والبسط : مستعمل مجازا في السعة والكثرة .
( ويقدر ) مضارع قدر المتعدي وهو بمعنى : أعدى بمقدار وهو مجاز في القلة لأن التقدير يستلزم قلة المقدر لعسر تقدير الشيء الكثير قال تعالى ( ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها ) .
وفائدة البيان بقوله ( من عباده ) الإيماء إلى أنه في بسطة الأرزاق وقدرها متصرف تصرف المالك في ملكه إذ المبسوط لهم والمقدور عليهم كلهم عبيده فحقهم الرضى بما لهم مولاهم .
ومعنى ( لو لا ان من الله علينا لخسف بنا ) : لولا أن من الله علينا فحفظنا من رزق كرزق قارون لخسف بنا أي لكنا طغينا مثل طغيان قارون فخسف بنا كما خسف به أو لو لا أن من الله علينا بأن لم نكن من شيعته قارون لخسف بنا كما خسف به وبصاحبيه أو لولا أن من الله علينا بثبات الإيمان .
وقرأ الجمهور ( لخسف بنا ) على بناء فعل ( خسف ) للمجهول للعلم بالفاعل من قولهم : لولا أن من الله علينا . وقرأه يعقوب بفتح الخاء والسين أي لخسف الله الأرض بنا .
وجملة ( ويكأنه لا يفلح الكافرون ) تكرير للتعجب أي قد تبين أن سبب هلاك هو كفره برسول الله .
( تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين [ 83 ] ) A E انتهت قصة قارون بما فيها من العبر من خير وشر فأعقبت باستئناف كلام عن الجزاء على الخير وضده في الحياة الأبدية وأنها معدة للذين حالهم بضد حال قارون مع مناسبة ذكر الجنة بعنوان الدار لذكر الخسف بدار قارون للمقابلة بين دار زائلة ودار خالدة .
وابتدئ الكلام بابتداء مشوق وهو اسم الإشارة إلى غير مذكور من قبل ليستشرف السامع إلى معرفة المشار إليه فيعقبه بيانه بالاسم المعرف باللام الواقع بيانا أو بدلا من اسم الإشارة كما في قوله عبيدة بن الأبرص : .
تلك عرسي غضبى تريد زيالي ... ألبين تريد أم لدلال . . الأبيات .
وجملة ( نجعلها ) هو خبر المبتدأ وكاف الخطاب الذي في اسم الإشارة غير مراد به مخاطب معين موجه إلى كل سامع من قراء القرآن . ويجوز أن يكون خطابا للنبي ( ص ) والمقصود تبليغه إلى الأمة شأن جميع آي القرآن .
والدار : محل السكنى كقوله تعالى ( لهم دار السلام عند ربهم ) في الأنعام . وأما إطلاق الدار على جهنم في قوله تعالى ( وأحلوا قومهم دار البوار ) فهو تهكم كقوله أبي الغول الطهوي : .
ولا يرعون أكناف الهوينا ... إذا نزلوا ولا روض الهدون فاستعمال الروض للهدون تهكم لأن المقام مقام تعريض .
والآخرة : مراد به الدائمة أي التي لا دار بعدها فاللفظ مستعمل في صريح معناه وكنايته .
ومعنى جعلها لهم أنها محضرة لأجلهم ليس لهم غيرها . وأما من عداهم فلهم أحوال ذات مراتب أفصحت عنها آيات أخرى وأخبار نبوية فإن أحكام الدين لا يقتصر في استنباطها على لوك كلمة واحدة .
وعن الفضيل بن عياض أنه قرأ هذه الآية ثم قال : ذهبت الأماني ههنا أي أماني الذين يزعمون أنه لا يضر مع الإيمان شيء وأن المؤمنين كلهم ناجون من العقاب وهذا قول المرجئة قال قائلهم : .
كن مسلما ومن الذنوب فلا تخف ... حاشا المهيمن أن يري تنكيدا .
لو شاء أن يصليك نار جهنم ... ما كان ألهم قلبك التوحيدا ومعنى ( لا يريدون ) كناية عن : لا يفعلون لأن من لا يريد الفعل لا يفعله إلا مكرها . وهذا من باب ( ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ) كما تقدم في أول هذه السورة .
والعلو : التكبر عن الحق وعلى الخلق والطغيان في الأعمال والفساد : ضد الصلاح وهو كل فعل مذموم في الشريعة أو لدى أهل العقول الراجحة .
وقوله ( والعاقبة للمتقين ) تذييل وهو معطوف على جملة ( تلك الدار ) وبه صارت جملة ( تلك الدار ) كلها تذييلا لما اشتملت عليه من إثبات الحكم للعام بالموصول من قوله ( للذين لا يريدون علوا في الأرض ) والمعرف بلام الاستغراق .
والعاقبة : وصف عومل معاملة الأسماء لكثرة الوصف به وهي الحالة الآخرة بعد حالة سابقة وغلب إطلاقها على عاقبة الخير . وتقدم عند قوله تعالى ( فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين ) في أول الأنعام