وظاهر تركيب الآية أن قوله ( سواء محياهم ومماتهم ) داخل في الحسبان المنكور فيكون المعنى : إنكار أن يستوي المشركون مع المؤمنين لا في الحياة ولا بعد الممات فكما خالف الله بين حاليهم في الحياة الدنيا فجعل فريقا كفرة مسيئين وفريقا مؤمنين محسنين فكذلك سيخالف بين حاليهم في الممات فيموت المشركون على اليأس من رحمة الله إذ لا يوقنون بالبعث ويلاقون بعد الممات هول ما توعدهم الله به ويموت المؤمنون رجاء رحمة الله والبشرى بما وعدوا به ويلاقون بعد الممات ثواب الله ورضوانه .
A E وقرأ الجمهور ( سواء ) مرفوعا فيكون موقع جملة ( سواء محياهم ) موقع البدل من كاف التشبيه التي هي بمعنى مثل على ما ذهب إليه صاحب الكشاف يريد أنه بدل مطابق لأن الجملة تبدل من المفرد على الأصح والبدل المطابق هو عطف البيان عند التحقيق فيكون جملة ( سواء محياهم ومماتهم ) بيان ما حسبه المشركون . وقرأه حمزة والكسائي وحفص عن عاصم وخلف منصوبا فلفظ ( سواء ) وحده بدل من كاف المماثلة بدل مفرد من مفرد أو حال من ضمير النصب في ( نجعلهم ) .
وهذا لأن المشركين قالوا للمسلمين : سنكون بعد الموت خيرا منكم كما كنا في الحياة خيرا منكم .
فضمير ( محياهم ) وضمير ( مماتهم ) عائدان لكل من الذين اجترحوا السيئات والذين أمنوا على التوزيع أي محيا كل مساو لمماته أي لا يتبدل حال الفريقين بعد الممات بل يكونون بعد الممات كما كانوا في الحياة غير أن موقع كاف التمثيل في قوله ( كالذين آمنوا ) ليس واضح الملاقاة لحسبان المشركين المسلط عليه الإنكار لأنهم إنما حسبوا أن يكونوا بعد الممات " على تقدير وقوع البعث " أحسن حالا من المؤمنين لا أن يكونوا مثل المؤمنين لأنهم قالوا ذلك في مقام التطاول على المؤمنين وإرادة إفحامهم بسفسطتهم . فبنا أن نبين موقع هذا الكاف في الآية .
والذي أرى : أن موقعه الإيماء إلى أن الله قدر للمؤمنين حسن الحال بعد الممات حتى صار ذلك المقدر مضرب الأمثال ومناط التشبيه وإلى أن حسبان المشركين أنفسهم في الآخرة على حالة حسنة باطل فعبر عن حسبانهم الباطل بأنهم أثبتوا لأنفسهم في الآخرة الحال التي هي حال المؤمنين أي حسب المشركون بزعمهم أن يكونوا بعد الموت في حالة إذا أراد الواصف أن يصفها وصفها بمشابهة حال المؤمنين في عند الله وفي نفس الأمر وليس المراد أن المشركين مثلوا حالهم بحال المؤمنين فيؤول قوله ( كالذين آمنوا ) إلى حكاية الكلام المحكي بعبارة تساويه لا بعبارة قائلة وذلك مما يتوسع فيه في حكاية الأقوال كقوله تعالى حكاية عن عيسى ( ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم ) فإن ما أمره الله به : أن اعبدوا الله ربك وربهم وذلك من خلاف مقتضى الظاهر دعا الله هنا قصد التنويه بالمؤمنين والعناية بزلفاهم عند الله فكأنه قيل : احسبوا أن نجعلهم في حالة حسنة ولكن هذا المأمول في حسبانهم هو في نفس الأمر حال المؤمنين لا حالهم . فأوجز الكلام وفهم السامع يبسطه .
والمواجه بهذا الكلام هم النبي والمؤمنون تكملة للغرض المبدأ به في قوله ( قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله ) .
على أن لك أن تجعل قوله تعالى ( كالذين آمنوا ) معترضا بين مفعولي ( نجعل ) وهما ضميرا الغائبين وجملة ( سواء محياهم ) أو ولفظ ( سواء ) في قراءة نصبه فلا يكون مرادا إدخاله في حسبان المشركين .
ويجوز على هذا أن يكون قوله ( كالذين آمنوا ) تهكما على المشركين في حسبانهم تأكيدا للإنكار عليهم .
ومن خلاف ظاهر التركيب ما قيل : إن مدلول ( سواء محياهم ومماتهم ) ليس من حسبان المشركين المنكور ولكنه كلام مستأنف والمعنى : أنه لما أنكر حسبان استواء الكافرين والمؤمنين خطر ببال السامع أن يسأل كيف واقع حال الفريقين فأجيب بأن حال محياهم وهو مقياس حال مماتهم أي حالهم في الآخرة مختلف كما هو في الدنيا مختلف فالمؤمنون يحيون في الإقبال على ربهم ورجاء فضله والكافرون يعيشون معرضين عن عبادة ربهم آيسين من البعث والجزاء . وهذا ليس عين الجواب ولكنه من الاكتفاء بعلة الجواب عن ذكره . والتقدير : حال الفريقين مختلف في الآخرة كما كان مختلفا في الحياة .
وجملة ( ساء ما يحكمون ) تذييل لما قبلها من إنكار حسبانهم وما اتصل بذلك الإنكار من المعاني