و ( الذين لا يعلمون ) مراد بهم الذين كفروا أنفسهم فعدل الإضمار لزيادة وصفهم بانتفاء العلم عنهم بعد أن وصفوا : بالمجرمين والذين ظلموا والذين كفروا .
( فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون [ 60 ] ) الأمر للنبي A بالصبر تفرغ على جملة ( ولئن جئتهم بآية ) لتضمنها تأييسه من إيمانهم .
وحذف متعلق الأمر بالصبر لدلالة المقام عليه أي اصبر على تعنتهم .
وجملة ( إن وعد الله حق ) تعليل للأمر بالصبر وهو تأنيس للنبي A بتحقيق وعد الله من الانتقام من المكذبين ومن نصر الرسول E .
والحق : مصدر حق يحق بمعنى ثبت فالحق : الثابت الذي لا ريب فيه ولا مبالغة .
والاستخفاف : مبالغة في جعله خفيفا فالسين والتاء للتقوية مثلها في نحو : استجاب واستمسك وهو ضد الصبر . والمعنى : لا يحملنك على ترك الصبر .
والخفة مستعارة لحالة الجزع وظهور آثار الغضب . وهي مثل القلق المستعار من اضطراب الشيء لأن آثار الجزع والغضب تشبه تقلقل الشيء الخفيف فالشيء الخفيف يتقلقل بأدنى تحريك وفي ضده يستعار الرسوخ والتثاقل . وشاعت هذه الاستعارات حتى ساوت الحقيقة في الاستعمال .
ونهي الرسول عن أن يستخفه الذين لا يوقنون نهي عن الخفة التي من شأنها أن تحدث للعاقل إذا رأى عناد من هو يرشده إلى الصلاح وذلك مما يستفز غضب الحلم فالاستخفاف هنا هو أن يؤثروا في نفسه ضد الصبر ويأتي قوله تعالى ( فاستخف قومه فأطاعوه ) في سورة الزخرف فانظره إكمالا لما هنا .
وأسند الاستخفاف إليهم على طريقة المجاز العقلي لأنهم سببه بما يصدر من عنادهم .
والذين لا يوقنون : هم المشركون الذين أجريت عليهم الصفات المتقدمة من الإجرام والظلم والكفر وعدم العلم فهو إظهار في مقام الإضمار للتصريح بمساويهم . قيل : كان منهم النضر بن الحارث .
ومعنى ( لا يوقنون ) أنهم لا يوقنون بالأمور اليقينية أي التي دلت عليها الدلائل القطعية فهم مكابرون .
بسم الله الرحمن الرحيم .
سورة لقمان .
سميت هذه السورة بإضافتها إلى لقمان لأن فيها ذكر لقمان وحكمته وجملا من حكمته التي أدب بها ابنه . وليس لها اسم غير هذا الاسم وبهذا الاسم عرفت بين القراء والمفسرين . ولم أقف على تصريح به فيما يروى عن رسول الله A بسند مقبول .
وروى البيهقي في دلائل النبوة عن ابن عباس : أنزلت سورة لقمان بمكة .
وهي مكية كلها عند ابن عباس في أشهر قوليه وعليه إطلاق جمهور المفسرين وعن ابن عباس من رواية النحاس استثناء ثلاث آيات من قوله تعالى ( ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام ) إلى قوله ( بما تعملون خبير ) . وعن قتادة إلا آيتين إلى قوله ( إن الله سميع بصير ) . وفي تفسير الكواشي حكاية قول إنها مكية عدا آية نزلت بالمدينة وهي ( الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون ) قائلا لأن الصلاة والزكاة فرضت بالمدينة . ورده البيضاوي على تسليم ذلك بأن فرضها بالمدينة لا ينافي تشريعها بمكة على غير إيجاب . والمحقوق يمنعون أن تكون الصلاة والزكاة فرضتا بالمدينة فأما الصلاة فلا ريب في أنها فرضت على الجملة بمكة وأما الزكاة ففرضت بمكة دون تعيين أنصباء ومقادير ثم عينت الأنصباء والمقادير بالمدينة .
ويتحصل من هذا أن القائل بأن آية ( الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ) إلى آخرها نزلت بالمدينة قاله من قبل رأيه وليس له سند يعتمد كما يؤذن به قوله لأن الصلاة والزكاة الخ . ثم هو يقتضي أن يكون صدر سورة النازل بمكة ( هدى ورحمة للمحسنين ) ( وأولئك على هدى من ربهم ) الخ ثم ألحق به ( الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون )