والخشوع : التذلل وهو مستعار لحال الأرض إذا كانت مقحطة لا نبات عليها لأن حالها في تلك الخصاصة كحال المتذلل وهذا من تشبيه المحسوس بالمعقول باعتبار ما يتخيله الناس من مشابهة اختلاف حالي القحولة والخصب بحالي التذلل والازدهاء .
والاهتزاز حقيقته : مطاوعة هزه إذا حركه بعد سكونه فتحرك . وهو هنا مستعار لربو وجه الأرض بالنبات شبه حال إنباتها وارتفاعها بالماء والنبات بعد أن كانت منخفضة خامدة بالاهتزاز .
ويؤخذ من مجموع ذلك أن هذا التركيب تمثيل شبه حال قحولة الأرض ثم إنزال الماء عليها وانقلابها من الجدوبة إلى الخصب والإنبات البهيج بحال شخص كان كاسف البال رث اللباس فأصابه شيء من الغنى فلبس الزينة واختال في مشيته زهوا ولذا يقال : هز عطفيه إذا اختال في مشيته .
وفي قوله ( خاشعة ) و ( اهتزت ) مكنية بأن شبهت بشخص كان ذليلا ثم صار مهتزا لعطفيه ورمز إلى المشبه بهما بذكر رديفيهما . فهذا من أحسن التمثيل وهو الذي يقبل تفريق أجزائه في أجزاء التشبيه .
وعطف ( وربت ) على ( اهتزت ) لأن المقصود من الاهتزاز هو ظهور النبات عليها وتحركه . والمقصود بالربو : انتفاخها بالماء واعتلاؤها .
وقرأ أبو جعفر ( وربأت ) بهمزة بعد الموحدة من ( ربأ ) بالهمز إذا ارتفع .
.
وقرأ أبو جعفر ( وربأت ) بهمزة بعد الموحدة من ( ربأ ) بالهمز إذا ارتفع .
( إن الذي أحياها لمحي الموتى إنه على كل شيء قدير [ 39 ] ) إدماج لإثبات البعث في أثناء الاستدلال على تفرده تعالى بالخلق والتدبير ووقوعه على عادة القرآن في التفنن وانتهاز فرص الهدى إلى الحق .
والجملة استئناف ابتدائي والمناسبة مشابهة الإحياءين وحرف التوكيد لمراعاة إنكار المخاطبين إحياء الموتى .
وتعريف المسند إليه بالموصولية لما في الموصول من تعليل الخبر وشبه إمداد الأرض بماء المطر الذي هو سبب انبثاق البزور التي في باطنها التي تصير نباتا بإحياء الميت فأطلق على ذلك ( أحياها ) على طريق الاستعارة التبعية ثم ارتقي من ذلك إلى جعل ذلك الذي سمي إحياء لأنه شبيه الإحياء دليلا على إمكان إحياء الموتى بطريقة قياس الشبه وهو المسمى في المنطق قياس التمثيل بحجة قطعية بل هو إقناعي ولكنه هنا يصير حجة لأن المقيس عليه وإن كان أضعف من المقيس إذ المشبه لا يبلغ قوة المشبه به فالمشبه به حيث كان لا يقدر على فعله إلا الخالق الذي اتصف بالقدرة التامة لذاته فقد تساوى فيه قويه وضعيفه وهم كانوا يحيلون إحياء الأموات استنادا للاستبعاد العادي فلما نظر إحياء الأموات بإحياء الأرض المشبه تم الدليل الاقناعي المناسب لشبهتهم الإقناعية . وقد أشار إلى هذا تذييله بقوله ( إنه على كل شيء قدير ) .
( إن الذين يلحدون في آياتنا لا يخفون علينا ) استئناف ابتدائي قصد به تهديد الذين أهملوا الاستدلال بآيات الله على توحيده .
وقوله ( لا يخفون علينا ) مراد به الكناية عن الوعيد تذكيرا لهم بإحاطة علم الله بكل كائن وهو متصل المعنى بقوله آنفا ( وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ) الآية .
والإلحاد حقيقته : الميل عن الاستقامة والآيات تشمل الدلائل الكونية المتقدمة في قوله ( قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين ) وقوله ( ومن آياته الليل والنهار ) الخ . وتشمل الآيات القولية المتقدمة في قوله ( وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه ) .
A E فالإلحاد في الآيات مستعار للعدول والانصراف عن دلالة الآيات الكونية على ما دلت عليه . والإلحاد في الآيات القولية مستعار للعدول عن سماعها وللطعن في صحتها وصرف الناس عن سماعها .
وحرف ( في ) من قوله تعالى ( في آيتنا ) للظرفية المجازية لإفادة تمكن إلحادهم حتى كأنه مظروف في آيات الله حيثما كانت أو كلما سمعوها .
ومعنى نفي خفائهم : نفي خفاء إلحادهم لا خفاء ذواتهم إذ لا غرض في العلم بذواتهم .
( أفمن يلقى في النار أم من يأتي آمنا يوم القيامة ) تفريع على الوعيد في قوله ( لا يخفون علينا ) لبيان أن الوعيد بنار جهنم تعريض بالمشركين بأنهم صائرون إلى النار وبالمؤمنين بأنهم آمنون من ذلك . والاستفهام تفريع مستعمل في التنبيه على تفاوت المرتبتين