و ( من شيء ) بيان لما في ( ما ) من العموم وجملة ( وهو خير الرازقين ) تذييل للترغيب والوعد بزيادة لبيان أن ما يخلفه أفضل مما أنفقه المنفق . ( خير ) بمعنى أخير لأن الرزق الواصل من غيره تعالى إنما هو من فضله أجراه على يد بعض مخلوقاته فإذا كان تيسيره برضى من الله على المرزوق ووعد به كان ذلك أخلق بالبركة والدوام وظاهر الآية أن إخلاف الرزق يقع في الدنيا وفي الآخرة .
والمراد بالإنفاق : الإنفاق المرغب فيه في الدين كالإنفاق على الفقراء والإنفاق في سبيل الله بنصر الدين . روى مالك عن النبي A أنه قال " يقول الله تعالى : يا بن آدم أنفق أنفق عليك " . قال ابن العربي : قد يعوض مثله أو أزيد وقد يعوض ثوابا وقد يدخر له وهو كالدعاء في وعد الإجابة " اه . قلت : وقد يعوض صحة وقد يعوض تعميرا . ولله في خلقه أسرار .
( ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون [ 40 ] قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون [ 41 ] ) A E عطف على جملة ( ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم ) الآية استكمالا لتصوير فضاعة حالهم يوم الوعد الذي أنكروه تبعا لما وصف من حال مراجعة المستكبرين منهم والمستضعفين فوصف هنا افتضاحهم بتبرؤ الملائكة منهم وشهادتهم عليهم بأنهم يعبدون الجن .
وضمير الغيبة من " نحشرهم " عائد إلى ما عاد عليه ضمير ( وقالوا نحن أكثر أموالا وأولادا ) الذي هو عائد إلى ( الذين كفروا ) من قوله ( وقال الذين كفروا لن نؤمن بهذا القرآن ) . والكلام كله منتظم في أحوال المشركين ,جميع : فعيل بمعنى مفعول أي مجموع وكثر استعماله وصفا لإفادة شمول أفراد ما أجرى هو عليه من ذوات وأحوال أي يجمعهم المتكلم قال لبيد : .
عريت وكان بها الجميع فأبكروا ... منها وغودر نؤيها وثمامها وتقدم عند قوله تعالى ( فيكيدوني جميعا ثم لا ينظرون ) في سورة هود . فلفظ ( جميعا ) يعم أصناف المشركين على اختلاف نحلهم واعتقادهم في شركهم فقط كان مشركو العرب نحلا شتى يأخذ بعضهم من بعض وما كانوا يحققون مذهبا منتظم العقائد والأقوال غير مخلوط بما ينافي بعضه بعضا .
والمقصد من هذه الآية إبطال قولهم في الملائكة إنهم بنات الله وقولهم ( لو شاء الرحمن ما عبدناهم ) كما في سورة الزخرف . وكانوا يخلطون بين الملائكة والجن ويجعلون بينهم نسبا فكانوا يقولون : الملائكة بنات الله من سروات الجن . وقد كان حي من خزاعة يقال لهم : بنو مليح بضم الميم وفتح اللام وسكون التحتية يعبدون الجن والملائكة . والاقتصادر على تقرير الملائكة واستشهادهم على المشركين لأن إبطال إلهية الملائكة يفيد إبطال إلهية ما هو دونه ممن أعيد من دون الله بدلالة الفحوى أي بطريق الأولى فإن ذلك التقرير من أجل ما جعل الحشر لأجله .
وتوجيه الخطاب إلى الملائكة بهذا الاستفهام مستعمل بالتعريض بالمشركين على طرقة المثل " إياك أعني واسمعي يا جارة " .
والإشارة ب ( هؤلاء ) إلى فريق كانوا عبدوا الملائكة والجن ومن شايعهم على أقوالهم من بقية المشركين .
وتقديم المفعول على ( يعبدون ) للاهتمام والرعاية على الفاصلة .
وحكي قول الملائكة بدون عاطف لوقوعه في المحاورة كما تقدم غير مرة ولذلك جيء فيه بصيغة الماضي لأن ذلك هو الغالب في الحكاية .
وجواب الملائكة يتضمن إقرار مع التنزه عن لفظ كونهم معبودين كما يتنزه من يحكي كفر أحد فيقول قال : هو مشرك بالله وإنما القائل قال : أنا مشرك بالله .
فمورد التنزيه في قول الملائكة ( سبحانك ) هو أن يكون غير الله مستحقا أن يعبد مع لازم الفائدة وهو أنهم يعلمون ذلك فلا يضرون بأن يكونوا معبدودين .
والولي : الناصر والحليف والصديق مشتق من الولي مصدر ولي بوزن علم وكل من فاعل الولي وفعيلا صالحا لمعنى فاعلا ولمعنى مفعول . فيقع اسم الولي على الموالى بكسر اللام وعلى الموالي بفتحها وقد ورد بالمعنيين في القرآن وكلام العرب كثيرا