أعقب تنزيه الرسول عما افتروه عليه بتنزيه الإسلام عما سموه به من الأباطيل والتنزيه بإثبات ضد ذلك وهو أنه صراط مستقيم أي طريق لا التواء فيه ولا عقبات فالكلام تعريض بالذين اعتقدوا خلاف ذلك . وإطلاق الصراط المستقيم عليه من حيث إنه موصل إلى ما يتطلبه كل عاقل من النجاة وحصول الخير فكما أن السائر إلى ما طلبته لا يبلغها إلا بطريق ولا يكون بلوغه مضمونا ميسورا إلا إذا كان الطريق مستقيما فالنبي صلى الله عليه وسلم لما دعاهم إلى الإسلام دعاهم إلى السير في طريق موصل بلا عناء .
والتأكيد ب ( إن ) واللام باعتبار أنه مسوق للتعريض بالمنكرين على ما دعاهم إليه النبي صلى الله عليه وسلم .
وكذلك التوكيد في قوله ( وإن الذين لا يؤمنون بالآخرة عن الصراط لناكبون ) . والتعبير فيه بالموصول وصلته إظهار في مقام الإضمار حيث عدل عن أن يقول : وإنهم عن الصراط لناكبون . والغرض منه ما تنبئ به الصلة من سبب تنكبهم عن الصراط المستقيم أن سببه عدم إيمانهم بالآخرة .
وتقدم قوله تعالى ( قال هذا صراط علي مستقيم ) في سورة الحجر .
والتعريف في ( الصراط ) أي هم ناكبون عن الصراط من حيث هو حيث لم يتطلبوا طريق نجاة فهم ناكبون عن الطريق بله الطريق المستقيم ولذلك لم يكن التعريف في قوله ( عن الصراط ) للعهد بالصراط المذكور لأن تعريف الجنس أتم في نسبتهم إلى الضلال بقرينة أنهم لا يؤمنون بالآخرة التي هي غاية العامل من عمله فهم إذن ناكبون عن كل صراط موصل إذ لا همة لهم في الوصول .
والناكب : العادل عن شيء المعرض عنه وفعله كنصر وفرح . وكأنه مشتق من المنكب وهو جانب الكتف لأن العادل عن شيء يولي وجهه عنه بجانبه .
( ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر للجوا في طغيانهم يعمهون [ 75 ] ) عطف على جملة ( حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب إذا هم يجأرون ) وما بينهما اعتراضات باستدلال عليهم وتنديم وقطع لمعاذيرهم أي ليسوا بحيث لو استجاب الله جؤارهم عند نزول العذاب بهم وكشف عنهم العذاب لعادوا إلى ما كانوا فيه من الغمرة والأعمال السيئة لأنها صارت سجية لهم لا تتخلف عنهم . وهذا في معنى قوله تعالى ( إنا كاشفوا العذاب قليلا إنكم عائدون ) .
و ( لو ) هنا داخلة على الفعل الماضي المراد منه الاستقبال بقرينة المقام إذ المقام للإنذار والتأييس من الإغاثة عند نزول العذاب الموعود به وليس مقام اعتذار من الله عن عدم استجابته لهم أو عن إمساك رحمته عنهم لظهور أن ذلك لا يناسب مقام الوعيد والتهديد . وأما مجيء هذا الفعل بصيغة المضي فذلك مراعاة لما شاع في الكلام من مقارنة ( لو ) لصيغة الحاضر لأن أصلها أن تدل على الامتناع في الماضي ولذلك كان الأصل عدم جزم الفعل بعدها .
واللجاج بفتح اللام : الاستمرار على الخصام وعدم الإقلاع عن ذلك يقال : لج يلج ويلج بكسر اللام وفتحها في المضارع على اختلاف حركة العين في الماضي .
والطغيان : أشد الكبر . والعمه : التردد في الضلالة . ( وفي طغيانهم ) متعلق ب ( يعمهون ) قدم عليه للاهتمام بذكره وللرعي على الفاصلة . و ( في ) للظرفية المجازية المراد منها معنى السببية . وتقدم قوله تعالى ( ويمدهم في طغيانهم يعمهون ) في سورة البقرة .
( ولقد أخذنهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون [ 76 ] حتى إذا فتحنا عليهم بابا ذا عذاب شديد إذا هم فيه مبلسون [ 77 ] ) استدلال على مضمون قوله ( ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر للجوا في طغيانهم يعمهون ) بسابق إصرارهم على الشرك والإعراض عن الالتجاء إلى الله وعدم الاتعاظ بأن ما حل بهم من العذاب هو جزاء شركهم .
والجملة المتقدمة خطاب النبي صلى الله عليه وسلم وهو يعلم صدقه فلم يكن بحاجة إلى الاستظهار عليه . ولكنه لما كان متعلقا بالمشركين وكان بحيث يبلغ أسماعهم وهم لا يؤمنون بأنه كلام من لا شك في صدقه كان المقام محفوفا بما يقتضي الاستدلال عليهم بشواهد أحوالهم فيما مضى ؛ ولذلك وقع قبله ( فذرهم في غمرتهم حتى حين ) ووقع بعده ( قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون ) .
A E