاري وكذلك في التفاسير قالوا : وتسمى " سورة القتال " .
ووقع في أكثر روايات صحيح البخاري " سورة الذين كفروا " .
والأشهر الأول ووجهه أنها ذكر فيها اسم النبي صلى الله عليه وسلم في الآية الثانية منها فعرفت به قبل سورة آل عمران التي فيها ( وما محمد إلا رسول ) .
وأما تسميتها " سورة القتال " فلأنها ذكرت فيها مشروعية القتال ولأنها ذكر فيها لفظه في قوله تعالى ( وذكر فيها القتال ) مع ما سيأتي أن قوله تعالى ( ويقول الذين آمنوا لولا نزلت سورة ) إلى قوله ( وذكر فيها القتال ) أن المعني بها هذه السورة فتكون تسميتها " سورة القتال " تسمية قرآنية