ويجوز أن تكون جملة ( وأنت من الكافرين ) عطفا على الجمل التي قبلها التي هي توبيخ ولوم فوبخه على ما تقدم رعيه تربيتهم إياه فيما مضى ثم وبخه على كونه كافرا بدينهم في الحال ولأن قوله ( من الكافرين ) حقيقة في الحال إذ هو اسم فاعل واسم الفاعل حقيقة في الحال .
ويجوز أن يكون المعنى : وأنت حينئذ من الكافرين بديننا استنادا منه إلى ما بدا من قرائن دلته على استخفاف موسى بدينهم فيما مضى لأن دينهم يقتضي الإخلاص لفرعون وإهانة من يهينهم فرعون . ولعل هذا هو السبب في عزم فرعون على أن يقتص من موسى للقبطي لأن الاعتداء عليه كان مصحوبا باستخفاف بفرعون وقومه .
ويفيد الكلام بحذافره تعجبا من انتصاب موسى منصب المرشد مع ما اقترفه من النقائص في نظر فرعون المنافية لدعوى كونه رسولا من الرب .
A E ( قال فعلتها إذا وأنا من الضالين [ 20 ] ففررت منكم لما خفتكم فوهب لي ربي حكما وجعلني من المرسلين [ 21 ] وتلك نعمة تمنها علي أن عبدت بني إسرائيل [ 22 ] ) .
كانت رباطة جأش موسى وتوكله على ربه باعثة له على الاعتراف بالفعلة وذكر ما نشأ عنها من خير له ليدل على أنه حمد أثرها وإن كان قد اقترفها غير مقدر ما جرته إليه من خير ؛ فابتدأ بالإقرار بفعلته ليعلم فرعون أنه لم يجد لكلامه مدخل تأثير في نفس موسى . وأخر موسى الجواب عن قول فرعون ( ألم نربك فينا وليدا ولبثت فينا من عمرك سنين ) لأنه علم أن القصد منه الإقصار من مواجهته بأن ربا أعلى من فرعون أرسل موسى إليه . وابتدأ بالجواب عن الأهم من كلام فرعون وهو ( وفعلت فعلتك ) لأنه علم أنه أدخل في قصد الإفحام وليظهر لفرعون أنه لا يوجل من أن يطالبوه بذحل ذلك القتيل ثقة بأن الله ينجيه من عدوانهم .
وكلمة ( إذا ) هنا حرف جواب وجزاء فنونه الساكنة ليست تنويا بل حرفا أصليا للكلمة وقدم ( فعلتها ) على ( إذن ) مبادرة بالإقرار ليكون كناية عن عدم خشيته من هذا الإقرار . ومعنى المجازاة هنا ما بينه في الكشاف : أن قول فرعون ( فعلت فعلتك ) يتضمن معنى جازيت نعمتنا بما فعلت ؛ فقال له موسى : نعم فعلتها مجازيا لك تسليما لقوله لأن نعمته كانت جديرة بأن تجازي بمثل ذلك الجزاء . وهذا أظهر ما قيل في تفسير هذه الآية . وقال القزويني في حاشية الكشاف : قال بعض المحققين : ( إذا ) ظرف مقطوع عن الإضافة مؤثرا في الفتح على الكسر لخفته وكثرة الدوران ولعله يعني ببعض المحققين رضي الدين الاسترابادي في شرح الكافية الحاجبية فإنه قال في باب الظروف : والحق أن ( إذ ) إذا حذف المضاف إليه منه وأبدل منه التنوين في غير نحو يومئذ جاز فتحه أيضا ومنه قوله تعالى ( فعلتها إذا وأنا من الضالين ) أي فعلتها إذ ربيتني إذ لا معنى للجزاء ههنا اه . فيكون متعلقا ب ( فعلتها ) مقطوعا عن الإضافة لفظا لدلالة العامل على المضاف إليه . والمعنى : فعلتها زمنا فعلتها فتذكيري بها بعد زمن طويل لا جدوى له . وهذا الوجه في ( إذا ) في الآية هو مختار ابن عطية والرضي في شرح الحاجبية والدماميني في المزج على المغني وظاهر كلام القزويني في الكشف على الكشاف أنه يختاره .
ومعنى الجزاء في قوله ( فعلتها إذن ) أن قول فرعون ( وفعلت فعلتك التي فعلت ) قصد بها إفحام موسى وتهديده فجعل موسى الاعتراف بالفعلة جزاء لذلك التهديد على طريقة القول بالموجب أي لا أتهيب ما أردت .
وجعل موسى نفسه من الضالين إن كان مراد كلامه الذي حكت الآية معناه إلى العربية المعنى المشهور للضلال في العربية وهو ضلال الفساد فيكون مراده : أن سورة الغضب أغفلته عن مراعاة حرمة النفس وإن لم يكن يومئذ شريعة فإن حفظ النفوس مما اتفق عليه شرائع البشر وتوارثوه في الفتر ويؤيد هذا قوله في الآية الأخرى ( قال رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له ) ؛ وإن كان معنى ضلال الطريق أي كنت يومئذ على غير معرفة بالحق لعدم وجود شريعة وهو معنى الجهالة كقوله تعالى ( ووجدك ضالا فهدى ) فالأمر ظاهر