( قالوا أرجه وأخاه وابعث في المدائن حاشرين يأتوك بكل سحار عليم [ 37 ] ) .
تقدم الكلام على نظيرها في سورة الأعراف سوى أن في هذه الآية ( وابعث ) بدل ( وأرسل ) وهما مترادفان وفي هذه الآية ( سحار ) وهنالك ( ساحر ) والسحار مرادف للساحر في الاستعمال لأن صيغة فعال هنا للنسب دلالة على الصناعة مثل النجار والقصاب ولذلك أتبع هنا وهناك بوصف ( عليم ) أي قوي العلم بالسحر .
( فجمع السحرة لميقات يوم معلوم [ 38 ] وقيل للناس هل أنتم مجتمعون [ 39 ] لعلنا نتبع السحرة إن كانوا هم الغالبين [ 40 ] ) .
دلت الفاء على أن جمع السحرة وقع في أسرع وقت عقب بعث الحاشرين حرصا من الحاشرين والمحشورين على تنفيذ أمر فرعون .
وبني ( جمع - وقيل ) للنائب لعدم تعين جامعين وقائلين أي جمع من يجمع وقال القائلون .
واللام في ( لميقات ) بمعنى ( عند ) كاللام في قوله تعالى ( أقم الصلاة لدلوك الشمس ) . واليوم : هو يوم الزينة وهو يوم وفاء النيل . والوقت هو الضحى كما في سورة طه .
والميقات : الوقت وأصله اسم آلة التوقيت . سمي به الوقت المعين تشبيها له بالآلة .
والتعريف في ( للناس ) للاستغراق العرفي وهم ناس بلدة فرعون ( منفيس ) أو ( طيبة ) .
A E و ( هل أنتم مجتمعون ) استحثاث للناس على الاجتماع فالاستفهام مستعمل في طلب الإسراع بالاجتماع بحيث نزلوا منزلة من يسأل سؤال تحقيق عن عزمه على الاجتماع كقوله تعالى ( فهل أنتم منتهون ) في سورة العقود وقول تأبط شرا : .
هل أنت باعث دينار لحاجتنا ... أوعبد رب أخا عون بن مخراق يريد ابعث إلينا دينارا أو عبد رب سريعا لأجل حاجتنا بأحدهما . ورجوا اتباع السحرة أي اتباع ما يؤيده سحر السحرة وهو إبطال دين ما جاء به موسى فكان قولهم ( لعلنا نتبع السحرة ) كناية عن رجاء تأييدهم في إنكار رسالة موسى فلا يتبعونه . وليس المقصود أن يصير السحرة أيمة لهم لأن فرعون هو المتبع . وقد جيء في شرط ( إن كونوا هم الغالبين ) بحرف ( إن ) لأنها أصل أدوات الشرط ولم يكن لهم شك في أن السحرة غالبون . وهذا شأن المغرورين بهواهم العمي عن النظر في تقلبات الأحوال أنهم لا يفرضون من الاحتمالات إلا ما يوافق هواهم ولا يأخذون العدة لاحتمال نقيضه .
( فلما جاء السحرة قالوا لفرعون أين لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين [ 41 ] قال نعم وأنكم إذا لمن المقربين [ 42 ] ) .
تقدم نظيرها في سورة الأعراف بقوله ( وجاء السحرة ) وبطرح همزة الاستفهام إذ قال هناك ( إن لنا لأجرا ) وهو تفنن في حكاية مقالتهم عند إعادتها لئلا تعاد كما هي وبدون كلمة ( إذا ) فحكى هنا ما في كلام فرعون من دلالة على جزاء مضمون قولهم ( إن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين ) زيادة على ما اقتضاه حرف ( نعم ) من تقرير استفهامهم عن الأجر . فتقدير الكلام : إن كنتم غالبين إذا إنكم لمن المقربين . وهذا وقع الاستغناء عنه في سورة الأعراف فهو زيادة في حكاية القصة هنا . وكذلك شأن القرآن في قصصه أن لا يخلو المعاد منها عن فائدة غير مذكورة في في موضع آخر منه تجديدا لنشاط السامع كما تقدم في المقدمة السابعة من مقدمات هذا التفسير . وسؤالهم عن استحقاق الأجر إدلال بخبرتهم وبالحاجة إليهم إذ علموا أن فرعون شديد الحرص على أن يكونوا غالبين وخافوا أن يسخرهم فرعون بدون أجر فشرطوا أجرهم من قبل الشروع في العمل ليقيدوه بوعده .
( قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون [ 43 ] فألقوا حبالهم وعصيهم وقالوا بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون [ 44 ] ) .
حكى كلام موسى في ذلك الجمع بإعادة فعل ( قال ) مفصولا بطريقة حكاية المحاورات لأنه كان المقصود بالمحاورة إذ هم حضروا لأجله