وجملة ( وما كان أكثرهم مؤمنين ) عطف على جملة ( إن في ذلك لآية ) إخبار عنهم بأنهم مصرون على الكفر بعد هذا الدليل الواضح وضمير ( أكثرهم ) عائد إلى معلوم من المقام كما عاد الضمير الذي في قوله ( أن يكونوا مؤمنين ) وهم مشركو أهل مكة وهذا تحد لهم كقوله ( ولن تفعلوا ) .
وأسند نفي الإيمان إلى أكثرهم لأن قليلا منهم يؤمنون حينئذ أو بعد ذلك .
و ( كان ) هنا مقحمة للتأكيد على رأي سيبويه والمحققين .
A E وجملة ( وإن ربك لهو العزيز الرحيم ) تذييل لهذا الخبر : بوصف الله بالعزة أي تمام القدرة فتعلمون أنه لو شاء لعجل لهم العقاب وبوصف الرحمة إيماء إلى أن في إمهالهم رحمة بهم لعلهم يشكرون ورحيم بك . قال تعالى ( وربك الغفور ذو الرحمة لو يؤاخذهم بما كسبوا لعجل لهم العذاب ) . وفي وصف الرحمة إيماء إلى إنه يرحم رسله بتأييده ونصره .
واعلم أن هذا الاستدلال لما كان عقليا اقتصر عليه ولم يكرر بغيره من نوع الأدلة العقلية كما كررت الدلائل الحاصلة من العبرة بأحوال الأمم من قوله ( وإذ نادى ربك موسى ) إلى آخر قصة أصحاب ليكة .
( وإذ نادى ربك موسى أن ائت القوم الظالمين [ 10 ] قوم فرعون ألا يتقون [ 11 ] ) .
شروع في عد آيات على صدق الرسول A بذكر عواقب المكذبين برسلهم ليحذر المخاطبون بالدعوة إلى الإسلام من أن يصيبهم ما أصاب المكذبين . وفي ضمن ذلك تبيين لبعض ما نادى به الرسل من البراهين .
وإذ قد كانت هذه الأدلة من المثلات قصد ذكر كثير أشتهر منها ولم يقتصر على حادثة واحدة لأن الأدلة غير العقلية يتطرقها احتمال عدم الملازمة بأن يكون ما أصاب قوما من أولئك على وجه الصدفة والاتفاق فإذا تبين تكرر أمثالها ضعف احتمال الاتفاقية لأن قياس التمثيل لا يفيد القطع إلا بانضمام مقومات له من تواتر وتكرر .
وإنما ابتدئ بذكر قصة موسى ثم قصة إبراهيم على خلاف ترتيب حكاية القصص الغالب في القرآن من جعلها على ترتيب سبقها في الزمان لعله لأن السورة نزلت للرد على المشركين في إلحاحهم على إظهار آيات من خوارق العادات في الكائنات زاعمين أنهم لا يؤمنون إلا إذا جاءتهم آية ؛ فضرب لهم المثل بمكابرة فرعون وقومه في آيات موسى إذ قالوا ( إن هذا لساحر مبين ) وعطف ( وإذ نادى ربك موسى ) عطف جملة على جملة ( أو لم يروا الأرض ) بتمامها .
ويكون ( إذ ) اسم زمان منصوبا بفعل محذوف تقديره : واذكر إذ نادى ربك موسى على طريقة قوله في القصة التي بعدها ( واتل عليهم نبأ إبراهيم ) . وفي هذا المقدر تذكير للرسول E بما يسليه عما يلقاه من قومه .
ونداء الله موسى الوحي إليه بكلام سمعه من غير واسطة ملك .
وجملة ( أن ائت القوم الظالمين ) تفسير لجملة ( نادى ) و ( أن ) تفسيرية . والمقصود من سوق هذه القصة هو الموعظة بعاقبة المكذبين وذلك عند قوله تعالى ( فأوحينا إلى موسى إن اضرب بعصاك البحر ) إلى قوله ( وإن ربك لهو العزيز الرحيم ) . وأما ما تقدم ذلك من قوله ( وإذ نادى ربك موسى ) الخ فهو تفصيل لأسباب الموعظة بذكر دعوة موسى إلى ما أمر بإبلاغه وإعراض فرعون وقومه وما عقب ذلك إلى الخاتمة .
واستحضار قوم فرعون بوصفهم بالقوم الظالمين إيماء إلى علة الإرسال . وفي هذا الإجمال توجيه نفس موسى لترقب تعيين هؤلاء القوم بما يبينه وإثارة لغضب موسى عليهم حتى ينضم داعي غضبه عليهم إلى داعي امتثال أمر الله الباعثه إليهم وذلك أوقع لكلامه في نفوسهم . وفيه إيماء إلى أنهم اشتهروا بالظلم .
ثم عقب ذلك بذكر وصفهم الذاتي بطريقة البيان من القوم الظالمين وهو قوله ( قوم فرعون ) وفي تكرير كلمة ( قوم ) موقع من التأكيد فلم يقل : ائت قوم فرعون الظالمين كقول جرير : .
يا تيم تيم عدي لا أبا لكم ... لا يلفينكم في سوأة عمر والظلم يعم أنواعه فمنها ظلمهم أنفسهم بعبادة ما لا يستحق العبادة ومنها ظلمهم الناس حقوقهم إذ استعبدوا بني إسرائيل واضطهدوهم وتقدم استعماله في المعنيين مرارا في ضد العدل ( ومن أظلم ممن منع مساجد الله ) في البقرة وبمعنى الشرك في قوله ( الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم ) في الأنعام