ووصفه ب ( بارد ) إيماء إلى أن به زوال ما بأيوب من الحمى من القروح . قال النبي A ( الحمى من فيح جهنم فأطفئوها بالماء ) أي نافع شاف وبالتنوين استغني عن وصف ( شراب ) إذ من المعلوم أن الماء شراب فلولا إرادة التعظيم بالتنوين لكان الإخبار عن الماء بأنه شراب إخبارا بأمر معلوم ومرجع تعظيم ( شراب ) إلى كونه عظيما لأيوب وهو شفاء ما به من مرض .
( ووهبنا له أهله ومثلهم معهم رحمة منا وذكرى لأولي الألباب [ 43 ] ) اقتصار أيوب في دعائه على التعريض بإزالة النصب والعذاب يشعر بأنه لم يصب بغير الضر في بدنه . ويحتمل أن يكون قد أصابه تلف المال وهلاك العيال كما جاء في كتاب أيوب من كتب اليهود فيكون اقتصاره على النصب والعذاب في دعائه لأن في هلاك الأهل والمال نصبا وعذابا للنفس .
ولم يتقدم في هذه الآية ولا في آية سورة الأنبياء أن أيوب رزئ أهله فيجوز أن يكون معنى ( ووهبنا له أهله ومثلهم معهم ) أن الله أبقى له أهله فلم يصب فيهم بما يكره وزاده بنين وحفدة .
ويكون فعل ( وهبنا ) مستعملا في حقيقته ومجازه . ويؤيد هذا المحمل وقوع كلمة ( معهم ) عقب كلمة ( ومثلهم ) فإن ( مع ) تشعر بان الموهوب لاحق بأهله ومزيد فيهم فليس في الآية تقدير مضاف في قوله ( ووهبنا له أهله ) .
وليس في الأخبار الصحيحة ما يخالف هذا إلا أقوالا عن المفسرين ناشئة عن أفهام مختلفة .
ويحتمل ن يكون مما أصابه أنه هلك وأولاده في مده في مدة ضره كما جاء في كتاب أيوب من كتب اليهود وأقوال بعض السلف من المفسرين فيتعين تقدير مضاف أي وهبنا له عوض أهله .
وألفاظ الآية تنبو عن هذا الوجه الثاني .
ومعنى ( ومثلهم ) مماثلهم . والمراد : مماثل عددهم أي ضعف عدد أهله من بنين وحفدة .
وتقدم نظير هذه الآية في قوله تعالى ( وآتيناه أهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا وذكرى للعابدين ) في سورة الأنبياء . وما بين الآيتين من تغيير يسير هو مجرد تفنن في التعبير لا يقتضي تفاوتا في البلاغة . وأما ما بينهما من مخالفة في قوله هنا ( وذكرى لأولي الألباب ) وقوله في سورة الأنبياء ( وذكرى للعابدين ) فأما قوله هنا ( وذكرى لأولي الألباب ) فإن الذكرى التذكير بما خفي أو بما يخفى وأولوا الألباب هم أهل العقول أي تذكرة لأهل النظر والاستدلال . فإن في قصة أيوب مجملها ومفصلها ما إذا سمعه العقلاء المعتبرون بالحوادث والقائسون على النظائر استدلوا على أن صبره قدوة لكل من هو في حرج ن ينتظر الفرج فلما كانت قصص الأنبياء في هذه السورة مسوقة للاعتبار بعواقب الصابرين وكان النبي A والمسلمون مأمورين بالاعتبار بها من قوله ( اصبر على ما يقولون واذكر عبدنا داود ذا الأيد ) كما تقدم حق أن يشار إليهم ( بأولي الألباب ) .
A E وأما الذي في سورة الأنبياء فإنه جيء به شاهدا على أن النبوة لا تنافي البشرية وأن الأنبياء تعتريهم من الأحداث ما يعتري البشر مما لا ينقص منهم في نظر العقل والحكمة وأنهم إنما يقومون بأمر الله ابتداء من قوله تعالى ( وما أرسلنا قبلك إلا رجالا يوحى إليهم ) وأنهم معرضون لأذى الناس مما لا يخل بحرمتهم الحقيقية وأقصى ذلك الموت . من قوله ( وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون ) .
وإذ كان المشركون يقولون ( نتربص به ريب المنون ) وحاولوا قتله غير مرة فعصمه الله ثم من قوله ( ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون ) ثم قال ( ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياء وذكرى للمتقين الذين يخشون ربهم بالغيب وهم من الساعة مشفقون ) وذكر من الأنبياء من ابتلي من قومه فصبر وكيف كانت عاقبة صبرهم واحدة مع اختلاف الأسباب الداعية إليه . فكانت في ذلك آيات للعابدين أي الممتثلين أمر الله المجتنبين نهيه فإن مما أمر به الله الصبر على ما يلحق المرء من ضر لا يستطيع دفعه لكون دفعه خارجا عن طاقته فختم بخاتمة ( إن في هذا لبلاغا لقوم عابدين ) .
( وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث )