وصيغة ( من المخرجين ) أبلغ من : لنخرجنك كما تقدم في قوله تعالى ( لتكونن من المرجومين ) . وكان جواب لوط على وعيدهم جواب مستخف بوعيدهم إذ أعاد الإنكار ( قال إني لعملكم من القالين ) أي من المبغضين . وقوله ( من القالين ) أبلغ في الوصف من أن يقول : إني لعلمكم قال كما تقدم في قوله تعالى ( قل أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين ) في سورة البقرة . وذلك أكمل في الجناس لأنه يكون جناسا تاما فقد حصل بين ( قال ) وبين ( القالين ) جناس مذيل ويسمى مطرفا .
وأقبل على الدعاء إلى الله أن ينجيه وأهله مما يعمل قومه أي من عذاب ما يعملونه فلا بد من تقدير مضاف كما دل عليه قوله ( فنجيناه ) . ولا يحسن جعل المعنى : نجني من أن أعمل عملهم لأنه يفوت معه التعريض بعذاب سيحل بهم . والقصة تقدمت في الأعراف وفي هود والحجر .
والفاء في قوله ( فنجيناه ) للتعقيب أي كانت نجاته عقب دعائه حسبما يقتضي ذلك من أسرع مدة بين الدعاء وأمر الله إياه بالخروج بأهله إلى قرية " صوغر " .
والعجوز : المرأة المسنة وهي زوج لوط وقوله ( في الغابرين ) صفة ( عجوزا ) .
والغابر : المتصف بالغبور وهو البقاء بعد ذهاب الأصحاب أو أهل الخيل أي باقية في العذاب بعد نجاة زوجها وأهله وهي مستثناة من ( وأهله أجمعين ) . وذلك أنها لحقها العذاب من دون أهلها فكان صفة لها . وقد تقدم ذلك في قصتهم في سورة هود .
و ( ثم ) للتراخي الرتبي لأن إهلاك المكذبين أجدر بأن يذكر في مقام الموعظة من ذكر إنجاء لوط والمؤمنين .
A E والتدمير : الإصابة بالدمار وهو الهلاك وذلك أنهم استؤصلوا بالخسف وإمطار الحجارة عليهم .
والمطر : الماء الذي يسقط من السحاب على الأرض . والإمطار : إنزال المطر يقال : أمطرت السماء . وسمي ما أصابهم من الحجارة مطرا لأنه نزل عليهم من الجو . وقيل هو من مقذوفات براكين في بلادهم أثارتها زلازل الخسف فهو تشبيه بليغ .
و ( ساء ) فعل ذم بمعنى بئس . وفي قوله ( المنذرين ) تسجيل عليهم بأنهم أنذروا فلم ينتذروا .
( إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين [ 174 ] وإن ربك لهو العزيز الرحيم [ 175 ] ) .
أي في قصتهم المعلومة للمشركين آية قال تعالى ( وإنكم لتمرون عليهم مصبحين وبالليل أفلا تعقلون ) وتقدم القول في نظيره آنفا .
( كذب أصحاب ليكة المرسلين [ 176 ] إذ قال شعيب ألا تتقون [ 177 ] إني لكم رسول أمين [ 178 ] فاتقوا الله وأطيعون [ 179 ] وما أسئلكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العلمين [ 180 ] ) .
استئناف تعداد وتكرار كما تقدم في جملة ( كذبت عاد المرسلين ) . ولم يقرن فعل ( كذب ) هذا بعلامة التأنيث لأن ( أصحاب ) جمع صاحب وهو مذكر معنى ولفظا بخلاف قوله ( كذبت قوم لوط ) فإن ( قوم ) في معنى الجماعة والأمة كما تقدم في قوله ( كذبت قوم نوح المرسلين ) .
وقرأ نافع وابن كثير وابن عامر وأبو جعفر ( ليكة ) بلام مفتوحة بعدها ياء تحتية ساكنة ممنوعا من الصرف للعلمية والتأنيث . وقرأه الباقون ( الأيكة ) بحرف التعريف بعده همزة مفتوحة وبجر آخره على انه تعريف عهد لأيكة معروفة . والأيكة : الشجر الملتف وهي الغيضة . وعن أبي عبيد : رأيتها في الإمام مصحف عثمان Bه في الحجر وق ( الأيكة ) وفي الشعراء وص ( ليكة ) واجتمعت مصاحف الأمصار كلها بعد ذلك ولم تختلف .
وأصحاب ليكة : هم قوم شعيب أو قبيلة منهم . قالوا : وكانت غيضتهم من شجر المقل " بضم الميم وسكون القاف وهو النبق " ويقال له الدوم " بفتح الدال المهملة وسكون الواو "