( ألم تكن آياتي تتلى عليكم فكنتم بها تكذبون [ 105 ] قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين [ 106 ] ربنا أخرجنا منها فإنا ظالمون [ 107 ] ) جملة ( ألم تكن آياتي تتلى عليكم ) مقول قول محذوف أي يقال لهم يومئذ . وهذا تعرض لبعض ما يجري يومئذ . والآيات : آيات القرآن بقرينة قوله ( تتلى عليكم ) وقوله ( فكنتم بها تكذبون ) حملا على ظاهر اللفظ .
والتلاوة : القراءة . وقد تقدم عند قوله تعالى ( واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان ) في البقرة وقوله ( وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا ) في سورة الأنفال . والاستفهام إنكار .
والغلب حقيقته : الاستيلاء والقهر . وأطلق هنا على التلبس بالشقوة دون التلبس بالسعادة . ومفعول ( غلبت ) محذوف يدل عليه ( شقوتنا ) لأن الشقوة تقابلها السعادة أي غلبت شقوتنا السعادة . والمجرور ب ( على ) بعد مادة الغلب هو الشيء المتغالب عليه كما في الحديث " قال النساء : غلبنا عليك الرجال " ؛ مثلت حالة اختيارهم لأسباب الشقوة بدل أسباب السعادة بحالة غائرة بين السعادة والشقاوة على نفوسهم . وإضافة الشقوة إلى ضميرهم لا اختصاصها بهم حين صارت غالبة عليهم .
والشقوة بكسر الشين وسكون القاف في قراءة الجمهور . وهي زنة الهيئة من الشقاء . وقرأ حمزة والكسائي وخلف ( شقاوتنا ) بفتح الشين وبألف بعد القاف وهو مصدر على صيغة الفعالة مثل الجزالة والسذاجة . وزيادة قوله ( قوما ) ليدل على إن الضلالة من شيمتهم وبها قوام قوميتهم كما تقدم عند قوله ( لآيات لقوم يعقلون ) في سورة البقرة وعند قوله ( وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون ) في آخر سورة يونس .
وهم ظنوا أنهم إن أخرجوا من النار رجعوا إلى الإيمان والعمل الصالح فالتزموا لله بانهم لا يعودون إلى الكفر والتكذيب .
وحذف متعلق ( عدنا ) لظهوره من المقام إذ كان إلقاؤهم في النار لأجل الإشراك والتكذيب كما دل عليه قولهم ( وكنا قوما ضالين ) .
والظلم في ( فإنا ظالمون ) هو تجاوز العدل والمراد ظلم آخر بعد ظلمهم الأول وهو الذي ينقطع عنده سؤال العفو .
( قال اخسئوا فيها ولا تكلمون [ 108 ] إنه كان فريق من عبادي يقولون ربنا آمنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الرحمين [ 109 ] فاتخذتموهم سخريا حتى أنسوكم ذكري وكنتم منهم تضحكون [ 110 ] إني جزيتهم اليوم بما صبروا أنهم هم الفائزون [ 111 ] ) ( اخسأوا ) زجر شتم بأنهم خاسئون ومعناه عدم استجابة طلبهم . وفعل خسأ من باب منع ومعناه ذل . ونهوا عن خطاب الله والمقصود تأييسهم من النجاة مما هم فيه .
وجملة ( إنه كان فريق من عبادي ) إلى آخرها استئناف قصد منه إغاظتهم بمقابلة حالهم يوم العذاب بحال الذين أنعم الله عليهم وتحسيرهم على ما كانوا يعاملون به المسلمين .
والإخبار في قوله ( إنه كان فريق من عبادي ) إلى قوله ( سخريا ) مستعمل في كون المتكلم عالما بمضمون الخبر بقرينة أن المخاطب يعلم أحوال نفسه . وتأكيد الخبر ب ( إن ) وضمير الشأن للتعجيل بإرهابهم .
وجملة ( إني جزيتهم ) خبر ( إن ) الأولى لزيادة التأكيد . وتقدم نظيره في قوله ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا ) في سورة الكهف .
والسخري بضم السين في قراءة نافع والكسائي وأبي جعفر وخلفن وبكسر السين في قراءة الباقين وهما وجهان ومعناهما واحد عند المحقيقن من أئمة اللغة لا فرق بينهما خلافا لأبي عبيدة والكسائي والفراء الذين جعلوا المكسور مأخوذا من سخر بمعنى هزأ والمضموم مأخوذا من السخرة بضم السين وهي الاستخدام بلا أجر . فلما قصد منه المبالغة في حصول المصدر أدخلت ياء النسبة كما يقال لك الخصوصية لمصدر الخصوص .
وسلط الاتخاذ على المصدر للمبالغة كما يوصف بالمصدر . والمعنى : اتخذتموهم مسخورا بهم فنصب ( سخريا ) على أنه مفعول ثان ل ( اتخذتموهم ) .
A E