وتأكيده بحرف التأكيد مع عدم سبق إنكارهم أمانته لأنه توقع حدوث الإنكار فاستدل عليهم بتجربة أمانته قبل تبليغ الرسالة فإن الأمانة دليل على صدقه فيما بلغهم من رسالة الله كما قال هرقل لأبي سفيان وقد سأله ؛ هل جربتم عليه " يعني النبي A " كذبا فقال أبو سفيان : لا ونحن منه في مدة لا ندري ما فعل فيها . فقال له هرقل بعد ذلك : فقد علمت أنه ما كان ليترك الكذب على الناس ويكذب على الله . ففي حكاية استدلال نوح بأمانته بين قومه في هذه القصة المسوقة مثلا للمشركين في تكذيبهم محمدا A تعريض بهم إذ كذبوه بعد أن كانوا يدعونه الأمين ويحتمل أن يراد به أمين من جانب الله على الأمة التي أرسل إليها . والتأكيد أيضا لتوقع الإنكار منهم .
وجملة ( وما أسألكم عليه من أجر ) عطف على جملة ( إني لكم رسول أمين ) أي علمتم أني أمين لكم وتعلمون أني لا أطلب من دعوتكم إلى الإيمان نفعا لنفسي . وضمير ( عليه ) عائد إلى معلوم من مقام الدعوة .
A E وقوله ( فاتقوا الله وأطيعون ) تأكيد لقوله ( ألا تتقون ) وهو اعتراض بين الجملتين المتعاطفتين . وكرر جملة ( فاتقوا الله وأطيعون ) لزيادة التأكيد فيكون قد افتتح دعوته بالنهي عن ترك التقوى ثم علل ذلك ثم أعاد ما تقتضيه جملة الاستفتتاح ثم علل ذلك بقوله ( وما أسألكم عليه من أجر ) ثم أعاد جملة الدعوة في آخر كلامه إذ قال ( فاتقوا الله وأطيعون ) مرة ثانية بمنزلة النتيجة للدعوة ولتعليلها .
وحذفت الياء من ( أطيعون ) في الموضعين كما حذفت في قوله ( وأخاف أن يقتلون ) في أوائل السورة .
وفي قوله ( إن أجري إلا على رب العالمين ) إشارة إلى يوم الجزاء وكانوا ينكرون البعث كما دل عليه قوله في سورة نوح ( والله أنبتكم من الأرض نباتا ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجا ) . وتقدم ذكر نوح عند قوله تعالى ( إن الله اصطفى آدم ونوحا ) في آل عمران .
( قالوا أنؤمن لك واتبعك الأرذلون [ 111 ] قال وما علمي بما كانوا يعملون [ 112 ] إن حسابهم إلا على ربي لو تشعرون [ 113 ] وما أنتا بطارد المؤمنين [ 114 ] إن أنا إلا نذير مبين [ 115 ] ) .
جملة ( قالوا ) استئناف بياني لما يثيره قوله ( كذبت قوم نوح ) من استشراق السامع لمعرفة ما دار بينهم وبين نوح من حوار ولذلك حكيت مجادلتهم . بطريقة : قالوا وقال . والقائلون : هم كبراء القوم الذي تصدوا لمحاورة نوح .
والاستفهام في ( أنؤمن ) استفهام إنكاري أي لا نؤمن لك وقد اتبعك الأرذولون فجملة ( واتبعك ) حالية .
والأرذولون : سقط القوم موصوفون بالرذالة وهي الخسة والحقارة أرادوا بهم ضعفاء القوم وفقراءهم فتكبروا وتعاظموا أن يكونوا والضعفاء سواء في اتباع نوح . وهذا كما قال عظماء المشركين للنبي A لما كان من المؤمنين عمار وبلال وزيد ابن حارثة : أنحن نكون تبعا لهؤلاء أطردهم عنك فلعلك إن طردتهم أن نتبعك . فأنزل الله تعالى ( ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ) الآيات من سورة الأنعام .
وقرأ الجمهور ( واتبعك ) بهمزة وصل وتشديد التاء الفوقية على أنه فعل مضي من صيغة الافتعال . والمعنى : أنهم كانوا من أتباعه أو كانوا أكثر أتباعه . وقرأ يعقوب ( وأتباعك ) بهمزة قطع وسكون الفوقية وألف بعد الموحدة على أنه جمع تابع . والمعنى : أنهم أتباعه لا غيرهم فالصيغة صيغة قصر .
وجواب نوح عن كلام قومه يحتاج إلى تدقيق في لفظه ومعناه . فأما لفظه فاقتران أوله بالواو يجعله في حكم المعطوف على كلام قومه تنبيها على اتصاله بكلامهم . وذلك كناية عن مبادرته بالجواب كما في قوله تعالى حكاية عن إبراهيم عليه السلام قال ( ومن ذريتي ) بعد قوله ( قال إني جاعلك للناس إماما ) . ويسمى عطف تلقين مراعاة لوقوعه في تلك الآية والأولى أن يسمى عطف تكميل