عطف على ( وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون ) أي عقدوا على عقيدة أن لا حياة بعد الممات استنادا للأوهام والأقيسة الخيالية . وإذا تليت عليهم آيات القرآن الواضحة الدلالة على إمكان البعث وعلى لزومه لم يعارضوها بما يبطلها بل يهرعون إلى المباهتة فيقولون إن كان البعث حقا فأتوا بآبائنا إن صدقتم . فالمراد بالآيات آيات القرآن المتعلقة بالبعث بدليل ما قبل الكلام وما بعده .
وفي قوله ( ما كان حجتهم إلا أن قالوا ائتوا بآبائنا ) تسجيل عليهم بالتلجلج عن الحجة البينة والمصير إلى سلاح العاجز من المكابرة والخروج عن دائرة البحث .
والخطاب بفعل ( ائتوا ) موجه للمؤمنين بدخول الرسول صلى الله عليه وسلم . و ( إلا أن قالوا ) استثناء من حجتهم وهو يقتضي تسمية كلامهم هذا حجة وهو ليس بحجة إذ هو بالبهتان أشبه فإما أن يكون إطلاق اسم الحجة عليه على سبيل التهكم بهم كقول عمرو بن كلثوم : .
قريناكم فعجلنا قراكم ... قبيل الصبح مرداة طحونا A E فسمى القتل قرى وعلى هذا يكون الاستثناء في قوله ( إلا أن قالوا ائتوا بآبائنا ) استثناء متصلا تهكما وإما أن يكون إطلاق اسم الحجة على كلامهم جرى على اعتقادهم وتقديرهم دون قصد تهكم بهم أي أتوا بما توهموه حجة فيكون الإطلاق استعارة صورية والاستثناء على هذا متصل أيضا .
وإما أن يكون الإطلاق استعارة بعلاقة الضدية فيكون مجازا مرسلا بتنزيل التضاد منزلة التناسب على قصد التهكم فيكون المعنى أن لا حجة لهم البتة إذ لا حجة لهم إلا هذه وهذه ليست بحجة بل هي عناد فيحصل أن لا حجة لهم بطريق التمليح والكناية كقول جران العود : .
وبلدة ليس بها أنيس ... إلا اليعافير وإلا العيس أي لا أنس بها البتة .
ويقدر قوله ( أن قالوا ائتوا بآبائنا ) في محل رفع بالاستثناء المفرغ على الاعتبارات الثلاثة فهو اسم ( كان ) و ( حجتهم ) خبرها أن حجتهم منصوب في قراءة جميع القراءات المشهورة .
وتقديم خبر ( كان ) على اسمها لأن اسمها محصور ب ( إلا ) فحقه التأخير عن الخبر .
( قل الله يحييكم ثم يميتكم ثم يجمعكم إلى يوم القيمة لا ريب فيه ولكن أكثر الناس لا يعلمون [ 26 ] ) تلقين لإبطال قولهم ( وما يهلكنا إلا الدهر ) يتضمن إبطال قولهم ( ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا ) .
والمقصود منه قوله ( ثم يميتكم ) وإنما قدم عليه ( يحييكم ) توطئة له أي كما هو أوجدكم هو يميتكم لا الدهر فتقديم اسم الله على المسند الفعلي وهو ( يحييكم ثم يميتكم ) يفيد تخصيص الإحياء والإماتة به لإبطال قولهم إن الدهر هو الذي يميتهم .
وقوله ( ثم يجمعكم إلى يوم القيامة ) إبطال لقولهم ( ما هي إلا حياتنا الدنيا ) وليس هو إبطالا بطريق الاستدلال لأن أدلة هذا تكررت فيما نزل من القرآن فاستغني عن تفصيلها ولكنه إبطال بطريق الإجمال والمعارضة .
وقوله ( لا ريب فيه ) حال من ( يوم القيامة ) أي لا ريب في وجوده بما يقتضيه من إحياء الأموات ومعنى نفي الريب فيه أنه حقيقة الريب وهي التي تتقوم من دلائل تفضي إلى الشك منتفية عن قضية وقوع يوم القيامة بكثرة الدلائل الدالة على إمكانه وعلى أنه بالنسبة لقدرة الله ليس أعجب من بدء الخلق وأن الله أخبر عن وقوعه فوجب القطع بوقوعه . فكان الشك فيه جديرا بالاقتلاع فكأنه معدوم . وهذا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن الكهان " ليسوا بشيء " مع أنهم موجودون فأراد أنهم ليسوا بشيء حقيق وقد تقدم عند قوله تعالى ( ذلك الكتاب لا ريب فيه ) في سورة البقرة .
وعطف ( ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) على قوله ( لا ريب فيه ) أي ولكن ارتياب كثير من الناس فيه لأنهم لا يعلمون دلائل وقوعه .
( ولله ملك السماوات والأرض ) اعتراض تذييل لقوله ( قل الله يحييكم ثم يميتكم ) أي لله لا لغيره ملك السماوات والارض أي فهو المتصرف في أحوال ما حوته السماوات والأرض من إحياء وإماتة وغير ذلك بما أوجد من أصولها وما قدر من أسبابها ووسائلها فليس للدهر تصرف ولا لما سوى الله تعالى .
وتقديم المجرور على المسند إليه لإفادة التخصيص لرد معتقدهم من خروج تصرف غيره في بعض ما في السماوات والأرض كقولهم في الدهر