الرابع : حمله على الخصوصية . ومذهب الشافعي أنه يعمل بذلك في الحد للضرورة كالمرض وهو غريب لأن أحاديث النبي A وأقوال السلف متضافرة على أن المريض والحمل ينتظران في إقامة الحد عليهما حتى يبرآ ولم يأمر النبي A بأن تضرب الحامل بشماريخ فماذا يفيد هذا الضرب الذي لا يزجر مجرما ولا يدفع مأثما وفي أحكام الجصاص عن أبي حنيفة مثل ما للشافعي . وحكى الخطابي أن أبا حنيفة ومالكا اتفقا على أنه لا حد إلا الحد المعروف . فقد اختلف النقل عن أبي حنيفة .
( إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب [ 44 ] ) علة لجملة ( اركض برجلك ) وجملة ( ووهبنا له أهله ) أي أنعمنا عليه بجبر حاله لأنا وجدناه صابرا على ما أصابه فهو قدوة للمأمور بقوله ( اصبر على ما يقولون ) A فكانت ( إن ) مغنية عن فاء التفريغ .
ومعنى ( وجدناه ) أنه ظهر في صبره ما كان في علم الله منه .
وقوله ( نعم العبد إنه أواب ) مثل قوله في سليمان ( نعم العبد إنه أواب ) فكان سليمان أوابا لله من فتنة الغني والنعيم وأيوب أوابا لله من فتنة الضر والاحتياج وكان الثناء عليهما متماثلا لاستوائهما في الأوبة وإن اختلفت الدواعي . قال سفيان : أثنى الله على عبدين ابتليا : أحدهما صابر والآخر شاكر ثناء واحدا . فقال لأيوب ولسليمان ( نعم العبد إنه أواب ) .
( واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار [ 45 ] إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار [ 46 ] وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار [ 47 ] ) القول فيه كالقول في نظائره لغة ومعنى .
وذكر هؤلاء الثلاثة ذكر اقتداء وائتساء بهم فأما إبراهيم عليه السلام فيما عرف من صبره على أذى قومه وإلقائه في النار وابتلائه بتكليف ذبح ابنه وأما ذكر إسحاق ويعقوب فاستطراد بمناسبة ذكر إبراهيم ولما اشتركا به من الفضائل مع أبيهم التي يجمعها اشتراكهم في معنى قوله ( أولي اليدي والأبصار ) ليقتدي النبي A بثلاثتهم في القوة في إقامة الذين والبصيرة في حقائق الأمور .
وابتدئ بإبراهيم لتفضيله بمقام الرسالة والشريعة وعطف عليه ذكر ابنه وعطف على ابنه ابنه يعقوب .
وقرأ الجمهور ( واذكر عبادنا ) بصيغة الجمع على أن ( إبراهيم ) ومن عطف عليه كله عطف بيان . وقرأ ابن كثير ( عبدنا ) بصيغة الإفراد على أن يكون ( إبراهيم ) عطف بيان من ( عبدنا ) . ومآل القراءتين متحد .
والأيدي : جمع يد بمعنى القوة في الدين . كقوله تعالى ( والسماء بنيناها بأيد ) في سورة الذاريات .
والأبصار : جمع بصر بالمعنى المجازي وهو النظر الفكري المعروف بالبصيرة أي التبصر في مراعاة أحكام الله تعالى وتوخي مرضاته .
وجملة ( إنا أخلصناهم ) علة للأمر بذكرهم لأن ذكرهم يكسب الذاكر الاقتداء بهم في إخلاصهم ورجاء الفوز بما فازوا به من الاصطفاء والأفضلية في الخير .
A E و ( أخلصناهم ) : جعلناهم خالصين فالهمزة للتعدية أي طهرناهم من درن النفوس فصارت نفوسهم نقية من العيوب العارضة للبشر وهذا الإخلاص هو معنى العصمة اللازمة للنبوة .
والعصمة : قوة يجعلها الله في نفس النبي تصرفه عن فعل ما هو في دينه معصية لله تعالى عمدا أو سهوا وعما هو موجب للنفرة والاستصغار عند أهل العقول الراجحة من أمة عصره .
وأركان العصمة أربعة : الأول : خاصية للنفس يخلقها الله تعالى تقتضي ملكة مانعة من العصيان .
والثاني : حصول العلم بمثالب المعاصي ومناقب الطاعات .
الثالث : تأكيد ذلك العلم بتتابع الوحي والبيان من الله تعالى .
الرابع : العتاب من الله على ترك الأولى وعلى النسيان .
وإسناد الإخلاص إلى الله تعالى لأنه أمر لا يحصل للنفس البشرية إلا بجعل خاص من الله تعالى وعناية لدنية بحيث تنزع من النفس غلبة الهوى في كل حال وتصرف النفس إلى الخير المحض فلا تبقى في النفس إلا نزعات خفيفة تقلع النفس عنها سريعا بمجرد خطورها قال النبي A " إني ليغان على قلبي فأستغفر الله في اليوم سبعين مرة "