( وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون [ 227 ] ) .
ناسب ذكر الظلم أن ينتقل منه إلى وعيد الظالمين وهم المشركون الذين ظلموا المسلمين بالأذى والشتم بأقوالهم وأشعارهم . وجعلت هذه الآية في موقع التذييل فاقتضت العموم في مسمى الظلم الشامل للكفر وهو ظلم المرء نفسه وللمعاصي القاصرة على النفس كذلك وللاعتداء على حقوق الناس . وقد تلاها أبو بكر في عهده إلى عمر بالخلافة بعده والواو اعتراضية للاستئناف .
وهذه الآية تحذير من غمص الحقوق وحث عن استقصاء الجهد في النصح للأمة وهي ناطقة بأهيب موعظة وأهول وعيد لمن تدبرها لما اشتملت عليه من حرف التنفيس المؤذن بالاقتراب ومن اسم الموصول المؤذن بأن سوء المنقلب يترقب الظالمين لأجل ظلمهم ومن الإبهام في قوله ( أي منقلب ينقلبون ) إذ ترك تبيينه بعقاب معين لتذهل نفوس الموعدين في كل مذهب ممكن من هول المنقلب وهو على الإجمال منقلب سوء .
والمنقلب : مصدر ميمي من الانقلاب وهو المصير والمآل لأن الانقلاب هو الرجوع . وفعل العلم معلق عن العمل بوجود اسم الاستفهام بعده . واسم الاستفهام في موضع نصب بالنيابة عن المفعول المطلق الذي أضيف هو إليه . قال في الكشاف : وكان السلف الصالح يتواعظون بها ويتناذرون شدتها .
بسم الله الرحمن الرحيم .
سورة النمل .
أشهر أسمائها " سورة النمل " . وكذلك سميت في صحيح البخاري وجامع الترمذي . وتسمى أيضا " سورة سليمان " وهذان الاسمان اقتصر عليهما في الإتقان وغيره .
وذكر أبو بكر ابن العربي في أحكام القرآن أنها تسمى " سورة الهدهد " . ووجه الأسماء الثلاثة أن لفظ النمل ولفظ الهدهد لم يذكرا في سورة من القرآن غيرها وأما تسميتها " سورة سليمان " فلأن ما ذكر فيها من ملك سليمان مفصلا لم يذكر مثله في غيرها .
وهذه السورة مكية بالاتفاق كما حكاه ابن عطية والقرطبي والسيوطي وغير واحد . وذكر الخفاجي أن بعضهم ذهب إلى مكية بعض آياتها " كذا ولعله سهو صوابه مدنية بعض آياتها " ولم أقف على هذا لغير الخفاجي .
وهي السورة الثامنة والأربعون في عداد نزول السور نزلت بعد الشعراء وقبل القصص . كذا روي عن ابن عباس وسعيد بن جبير .
وقد عدت آياتها في عدد أهل المدينة ومكة خمسا وتسعين وعند أهل الشام والبصرة والكوفة أربعا وتسعين .
من أغراض هذه السورة .
أول أغراض هذه السورة افتتاحها بما يشير إلى إعجاز القرآن ببلاغة نظمه وعلو معانيه بما يشير إليه الحرفان المقطعان في أولها .
والتنويه بشأن القرآن وأنه هدى لمن ييسر الله الاهتداء به دون من جحدوا أنه من عند الله .
والتحدي بعلم ما فيه من أخبار الأنبياء .
والاعتبار بملك أعظم ملك أوتيه نبي . وهو ملك داود وملك سليمان عليهما السلام . وما بلغه من العلم بأحوال الطير وما بلغ إليه ملكه من عظمة الحضارة .
وأشهر أمة في العرب أوتيت قوة وهي أمة ثمود . والإشارة إلى ملك عظيم من العرب وهو ملك سبأ . وفي ذلك إيماء إلى أن نبوة محمد A رسالة تقارنها سياسة الأمة ثم يعقبها ملك وهو خلافة النبي A .
وأن الشريعة المحمدية سيقام بها ملك للأمة عتيد كما أقيم لبني إسرائيل ملك سليمان .
ومحاجة المشركين في بطلان دينهم وتزييف آلهتهم وإبطال أخبار كهانهم وعرافيهم وسدنة آلهتهم . وإثبات البعث وما يتقدمه من أهوال القيامة وأشراطها .
وأن القرآن مهيمن على الكتب السابقة . ثم موادعة المشركين وإنباؤهم بأن شأن الرسول الاستمرار على إبلاغ القرآن وإنذارهم بأن آيات الصدق سيشاهدونها والله مطلع على أعمالهم .
قال ابن الفرس ليس في هذه السورة إحكام ولا نسخ . ونفيه أن يكون فيها إحكام ولا نسخ معناه أنها لم تشتمل على تشريع قار ولا على تشريع منسوخ . وقال القرطبي في تفسير آية ( وأمرت أن أكون من المسلمين وأن أتلو القرآن فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ) الآية نسختها آية القتال اه يعني الآية النازلة بالقتال في سورة البراءة . وتسمى آية السيف والقرطبي معاصر لابن الفرس إلا أنه كان بمصر وابن الفرس بالأندلس وقوله ( لأعذبنه عذابا شديدا ) ويؤخذ منهما حكمان كما سيأتي .
( طس )