( إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجدا وسبحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون [ 15 ] تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون [ 16 ] فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون [ 17 ] ) استئناف ناشئ عن قوله ( أم يقولون افتراه ) الآية تفرغ المقام له بعد أن أنحى بالتقريع والوعيد للكافرين على كفرهم بلقاء الله بما أفادت اسمية جملة ( بل هم بلقاء ربهم كافرون ) من أنهم ثابتون على الكفر بلقاء الله دائمون عليه وهو مما أنذرتهم به آيات القرآن فالتكذيب بلقاء الله تكذيب بما جاء به القرآن فهم لا يؤمنون وإنما يؤمن بآيات الله الذين ذكرت أوصافهم هنا .
والمراد بالآيات هنا آيات القرآن بقرينة قوله ( الذين إذا ذكروا بها ) بتشديد الكاف أي أعيد ذكرها عليهم وتكررت تلاوتها على مسامعهم .
ومفاد ( إنما ) قصر إضافي أي يؤمن بآيات الله الذين إذا ذكروا بها تذكيرا بما سبق لهم سماعه لم يتريثوا عن إظهار الخضوع لله دون الذين قالوا ( أإذا ضللنا في الأرض إنا لفي خلق جديد ) وهذا تأييس للنبي صلى الله عليه وسلم من إيمانهم وتعريض بهم بأنهم لا ينفعون المسلمين بإيمانهم ولا يغيظونهم بالتصلب في الكفر .
A E وأوثرت صيغة المضارع في ( إنما يؤمن ) لما تشعر به من أنهم يتجددون في الإيمان ويزدادون يقينا وقتا فوقتا كما تقدم في قوله تعالى ( الله يستهزئ بهم ) في سورة البقرة وإلا فإن المؤمنين قد حصل إيمانهم فيما مضى ففعل المضي آثر بحكاية حالهم في الكلام التداول لولا هذه الخصوصية ولهذا عرفوا بالموصولية والصلة الدال معناها على أنهم راسخون في الإيمان فعبر عن إبلاغهم آيات القرآن وتلاوتها على أسماعهم بالتذكير المقتضي أن ما تتضمنه الآيات حقائق مقررة عندهم لا يفادون بها فائدة لم تكن حاصلة في نفوسهم ولكنها تكسبهم تذكيرا ( فإن الذكرى تنفع المؤمنين ) . وهذه الصفة التي تضمنتها الصلة هي حالهم التي عرفوا بها لقوة إيمانهم وتميزوا بها عن الذين كفروا وليست تقتضي أن من لم يسجدوا عند سماع الآيات ولم يسبحوا بحمد ربهم من المؤمنين ليسوا ممن يؤمنون ولكن هذه حالة أكمل الإيمان وهي حالة المؤمنين مع النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ عرفوا بها وهذا كما تقول للسائل عن علماء البلد : هم الذين يلبسون عمائم صفتها كذا . جاء في ترجمة مالك بن أنس أنه ما أفتى حتى أجازه سبعون محنكا أي عالما يجعل شقة من عمامته تحت حنكه وهي لبسة أهل الفقه والحديث . قال مالك C : قلت لأمي : أذهب فأكتب العلم فقلت : تعال فالبس ثياب العلم . فألبستني ثيابا مشمرة ووضعت الويلة على رأسي وعممتني فوقها .
والخرور : الهوي من علو إلى سفل .
والسجود : وضع الجبهة على الأرض إرادة التعظيم والخضوع .
وانتصب ( سجدا ) على الحال المبينة للقصد من ( خروا ) أي سجدا لله وشكرا له على ما حباهم به من العلم والإيمان كما دل عليه قرنه بقوله ( وسبحوا بحمد ربهم ) . والباء فيه للملابسة وتقدم في سورة الإسراء ( إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا ) .
ودلت الجملة الشرطية على اتصال تعلق حصول الجواب بحصول الشرط وتلازمهما .
وجيء في نفي التكبر عنهم بالمسند الفعلي لإفادة اختصاصهم بذلك أي دون المشركين الذين كان الكبر خلقهم فهم لا يرضون لأنفسهم بالانقياد للنبي منهم وقالوا ( لولا انزل علينا الملائكة أو نرى ربنا لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوا كبيرا ) .
وقوله تعالى ( وهم لا يستكبرون ) موضع سجدة من سجدات تلاوة القرآن رجاء أن يكون التالي من أولئك الذين أثنى الله عليهم بأنهم إذا ذكروا بآيات الله سجدوا فالقارئ يقتدي بهم .
وجملة ( تتجافى جنوبهم ) حال من الموصول أي الذين إذا ذكروا بها خروا ومن حالهم تتجافى جنوبهم عن المضاجع أو استئناف .
وجيء فيها بالمضارع لإفادة تكرر ذلك وتجدده منهم في أجزاء كثيرة من الأوقات المعدة لاضطجاع وهي الأوقات التي الشأن فيها النوم