فكانت خاتمة هذه السورة خاتمة عزيزة المنال اشتملت على حسن براعة المقطع وبديع الإيجاز .
بسم الله الرحمن الرحيم .
سورة الجاثية .
A E سميت هذه السورة في كثير من المصاحف العتيقة بتونس وكتب التفسير وفي صحيح البخاري ( سورة الجاثية ) معرفا باللام .
وتسمى ( حم الجاثية ) لوقوع لفظ ( جاثية ) فيها ولم يقع في موضع آخر من القرآن واقتران لفظ ( الجاثية ) بلام التعريف في اسم السورة مع أن اللفظ المذكور فيها خلي عن لام التعريف لقصد تحسين الإضافة والتقدير : سورة هذه الكلمة أي السورة التي تذكر فيها هذه الكلمة وليس لهذا التعريف فائدة غير هذه . وذلك تسمية حم غافر وحم الزخرف .
وتسمى ( سورة شريعة ) لوقوع لفظ ( شريعة ) فيها ولم يقع في موضع آخر من القرآن .
وتسمى ( سورة الدهر ) لوقوع ( وما يهلكنا إلا الدهر ) فيها ولم يقع لفظ الدهر في ذوات حم الأخر .
وهي مكية قال ابن عطية : بلا خلاف وفي القرطبي عن ابن عباس وقتادة استثناء قوله تعالى ( قل للذين آمنوا يغفروا ) إلى ( بما كانوا يكسبون ) نزلت بالمدينة . وعن ابن عباس أنها نزلت عن عمر بن الخطاب شتمه رجل من المشركين بمكة فأراد أن يبطش به فنزلت .
وهي السورة الرابعة والستون في ترتيب نزول السور عند جابر بن زيد نزلت بعد سورة الدخان وقبل الأحقاف .
وعدد آيها في عد المدينة ومكة والشام والبصرة ست وثلاثون . وفي عد الكوفة سبع وثلاثون لاختلافهم في عد لفظ ( حم ) آية مستقلة .
أغراضها .
الابتداء بالتحدي بإعجاز القرآن وأنه جاء بالحق توطئة لما سيذكر بأنه حق كما اقتضاه قوله ( تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق ) .
وإثبات انفراد الله تعالى بالإلهية بدلائل ما في السماوات والأرض من آثار خلقه وقدرته في جواهر الموجودات وأعراضها وإدماج ما فيها مع ذلك من نعم يحق على الناس شكرها لا كفرها .
ووعيد الذين كذبوا على الله والتزموا الآثام بالإصرار على الكفر والإعراض عن النظر في آيات القرآن والاستهزاء بها .
والتنديد على المشركين إذ اتخذوا آلهة على حسب أهوائهم وإذ جحدوا البعث وتهديدهم بالخسران يوم البعث ووصف أهوال ذلك وما أعد فيه من العذاب للمشركين ومن رحمة للمؤمنين .
ودعاء المسلمين للإعراض عن إساءة الكفار لهم والوعد بأن الله سيخزي المشركين .
ووصف بعض أحوال يوم الجزاء . ونظر الذين أهملوا النظر في آيات الله مع تبيانها وخالفوا على رسولهم صلى الله عليه وسلم فيما فيه صلاحهم بحال بني إسرائيل في اختلافهم في كتابهم بعد أن جاءهم العلم وبعد أن اتبعوه فما ظنك بمن خالف آيات الله من أول وهلة تحذيرا لهم من أن يقعوا فيما وقع فيه بنو إسرائيل من تسليط الأمم عليهم وذلك تحذير بليغ .
وذلك تثبيت للرسول صلى الله عليه وسلم بأن شأن شرعه مع قومه كشأن شريعة موسى لا تسلم من مخالف وأن ذلك لا يقدح فيها ولا في الذي جاء بها وأن لا يعبأ بالمعاندين ولا بكثرتهم إذ لا وزن لهم عند الله .
حم [ 1 ] ) تقدم القول في نظائره وهذه جملة مستقلة .
( تنزيل الكتب من الله العزيز الحكيم [ 2 ] ) استئناف ابتدائي وهو جملة مركبة من مبتدأ وخبر .
( الكتاب ) هو المعهود وهو ما نزل من القرآن إلى تلك الساعة .
والمقصود : إثبات أن القرآن موحى به من الله إلى رسوله صلى الله عليه وسلم فكان مقتضى الظاهر أن يجعل القرآن مسندا إليه ويخبر عنه فيقال القرآن منزل من الله العزيز الحكيم لأن كونه منزلا من الله هو محل الجدال فيقتضي أن يكون هو الخبر ولو أذعنوا لكونه تنزيلا لما كان منهم نزاع في أن تنزيله من الله ولكن خولف مقتضى الظاهر لغرضين : أحدهما : التشويق إلى تلقي الخبر لأنهم إذا سمعوا الابتداء بتنزيل الكتاب استشرفوا إلى ما سيخبر عنه ؛ فأما الكافرون فيترقبون أنه سيلقى إليهم وصف جديد لأحوال تنزيل الكتاب فيتهيأون لخوض جديد من جدالهم وعنادهم والمؤمنون يترقبون لما يزيدهم يقينا بهذا التنزيل